كان الرئيس الأمريكي بوش الابن مولعا بمتابعة المؤتمرات الصحفية لوزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف، تماماً كولعي بمتابعة وتصريحات الرئيس صالح المنتهية ولايته، وآدميته. وفي كل مرة كان يبدو الرئيس بوش مندهشاً من تخريجات الصحاف، والسخرية من انتصارات أمريكا، رغم الضربات الموجعة التي تلقاها جيش العراق ونظام صدام، وهذا النجاح هو ما جعل شركة غربية تبيع 5 ملايين فنيلة عليها صورة الصحاف، فيما لو رسمت صورة صالح على "الفنايل" لن تباع إلا لتحرق في ساحات الغضب. منذ إشراق ثورة التغيير في فبراير الماضي، وأنا أرصد وأتابع كل خطابات وتصريحات صالح، وفي كل مرة أجده ينبش الويلات على وجهه، ويقدم نفسه بصورة سيئة ومراوغة، وسطحية "إن لم تكن تافهة". لا يليق برئيس دولة أن يتحدث عن "مسيرة الحياة" العظيمة بتلك الخفة البلهاء: "قوامها بين 2000 إلى 2500 شخص، ودفعوا لكل واحد 100 ألف ريال"، فيما تعرض فضائيات العالم "مسيرة الحياة" على مشارف صنعاء، وتعدادها يفوق نصف مليون ثائر، جاءوا لإيصال رسائل الصبر والعزيمة والسلمية والتضحية في سبيل الخلاص، وتحرير كل اليمن من كل الفساد. علي صالح حاول كسر رؤوس أبناء تعز، فتحدته أقدامهم، وصعدت حافية لتدوس كبرياء قوته في صنعاء، حيث مقر قصره وحكمه وحرسه، وكان لمسيرتهم نجاح استثنائي في فضح قبح النظام، وللعالم أن يتصور شباباً يقطعون 300 كلم مشياً على الأقدام، وفي كل منطقة يُستقبلون بكل حفاوة وترحاب، وحين يصلون مشارف عاصمتهم يستقبلهم علي صالح بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والهراوات، والقمع العنيف والاختطاف، مستخدماً كل إمكانيات الحرس الجمهوري الذي يقوده نجله أحمد، والأمن المركزي الذي يقوده نجل شقيقه يحيى صالح، خرجوا جميعهم يواجهون شباباً تعرت صدورهم، وشابات تمزقت أحذيتهن في طريق الخلاص. إذا ما أخذنا في الاعتبار الشوارع الداخلية للمدينتين؛ فإن المساحة بين ساحة الحرية بتعز وساحة التغيير بصنعاء تصل 300 كلم، فأي عزيمة وإرادة تسلح بها شباب "مسيرة الحياة"، وهم يقطعون مشياً على الأقدام كل الطريق الرابط بين تعز الساحلية، وصنعاء الجبلية، المرتفعة عن سطح البحر 2200 متر، منظر قدم شاب تعزي عرضها الزميل محمد عايش في صفحته على "الفيس بوك"، كانت عنواناً لغدنا المنتظر، لدولتنا المنشودة، لحلمنا الذي لم يكتمل، كانت القدم تبدو متقرحة الجلد، وبطن القدم يختلع عن أصله كحذاء إضافي، ولم يخفف ألم ذاك المنظر غير تعليق الزميل عايش: "التاريخ يكتب بأقدام أبناء تعز". نعم التاريخ سيكتب بأقدامهم، وسيكتب بأحجار تعز الصابرة، في كل منشأة ومسكن، سيكتب بأحجار منشآت البنية التحتية المدمرة؛ من المدارس إلى المستشفيات إلى الطرقات، وأتمنى أن يُترك أكثر المباني تضرراً على حاله، يدفع لأهله تعويضاً، ويدعون المبنى شاهداً حياً، يحكي للتاريخ وللأجيال القادمة عن دموية علي صالح، مؤسس النظام النازي في اليمن.. سيكتب التاريخ بدماء حرائر تعز، اللائي أرعبن علي صالح