في شارع قديم لا يتسع بما يكفي لمرور الشاحنات الكبيرة ولا أحد تقريباً يشير إليه باسمه الرسمي، شارع الوحدة. يطلقون عليه «الدائري» فقط. وهناك مع تقاطع شارع آخر يؤدي إلى غرب العاصمة صنعاء انهمر الرصاص على عزل أكملوا للتو صلاتهم وشرع قناصة متوحشون في تفجير جماجم الصبية والشبان على حد سواء.
قبل عام كامل كان عشرات من أزكى الشبان المشاركين في الانتفاضة الشعبية السلمية يمرقون من ذلك الشارع نحو جدار مرصود ثم لا يعودون بل يواصلون السفر إلى الخلود في مذبحة مريعة هزت الشعور الإنساني وشقت النظام السابق إلى شقين على النقيض كما صدعت المشهد السياسي كله.
اختارت الحرية مذبحها هناك وسيغدو بعدها البوابة التي عبرت منها اليمن إلى المستقبل والعالم العصري.
بضع وأربعون شاباً اقتنص نظام علي عبدالله صالح أرواحهم مع عشرات الجرحى في حفلة قتل جماعية فظيعة وافقت يوم الثامن عشر من مارس من العام الماضي وغيرت ما بعدها بالمجمل.
لا يمكن نسيان تلك الجمعة العظيمة في 18 مارس 2011 وقد مُهرت بملحمة خارقة في التضحية، تغلبت فيها الصدور العزلاء والأيدي العارية على قوة النار والرصاص ووحشية القناصة المدججين بوسائل القتل.
أطلق على ذلك اليوم جمعة الكرامة قبل أن يرى أحد أو يستقرىء أنه سيأتي بالفعل مسبوغاً بكرامة كاملة ويوثق لحكاية فداء مستوحى من أساطير الفدائية التي قلما تتكرر في العصور الحديثة.
بعد أن فرً القناصة أو ألقي القبض عليهم، ظهر رئيس النظام ووزير داخليته بينما الكلمات تتفلت من شدقيهما كبصاق. فحال الرجلين لم يكن يسمح البتة بتقديم أي تفسيرات لما حدث إذ أنهما كانا أحوج إلى من يخرجهما من ذهولهما ويقول لهما ماذا بعد الرصاص يمكنه إيقاف هؤلاء الذين اعتلوا الجدار وعبروا.