مؤسسات الدولة بلا مؤسسية، ثم إن الدولة استمرت مغيبة على مدى عقود. تلك أفدح الكوارث التي يعانيها اليمنيون اليوم، ومن أهم أسرار النظام السابق - وأبشع جرائمه على الشعب - أرباح تلك المؤسسات، حين لا تذهب إلى خزينة الدولة كما ينبغي. معروف أنهم بالنزوات والرغبات تعاملوا مع المال العام وثروات الشعب بلا رقيب أو حسيب، حتى صارت أجهزة رقابية كاللجنة العليا لمكافحة الفساد أو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مجرد مزحة ثقيلة ليس إلا. على أن تطهير الفساد المتراكم والمهول صاحب الأنياب والمخالب الأخطبوطية والمترسخة كهذا، يبدو من المشاق الصعبة والمستحيلة في دولة هلامية جداً كاليمن - بل وفي هذه المرحلة غير المستقرة بالذات - خصوصاً وأن الزعماء الحقيقيين في البلد هم الفاسدون بتلك المؤسسات، وقد خُضعت لإدارة قراصنة وعابثين وأوغاد وليس لمتخصصين وكوادر ونزهاء. رغم ذلك فإنه لابد من مساعٍ وطنية بنوايا حقيقية عقلانية وحازمة الآن لترسيخ خطة تطهير مستقبلية فاعلة لصيغ الفساد الهائل من هذه المؤسسات، وبالذات التي ظلت تدار بقرارات سياسية لا مهنية، لكأنها مؤسسات خاصة لا عامة. بينما لازالت عديد مؤسسات وشركات وهيئات لغزاً محيراً لأهم العقول الاقتصادية في البلد؛ نظراً للغموض الكبير الذي صنع حولها، وكذا ميزة شبه الحصانة لقياداتها من الاستجواب والعقاب، بحيث صارت ترتبط باللاشفافية واللامساءلة (كما توصل لذلك برلمانيون في وقت سابق بشأن المؤسسة الاقتصادية اليمنية كمثال)، إضافة إلى الاحتيالات الإدارية والهبرات الكبيرة والحسابات المضيعة والصفقات المشبوهة والمستخلصات الدفترية المالية الختامية الخادعة بالتأكيد في تلك المؤسسات العجيبة. الأنكى أنه في ظل اللادولة واللامؤسسية صارت معظم مناقصات مؤسسات الدولة تنجز بمقاولات الباطن لصالح نافذين ومتربّحين مدعومين؛ في جنون إفسادي أسطوري للأسف، لا يحدث إلا في اليمن. رابط المقال على الفيس بوك