وهززن عرشه، فأرسل العشرات من قناصة قواته وحرسه الخاص لاصطيادهن، فكانت دمائهن "اكسيراً" يروي جذور ثورتنا، ولكم أن تتخيلوا: لم يكتفِ صالح بقتل حرائر تعز، بل دفع علماءه يفتون بأنهن لسن شهيدات، أحد عبدة الحاكم أفتى عبر "النت" أنه لا يجوز إطلاق صفة "الشهيدة" على المناضلة العظيمة الشهيدة ياسمين الأصبحي، لأنها بحسب رأيه "ماتت ميتة جاهلية"، ولم ينسَ أن يضيف "والعياذ بالله"!! هل كان هذا الشيخ "المودرن" أهلا للفتوى، أم للحوالات؟! تاريخ صالح سيكتب بأحذية أطفال مدارس تعز، الذين رأوا أحلامهم تتعثر عند أول حرف، فقرروا الذهاب إلى ساحة الحرية، وهناك دفعوا ثمن "يمن جديد ومستقبل أفضل".. عندما أقول كل ذلك لا ألغي ولا أفكر مطلقاً أن أهمش أو انتقص من دور أبناء بقية المحافظات، خاصة في أبين وعدن ولحج والحديدة وإب، أما المحافظات الشمالية المرتفعة التي يسكنها أبناء القبائل، فهم يستحقون أكثر من مقال، وأرفع من وسام، وأكبر من مجرد موقف، فقد أدهشونا في الداخل، أكثر من العالم الخارجي، وهم يقدمون أروع ملاحم التضحيات والفداء، بل كتبوا تاريخ القبيلة بماء الذهب وصحائف الكرامة. من تابع تغطية قناة "سهيل"؛ سيعرف ماذا عنت وتعني "مسيرة الحياة"، وإذا كان من فعل إيجابي لعلي صالح فهو أنه وحد اليمنيين ضده، لم تشهد اليمن وحدة شعبية وسياسية كهذه الوحدة المتوحدة ضد صالح ونظامه، أتذكر هذا وأنا أستمع – عبر "سهيل"- للشابة شيناز الأكحلي من اللجنة القانونية بساحة الحرية بتعز والمشاركة في "مسيرة الحياة"، تقول: شيناز في منتصف الطريق انضم إلينا أحد أبناء المشائخ، وبقي يسير معنا على الأقدام، وحين رأى حذائي قد تمزق، توقف، ودنا مني يلبسني حذاءه، واقسم عليّ أن أفعل... هل يستطيع صالح أن يعيد قراءة هذه الجملة، لن يستطيع لأنه سينتحر غيضاً من هذه الألفة والإخاء والتوحد ضده. الشابة دلال البعداني رئيسة اللجنة الطبية في ساحة تعز تحدثت عن كرم وترحاب أدهش الجميع، وجده أعضاء "مسيرة الحياة"، بدءاً من مدينة القاعدة التي تناولوا فيها طعام الغداء في اليوم الأول، مروراً بإب ويريم وذمار ومعبر، وكيف كان يتم استقبالهم عند أبناء القبائل، الذين أكرموا وفادتهم، وأخرجوا نساءهم لاستقبال حرائر تعز، ثم انضمام المئات منهم للمسيرة، وفي كل منطقة يتكرر ذات الفعل، ومثلها تحدثت عتاب إبراهيم بصوت شاحب، أرهقه البرد، ولم يفت نظام صالح من عزيمتها.
*النصر المصطفى ضابط صغير، له رتبة، وليس له اسم، يعمل قائداً للحرس الوهمي، هدد الرجل القدير والمحلل السياسي الكبير نصر طه مصطفى بالتصفية الجسدية، إذا استمر في نحر النظام، وكشف عورة الزيف المبهرج.. حتماً "النصر" سيتذكر ما قاله الشاعر العربي الكبير عبدالله البردوني في قصيدة "مصطفى": فليقصفوا لست مقصف وليعنفوا أنت أعنف وليحشدوا أنت أدرى أن المخيفين أخوف لهم حديدٌ ونارٌ وهم من القش أضعف ويختتمها: يا مصطفى يا كتاباً من كل قلبٍ تألف ويا زماناً سيأتي يمحو الزمان المزيف ******* * صحيفة الناس بالاتفاق مع الكاتب