من المقرر أن يسدل اليمنيون الستار على عهد الرئيس علي عبدالله صالح يوم الثلاثاء المقبل حين يصوتون لاختيار عبدربه منصور هادي رئيساً انتقالياً للبلاد في انتخابات منبثقة عن اتفاقية نقل السلطة، لا ينافسه فيها أحد. وتتجاذب الانتخابات حملات مكثفة للترغيب في الإقبال عليها ودعوات لمقاطعتها مع خطط لمقاومتها بالقوة المسلحة في أبرز تحد قد يواجهها. بوسع الداعين إلى مقاومة اختيار الرئيس الانتقالي بالقوة أن يحولوه إلى مناسبة لتأكيد قضاياهم بذكاء دون الحاجة إلى انتهاج العنف المسلح الذي سيعطي براهين عكسية للعالم والداخل على حد سواء. وسيكون من فرط البلاهة السياسية أن يجهد الرافضون لإجراء الانتخابات في محاولات منعها بالقوة المسلحة تحت تبريرات تفتقر للأفق السياسي الذي تجري تحت مظلته فكرة المقاومة هذه. فيقول المتطرفون في فصائل الحراك الجنوبي إن السماح بإجراء الانتخابات هو اعتراف ضمني بما يطلقون عليه «الاحتلال» فيما يرى المعارضون لمضامين اتفاقية نقل السلطة خصوصاً جماعة الحوثيين بوصفها قوة تملك النفوذ لإعاقة الانتخابات أن إجراءها تفريط في الثورة ودماء شهدائها وإقرار بالتدخل الخارجي في الشأن اليمني. وكلا المنطقين غريب ومفكك، يفتقر لحجة المنطق أو السياسة إذ أن منع الانتخابات بالقوة المسلحة أيضاً لن يرسل إشارة على أن المجتمع في مناطق الجنوب يرفض الوحدة بقدر ما يُظهر أن أقلية صغيرة تستميت في محاولة حجب أصواته الحقيقية والمتنوعة. ومن الحكمة لزعماء الحراك الذين أعلنوا تبني العنف المسلح لمنع الانتخابات أن يفسحوا لها المجال لها من أجل إجرائها كي يبرهنوا للعالم والداخل كم أن المواطنين هناك يرفضون الوضع الوطني القائم في حال قاطع الناخبون عملية الاقتراع بملء إرادتهم وبنسبة عالية دون إملاء أو ترهيب. يستطيع هؤلاء أن يحولوا المقاطعة الطوعية للانتخابات إلى استفتاء ضمني على قضيتهم وهو ما سلكته غالبية حركات المقاومة السلمية وجماعات المعارضة التي التزمت المقاطعة السلمية. وغير بعيد فقد اتبع الحزب الاشتراكي اليمني التجربة نفسها حين قاطع الانتخابات البرلمانية في 2007 دون أن يطلق رصاصة واحدة في تعبير عن رفضه للحالة السياسية والإدارية المنبثقة عن حرب 1994 التي شنت عليه مع الجنوب. وما لا يتنبه إليه من يتزعمون لمقاومة الانتخابات بالقوة في الجنوب أن الرهاب من الانتخابات بوصفها عملية اقتراع سري ينسف في واحدة من مخاطره ثقتهم أنفسهم في الدعوة إلى تقرير مصير الجنوب الذي ينادون به في حال افترضنا حدوثه، لأن الرهاب هنا سيكون واحداً، أي الخشية من نسبة الشعبية التي ستقبل على الانتخابات وهي نفس النسبة التي لن يستطيعوا التحكم بأصواتها في استفتاء تقرير المصير. يمكن لمنطق بسيط أن يلخص ما سبق من جدل هكذا: يقول زعماء الحراك إن المواطنين كلهم في الجنوب يرفضون الوضع السياسي والإداري القائم ومادام الأمر كذلك فإنها فرصة ذهبية لترك هذا العدد يعبر عن موقفه بمقاطعة سلمية دون الحاجة لاستخدام العنف. وحينها سيصل مغزى رسالتهم قوياً وخالياً من أي تشويش. والأمر نفسه ينسحب على جماعة الحوثيين التي قالت أخبار إنها تعهدت لدبلوماسيين أوروبيين بعدم مقاومة الانتخابات بالقوة، لكن هذا التعهد سيظل خاضعاً للاختبار خلال الأيام القليلة التي تفصل عن موعد الانتخابات.
فتمرير العملية هناك دون اعتراض مسلح سيخدم الحوثيين أولاً في إثبات أنهم مستعدون لتعاطي السياسة والقبول بسيادة الدولة. هذا النقد ليس دفاعاً عن الانتخابات بتفاصليها الفنية والقانونية فهي جلية في صوريتها ولا اعتراض على الغاضبين عليها والداعين لمقاطعتها سلمياً فهو حق قانوني أصيل وخليق بالتفهم مثلما أن تخوينهم وتصنيفهم في خانة واحدة مع «أعداء الثورة» انحدار فاضح، إنما هو دفاع عن مهمة الانتخابات في عزل علي عبدالله صالح وافتتاح مرحلة التغيير. كذلك هو لتوضيح كيف أن خطط العنف المسلح التي ترمي إلى جبل أعداد كبيرة من المدنيين على مواقف قسرية وتزييف التفاعلات الاجتماعية قد تنقلب بكل تفاصيلها ضد أصحابها.