في التاسع عشر من سبتمبر من العام الماضي، في مثل هذا اليوم، استيقظت صنعاء على أصوات المدافع تنهال قذائفها على خيام المعتصمين الجديدة في جولة أسموها جولة النصر (جولة كنتاكي) سابقا بعد أن زحف عليها الثوار الليلة الماضية رغم المجزرة الدامية التي خلفت 29 شهيداً ومئات الجرحى. خلد بعض الثوار المعتصمين في تلك الساحة صباحاً إلى النوم في الخيام الجديدة في جولة النصر أسفل الجسر بعد مواجهة ليلية شاقة ومرهقة مع قوات صالح ومرتزقته، ظناً منهم أنهم قد دحروا تلك القوات المعتدية إلى غير رجعة، لكن في الثامنة صباحاً بددت قذائف مدافع صالح المنهالة عليهم أفراح النصر لديهم فمزقت بعضهم أشلاء داخل الخيام، وعرفت الجولة الصباحية مذبحة جديدة مواصلة لمذابح الأمس. عقيد من اللواء الثالث حرس جمهوري روى كيف قام اللواء بقصف الساحة من فج عطان ورأس عصر صباح ذلك اليوم، ويقول: "وصلت أخبار أن اللواء الثاني حرس جمهوري الذي يقع في الزبيري قد استولى عليه الثوار فقامت قيادة اللواء، بتوجيهات عليا، بقصف الساحة وجولة "كنتاكي" بمدافع الهاون والدبابات، ثم توالت الاشتباكات بعد ذلك". واصل المتظاهرون ليلهم بنهارهم في جولة "النصر" (كنتاكي سابقاً)، وامتدت تلك المظاهرة من جوار نصب "الإيمان يمان" في قلب الساحة وحتى جولة "النصر" (كنتاكي). وفي تلك الأثناء وبينما كان الشباب يتظاهرون إذ بقذائف مدفعية "الهاون" والدبابات وصواريخ "لو" تتساقط على الشباب في جولة النصر وهم عزلاً وأدت إلى استشهاد 26 من الشباب ومن جنود الفرقة. كان بعض الشباب قد نصبوا الخيم في الجولة أسفل الجسر عند استيلائهم على الجولة، وقامت قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي في صباح هذا اليوم بقصف تلك الخيام ومن فيها من شارع الدائري من جوار شارع صخر ومن الشوارع القريبة منه ومن أمام المستشفى الجمهوري بالدبابات وصواريخ "لو" وقذائف "آر. بي. جي"، حيث كان بعض الشباب يذهب ليوقظ النائمين في الخيام ورأوا مشاهد مرعبة؛ فقد وجدوا جثث بعض الشباب ممزقة أشلاءً جراء ذلك القصف، وكانت بعض الجثث تصل مقصومة نصفين وبعضها بدون رؤوس وأطراف. قصف وقنص: دخلت الثورة واليمن عموماً منعطفاً صعباً بمحاولة جر الثورة إلى الحرب وتصوير الثورة انقلاباً عسكرياً، ومن ذلك اليوم قامت قوات صالح بنشر وزرع القناصة في كل العمارات المطلة على الساحة الجنوبية في شوارع الدائري وشارع عشرين وشارع هائل سعيد وشوارع الزراعة وما جاورها، وقاموا بقنص المتظاهرين الشباب الثوار، كما قامت مجموعة من القناصة بترصد المقدم خالد حسان قائد الكتيبة الأولى من "مشروع شهيد" إلى بيته واغتالوه قنصاً في باب بيته بأمر وتخطيط قائد الحرس الجمهوري نجل صالح شخصياً. كما قام نظام صالح بنشر الدبابات في شوارع بغداد وصخر والستين الجنوبي وشارع عذبان، وقرب المستشفى الجمهوري، وأدخلت كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إلى مبنى المستشفى وحولته إلى ثكنة عسكرية، بحسب رواية شهود عيان من العاملين في المستشفى. وكانت القناصة أشد ضرراً وخوفاً على المتظاهرين الثوار من الأسلحة الثقيلة الأخرى، وكانت الأكثر فتكاً بالثوار خلال الثورة؛ كون الشباب الثوار لا يرون قاتليهم. أما الجيش فالمواجهة له وجهاً لوجه باستطاعة المعتصمين وجنود الثورة التعامل معهم، حيث كان 12 شهيداً من مجموع من سقطوا في هذا اليوم مقنوصين في الرأس والرقبة والصدر والقلب. وفي شارع هائل قام بعض القناصة المنتشرين في بناياته بقنص الطفل أنس السعيدي ذي العشرة أشهر من العمر إلى سيارة والده في جولة شارع عشرين، فكان أصغر شهداء الثورة، بينما لم يرحم قناصوه طفولته وبراءته التي اغتالوها أمام عيني والدته. وفي ذات المكان، وبنفس الأسلوب، سقطت شهيدتان من شهداء صنعاء كفاية العمودي ونظيرة العبسي قنصاً من قناصي مرتزقة صالح. ومنذ ذلك اليوم كانت قوات صالح تقوم بتوزيع وجبتي عشاء