لم يعد هناك مجالا في الوقت الراهن لتلحين مصطلحات التخوين ، او النيل من الاخرين كلا في موقعه سواء من السلطة للمعارضة أو العكس ، فالوضع الراهن بحاجة الى تنازلات من كل الأطراف ، ووضع المصلحة الوطنية لليمن واليمنيين فوق كل الاعتبارات والمصالح الفئوية والشخصية . أُقحمت اليمن في حرب مع جماعة متمردة كما يطلق عليها دون مراعاة الوضع الاقتصادي للدولة أو الوضع الاقتصادي العالمي بسبب الأزمة المالية وانعكاساتها السلبية على اقتصاديات الدول وخصوصا الدول النامية أو الفقيرة ، واستغلت هذه الحرب كورقة لعب من أطراف متعددة في الداخل والخارج لتصفية حسابات قديمة أو حسابات مبرمجة لتطلعات قادمة ، كما تم استغلال القضية الجنوبية باتجاه تأزيم الموقف والضغط على السلطة الحالية لحملها على الاعتراف بفشلها في إدارة الأزمات الداخلية ، وعلى المستوى الدولي اُستخدم ما يسمى بالحرب على الارهاب كورقة بيد الولاياتالمتحدةالأمريكية وشركائها المحليين في هذه الحرب ، واليوم استحدثت ورقة الهلال الشيعي وتسلله خفية لمنطقة الجزيرة العربية ، وبين هذا وذاك اكتنف هذا اللعب - بالأوراق - الغموض الشديد لدرجة ان الجميع اصبح ينتظر ساعة اللعب على المكشوف كما يقال .
المشكلة ان السلطة الحالية في اليمن مصرة على انها ماضية في طريق صحيح لتخليص اليمن من أعاصير المؤامرات الكيدية للمتربصين كما تدعي هي بذلك ، كما تصر على ان الوضع مستقر لدرجة ان الموقف تحت السيطرة ، وبالمقابل نجد المعارضة تشكك بكل هذا ، وتعتقد ان الخلل يكمن في الإدارة أو كيفيتها ، وهذا الأمر هو واقع الحال فعلا ، وأصبح التشبث هو سيد الموقف مع أن المصلحة العامة تفتضي الكثير من التنازلات كاستحقاق للوطن والمواطن، ومؤكد أنهم يعرفون هذا ولكن الاصرار والنظر إلى الأمور من زاوية ضيقة حال دون التفكير بأي تنازلات من اجل المصلحة ، واصبح كل طرف يخوض معركة مواجهة ، وكأنها معركة بقاء أو وجود حتمي في الوسط السياسي الى درجة جعلت من الجميع يعيش أجواء مسلسل درامي وينتظر بصبر فارغ نهايته ، وكشف الستار عن المستور ، وحل اللغز .
ليس انحيازاً إذا قلنا إن المعارضة تنازلت كثيراً بصرف النظر كان ذلك بإرادتها أو بغير إرداتها ، ولكن يبقى العتب على السلطة التي استأثرت لنفسها بكل شيء بحجة صندوق الاقتراع الذي يعد السلاح الذي يستخدمه الزعماء العرب للبقاء في أبراجهم العاجية حتى يأتي امر الله ، او توريثها لفلذات أكبادهم ، أضف إلى ذلك احتكار السلطة لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة مع انها التزمت بالتعددية السياسة ومبدأ الديمقراطية ، وخطاباتها كلها في هذا السياق، واليوم وبعد ان انشأت محكمة الصحافة واصدرت حكمها على الصحفيين سمير جبران ومنير الماوري ازهقت السلطة روح الديمقراطية وقطعت رمقها الأخير ، وأن تتعرض شخصيات للاعتداء والضرب من قبل مجهولين – أخرها الأستاذ نايف القانص المتحدث باسم تكتل المعارضة - أصبح دليل التخبط والعشوائية في التعامل مع الازمات ، واصبح منطق القوة والعنف هو السائد .
كما عمدت السلطة تهميش بعض الجهات المعارضة الرسمية ، بل وضيقت على تحركاتها التنظيمية في الداخل رغم ان هذا الحق يكفله بحكم الدستور الذي ينظم شئون الحياة كافة ، بل ومنحت السلطة صلاحيات لمجموعة متنفذة ان تعبث بمؤسسات الدولة ومواردها دون محاسبة بحكم مواقفهم الداعمة لقرارات السلطة بغض النظر عن مدى صوابها من خطئها ، وكل هذه التسهيلات التي منحت للمتنفذين جعلت منهم يداً تبطش دون رقيب أو حسيب فمن المسئول عن هذا كله؟!
لا شك أن السلطة أوجدت كل هذه الإشكاليات وبذرت بذورها ، واليوم كل ما يجري ضدها هو حصاد لما زرعته ! .
فالسلطة اليوم هي المسئولة عن البلد ، وبيدها مقاليد الحكم ، ومن بيده مقاليد الحكم هو من يستطيع ان يفك عقدة المسلسل او حل اللغز ، فلم يعد امامها غير الوقوف امام مسئولياتها من كافة الازمات التي تعصف باليمن ، وعليها ان تقدم التنازلات لشعبها ومن اجله ، فان عجزت عن تحمل المسئولية بمعناها الحقيقي فعليها الرحيل وفسح المجال للآخرين فربما ينجحون بتحقيق ما فشلت به، كما يجب عليها كذلك أن تتخلى عن لهجات التخوين والاتهامات ، فليس كل من عارضها خائن لوطنه او عميل ، ان الجميع يهمه مصلحة الوطن ورفاهية الشعب ، وعلى الجميع ان يضع المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات الشخصية ، وان لا يتشدق احد باسم الوطن وكأنه هو المخلص الامين وغيره هم الخونة والعملاء ، فأنى تعقلون ؟!. خاص بالمصدر أونلاين