لا شك أن المعاناة التي يكابدها المواطنون جراء انقطاع الكهرباء منذ عام وتردي هذه الخدمة طيلة ثلاثة عقود ولّدت قناعة تامة لدى أبناء اليمن بأن قضية الكهرباء لم تعد مجرد اعتداءات على الأبراج أو خطوط الضغط العالي في تلك المنطقة أو من قبل تلك القبيلة، التي بإمكان الحكومات المتعاقبة إصلاحها وتفادي أضرارها في فترة زمنية وجيزة. بل إن الحقيقة التي يجب أن ندركها جميعاً أن قضية الكهرباء تعد أهم القضايا الوطنية المصيرية مثلها مثل القضية الجنوبية وقضية صعدة لامخرج منها إلا بإدراجها ضمن أولويات مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده برعاية إقليمية ودولية. إذا كانت القضية الجنوبية بعد مخاضها العسير قد استطاعت أن تلد حاملاً سياسياً يدافع عن حقوقها ويلبي أهدافها ذلك المسمى «الحراك الجنوبي» وعبرة استطاعت أن تحصل على الاعتراف بكونها قضية حقوقية مطلبية تختلف القوى السياسية حول كيفية حلها وتتباين حول سقف مطالبها، ففي أسوأ الأحوال تخشى القوى الوطنية من استمرار بعض فصائل الحراك في نهج فك الارتباط الذي لا يمكن حدوثه إن عادت الحقوق لأصحابها وتساوى الناس في ظل حكم دولة مدنية عصرية. كذلك هي قضية صعدة استطاعت أن تتربع على مساحة جغرافية تساوي مساحة إحدى دول الخليج، فضلاً عن بلوغها بمطالب وأهداف أيديولوجية سياسية ودينية ما مكّنها من مقارعة النظام السابق ومجاراته عسكرياً وسياسياً، أي أن هاتين القضيتين يمكن التخاطب والتحاور مع ممثليها وناشطيها عبر قنوات الحراك الجنوبي وجماعة الحوثي، ومهما بلغ سقف المطالب فلن يسمح لهم بتمرير مشروع فصل تياراتهم عن التيار الوطني الواحد. مما سلف يتعزز مفهوم خطورة القضية الكهربائية إذا ما قارناها بالقضية الجنوبية لعدة عوامل أهمها إن إخواننا في الجنوب هم الأكثر وحدوية ووطنية، وما يطرحونة من مطالب حتى ولو ارتفع سقفها تأتي في سياق «هدده بالموت يرضى بالحمى» بينما تعد القضية الكهربائية المغيبة في أجندتنا السياسية أخطر من قضية الجنوب، كونها لا تكتفي بالتهديد بفك الارتباط كما يفعله الحراك الجنوبي بل مارست هذا السلوك على الواقع وبسرعة الضوء، ففصائل الحراك الكهربائي المسلح في مأرب والجوف وصنعاء قد طبقت المشروع مرات عدة ولازال المواطنون يكابدون ويلات هذا المشروع التدميري في منازلهم وأماكن أعمالهم. الأمر لا يعني السخرية أو الهروب من الواقع بقدر ما هو تأكيد على أن قضية الكهرباء قضية سياسية أكدها أمين عام الحراك الكهربائي د. صالح سميع الذي نقدر ما يقوم به من جهود مضنية من أجل أصلاح مسار الحراك الكهربائي وتوحيد فصائله. وعليه فإنا ندعو إخواننا في الحراك الكهربائي إلى التخلي عن العنف وممارسة نشاطهم بأسلوب حضاري وبطبع فان مثل هذه الرؤى تستوجب على فصائل الحراك وكل من يدور في فلك الاعتداءات المتكررة أن يوحدوا مطالبهم وينتخبوا من يمثلهم من قادة وناشطين، لتتمكن الحكومة من مخاطبتهم وإيجاد صيغة تحاور وطني بما يضمن عدم تكرار فك الارتباط بين الكهرباء والمواطنين.