وصبوح من قذائف مدافع الهاون والدبابات على شارع هائل والشوارع المجاورة وحولت الشارع الناضح بالحياة إلى شارع أشباح يتخطف الموت كل من يقترب منه، (ومن لم تهشم رأسه قذيفة تخطفته رصاص الغدر قنصا). وقد ركزت تلك القوات القصف على المحال والمراكز التجارية فيه وخاصة محال المجوهرات والذهب، وتم القبض فيه على العديد من القناصة المرتزقة بعضهم من جنسيات صومالية وعراقية، كما ذكر بعض جنود الفرقة المرابطين في شارع هائل. ففي بلاد العالم الآخر كل ما يقوم به أي نظام لتفريق مظاهرة من شعبه هو استخدام خراطيم المياه فقط، بينما نحن في بلاد اليمن وسوريا يقوم نظاما البلدين بقصف المتظاهرين السلميين العزل بالصواريخ والدبابات والمدافع و"الآر بي جي"، والرشاشات المضادة للطيران. قصف الفرقة لتوسعة الحرب: كما قامت قوات الحرس الجمهوري في هذا اليوم ويوم أمس بقصف الفرقة الأولى مدرع ومواقع لها في شارع الخمسين بالطائرات وصواريخ ال(بي إم 24) والمدفعية الثقيلة، وكذلك قصف جامعة الإيمان والأحياء المجاورة لها، مما أدى إلى استشهاد أحد ساكني الجامعة وجرح ثلاثة آخرون، واستشهدت امرأة في حي مجاور للجامعة وجرح اثنان من أولادها. كما قامت تلك القوات بقصف جامعة صنعاء الجديدة والقديمة. واستمرت الاشتباكات بين جنود من الفرقة وقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي في شوارع هائل سعيد والدائري في المدخل الجنوبي لساحة التغيير وصولاً حتى شارع صخر جوار مكتب قائد الحرس الجمهوري أحمد علي نجل الرئيس صالح، وكذلك في شارع الزبيري بالقرب من المستشفى الجمهوري وفي باب القاع وشارع الزراعة وأسفل شارع 20. جرائم ضد الإنسانية: وقامت تلك القوات بقصف بيوت المواطنين وتخريبها جوار جامعة صنعاء القديمة وقصفت مبنى السعيد التجاري وخربت الدور العلوي منه، كما قصفت مبنى بنك اليمن الدولي وشركة الهاتف النقال )إ م. تي. إن)، وحولت المستشفى الجمهوري إلى ثكنة عسكرية لقصف ساحة المعتصمين وقنص المعتصمين السلميين من سطحه، كما فعلت مع مستشفى الثورة بتعز، وعد هذا الأمر جريمة لا تقل عن جرم قتل المعتصمين أن تحول مشفى الناس لقتلهم وتحول دون وصول المرضى إليه. كما تحول المبنى من مكان لعلاج الناس إلى مكان للتمترس والقتال فيها في الوقت الذي كانت وسائل إعلام السلطة تتهم المعتصمين السلميين بقذف مبنى المستشفى بالحجارة! وفي جريمة بشعة ضد الإنسانية، قامت تلك القوات بالحؤول دون وصول سيارات الإسعاف لتسعف الجرحى من المواطنين في شارع الزبيري ونقل جثث الشهداء وفضلاً عن ذلك قامت بقصف إحدى سيارات الإسعاف بصاروخ "لو" المحمول كتفاً، مما أدى إلى تدمير سيارة الإسعاف وقتل من فيها من المسعفين. كما أن أبشع صورة من صور ذلك اليوم حينما قام أحد أصحاب الدراجات النارية من الشباب العاديين السلميين بإسعاف أحد المصابين جوار مبنى الجامعة القديمة وهو خلفه على الدراجة جاءتهما قذيفة "آر. بي. جي" قتلت الإثنين معاً ومزقت جثتيهما، لم تستطع قناة من قنوات التلفزة عرض ذلك الحدث والمنظر. حصار على صنعاء: وتزامناً مع هذه الأحداث كلها وإمعاناً في خنق الناس ومعاقبتهم، قامت قوات "صالح" بإغلاق منافذ صنعاءوتعز ومنعت الدخول إليهما، وعلق المسافرون لليلتين في الطرقات، كما قامت أجهزة صالح بقطع الكهرباء عن صنعاءوتعز، والإنترنت عن عدن ولحج وإب والضالع وأبين، كما قامت أجهزة نظام صالح بإغلاق مطار صنعاء وتحويل الرحلات الجوية إلى مطار عدن. ولقيت مجازر نظام صالح خلال الأمس واليوم غضباً شعبياً واسعاً أجج مشاعر المواطنين وزاد الثورة اشتعالاً إلى اشتعالها. وكرد على تلك المجازر فقد تظاهر في تعز مئات الآلاف ووصلت المظاهرة إلى قرب المحافظة، وقامت وقات الأمن المركزي والحرس الجمهوري بالاعتداء عليها بالغازات السامة والرصاص الحي، مما أدى إلى استشهاد أربعة مواطنين وإصابة عشرات آخرين، ستة منهم نقلوا إلى العناية المركزة.