كتب: خالد عبدالهادي قال أحد عناصر المرتزقة وهو يفر إلى داخل شارع فرعي بحي الجامعة القديمة "هؤلاء لا ينفع معهم إلا القتل" فيما كان الشبان الثائرون يتقدمون على طول الشارع بعد أن هدموا حائطاً كبيراً من ثلاثة مداميك، شيده النظام لتشديد الحصار عليهم. كان أفراد العصابات والمرتزقة يفرون مرعوبين إلى الأزقة بالرغم من أنهم متسلحون ببنادق إم 16 الأميركية والكلاشنيكوف الروسية وتتقدمهم صفوف سميكة من جنود قوات الأمن المركزي بقنابل الغاز مصفحات ذوات بطون ضخمة تقذف المتظاهرين بالمياه العاصفة. يؤرخ يوم الجمعة ذلك لثلة من الشبان الثائرين ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، سطروا ملحمة خارقة في التضحية، تشبه تلك الملاحم الأسطورية التي حدثت في الأزمنة القديمة ولم يكن أحد يتوقع أن أناساً سيجترحونها في العصر الصناعي المادي الصرف. 53 شهيداً أقبلوا على الموت بشجاعة منقطعة النظير في واقعة نادرة، يعاين فيها الإنسان الموت معاينة العين لكنه يقتحمه غير مكترث أو خائف. بعد خطة غادرة لاصطيادهم عند ذلك الحائط الذي صار مذبحاً نهماً، كان كل الشبان الذين قضوا على ظهر ذلك المذبح يعلمون أن أي واحد منهم يمسك بالمطرقة ويسهم في هدمه هو ميت لامحالة لكنهم فعلوا. يقول أحد المصابين وهو يروي ما حدث "إذا استطعت العودة بخيالك إلى بدايات الاستشهاد فبإمكانك تكوين صورة عما وقع، كان الأول يسقط قتيلاً فيتناول الذي خلفه المطرقة ويواصل الدق حتى يسقط". مبدأ الاستثناء هنا هو خوضهم لغمار الموت عن ترتيب بديع لرسم نهاية الحياة خلافاً لموت الصدفة الذي يأتي خاطفاً ويتذوقه صاحبه بلا مقدمات. هذا لا يحدث إلا مع أشخاص غير عاديين في أعماقهم مهما بدوا بسطاء في الظاهر. وفضلاً عن ذلك، اقتحم الشهداء والمصابون في مذبحة الجمعة على القناصة المتحصنين داخل المنازل المطلة على ساحة التغيير مخابئهم وألقوا القبض عليهم. ليس بعد النيران الكثيفة من سبيل للتفوق على عزل ومع ذلك هُزم الرصاص أمام إرادة العزل. تتعاظم مهابة هؤلاء الراحلين الذين خاضوا غمار الموت دون مبالين حين تتكشف وراء كل واحد منهم قصة مثيرة تحكي رحلة، يتقاسمها عناء وعوا عليه في ظل النظام الذي ثاروا عليه وكفاح استعذبوه كي تتصالح معهم الحياة الصعبة. لقد محق ذلك الاستبسال الأسطوري بقايا الحلم لدى النظام وقذف فيه الهلع ليهرب مباشرة إلى إعلان حالة الطوارىء بعد أن استقر في اعتقاده أن هؤلاء أناس غير عاديين ويستحيل التغلب عليهم في ظل وضع طبيعي. وحقاً لم تعد من فكرة سليمة تتفاعل في رأس النظام الممسوخ إلى قاتل متوحش سوى تلك الفكرة، فكل من يبذل نفسه ليحيا الآخرون من خلفه بسعادة هو استثنائي مهما تواضع مستواه. إنهم غير عاديين ويستحقون الخلود.