مسيرات في 235 ساحة بالحديدة تبارك انتصار إيران وتؤكد الثبات مع غزة    من يومياتي في أمريكا .. أطرش في زفة    صاروخ بوتين الجديد يخلط أوراق الردع في أوروبا    في ذكرى سقوطه السابعة والأربعين.. هذه اخطاء سالمين.    حواري مع "أبو الهول الصناعي".. رحلة في كهف التقنية بين الحيرة والدهشة    وفاة الشاعر والسياسي فؤاد الحميري بعد صراع مع المرض    ليس للمجرم حرمة ولو تعلق بأستار الكعبة    خبير أثار يكشف عرض 4 قطع أثرية يمنية للبيع بمزاد عالمي    غدا بدء العام الدراسي الجديد    الوزير البكري يزور مسجد عمر بن الخطاب في عدن ويستنكر اقتحامه واعتقال إمامه    روسيا.. استخراج كهرمان بداخله صرصور عمره حوالي 40 مليون سنة    الهلال السعودي إلى ثمن نهائي كأس العالم    نادي النصر يجديد عقد الأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو    الحثالات في الخارج رواتبهم بالدولار ولا يعنيهم انهيار سعر الريال اليمني    في مساحة الاختلاف.. يبقى الوطن أولاً..    لماذا لن يقمع الانتقالي مظاهرات الجنوب الحقيقية؟    أحزان الكعبة المشرفة.. هدم وحرائق من قبل أمراء مسلمين    خبير دولي يحذر: العد التنازلي للمؤامرة الكبرى على مصر بدأ    مانشستر سيتي ينتظر الهلال السعودي في ثمن نهائي كأس العالم للأندية    الفزعة الإماراتية.. نخوّة وشجاعة في كل موقف    امتيازات خيالية وأرقام ضخمة بعقد رونالدو الجديد مع النصر السعودي    عراقجي: لا نقبل حاليا زيارة غروسي لطهران    Fairphone تعود لعالم أندرويد بهاتف منافس    حقيقة "صادمة" وراء تحطم تماثيل أشهر ملكة فرعونية    عدن تشتعل بالأسعار بعد تجاوز الدولار حاجز 3 آلاف ريال    كأس العالم للاندية: السيتي يكتسح اليوفنتوس بخماسية ليخطف الصدارة    التكتل الوطني يحذر من تفاقم الأوضاع ويدعو الرئاسة والحكومة لتحمل مسؤولياتهما    عدن.. انعقاد الورشة التشاورية لصياغة خطط حماية المرأة ضمن برنامج تعزيز الوصول إلى العدالة للنساء والفتيات    شهادات مروعة.. معتقلون يكشفون تفاصيل تعذيبهم داخل زنازين الحوثي    عن الهجرة العظيمة ومعانيها    كلمة السيد القائد بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وآخر المستجدات (فيديو)    إدارة أمن عدن توضح حول اقتحام مسجد في المنصورة وتلمح إلى الاسباب    عبده شرف الشامخ بفكره وعلمه ومبادئه    مبابي يتهم باريس سان جيرمان بالتعامل معه بطريقة "غير أخلاقية"    وفاة واحد من ابرز الجيولوجيين اليمنيين    القائم بأعمال رئيس هيئة مكافحة الفساد يهنئ القيادة الثورية والسياسية بالعام الهجري الجديد    شرطة تعز تلقي القبض على متهم بارتكاب جريمة قتل في مديرية مقبنة    استبصار وقراءة في سردية احمد سيف حاشد الجزء الثاني (فضاء لايتسع لطائر)    زينة: «ورد وشوكلاته» يكشف مشاكل الشخصيات    صفقة جديدة تثير الجدل في ليفربول.. ومخاوف من التأثير على دور محمد صلاح    الدولار يسجل مستويات متدنية وسط مخاوف أمريكية    من الماء الدافئ إلى دعامة الركبة.. دراسة: علاجات بسيطة تتفوق على تقنيات متقدمة في تخفيف آلام الركبة    بفاعلية الحقن ودون ألم.. دراسة : الإنسولين المستنشق آمن وفعّال للأطفال المصابين بالسكري    طرق الوقاية من السكتة القلبية المفاجئة    تسجيل هزات أرضية من المياه المجاورة لليمن    من يومياتي في امريكا .. مرافق بدرجة رجل أعمال    استئناف نقل النفط الخام من عقلة شبوة لكهرباء الرئيس    من يدير حرب الخدمات وتجويع المواطنين في عدن؟    كيف نطالب بتحسين الأوضاع    فعالية ثقافية في مديرية السخنة بالحديدة إحياءً لذكرى الهجرة النبوية    العيدروس يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي بالعام الهجري الجديد    تحذير أممي من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن    عينيك تستحق الاهتمام .. 4 نصائح للوقاية من إجهاد العين في زمن الشاشات والإضاءة الزرقاء    5 مشكلات صحية يمكن أن تتفاقم بسبب موجة الحر    تجارة الجوازات في سفارة اليمن بماليزيا.. ابتزازًا مُمَنهجًا    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمير الأوادم.. وأوادم الحمير
نشر في المصدر يوم 02 - 05 - 2009

أحياناً، يصبح الخط الفاصل بين الحمير والبشر دقيقاً جداً، لدرجة تجعل التفريق بين الاثنين في منتهى الصعوبة!
ولا أدري إن كنت بحاجة للخوض في التفاصيل، ذلك أن علماء الفقه قالوا قديماً: توضيحُ الواضحات من أشكل المشكلات. باعتبار أن الأمور المتفق عليها في المنطق الفطري العام والبادية للعيان لا تحتاج إلى مناقشة أو كثرة أخذ ورد، لأن مجرد الدخول في ذلك يعني أن خللاً ما أصاب العقول. وهو ما استلهمه الشاعر العربي حين قال:
وليسَ يَصِحّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل!
ولكن السؤال الذي قد يحتاج إلى إجابة هو: ما الذي يدفعني للإفصاح عن ذلك الآن؟ وهذا السؤال إجابته ما يلي:
* * *
لعلنا قبل البدء بحاجة لتحرير لقب الحمار من المهانة التي ارتبطت به في ثقافتنا المعاصرة. ذلك اللقب الذي ارتبط بالغباء الشديد وانعدام الفهم المطلق، وكل نقيصة متعلقة باستخدام العقل والاختيار الحر لدى ذلك المخلوق الأليف والوفيِّ لبني البشر منذ بدء العلاقات المشتركة بينهما.
وأكثر من ذلك، فإن اللقب نفسه لم يكن سلبياً على مرّ الأزمان، بل على العكس، إذ استخدم كثيراً للتعبير عن الصبر والقدرة الفائقة على التحمل (اللتان هما صفتان ملازمتان للحمار). من ذلك ما أطلق على آخر خلفاء الدولة الأموية مروان بن محمد الذي كان يلقب بالحمار لجلده الشديد على محاربة الخوارج الذين قويت شوكتهم في عهد دولته التي كانت في أكثر مراحل ضعفها.
كما أن وصف (حمار شغل) يعد بمثابة مديح للمتلقي، وإن كان لا يخلو من إشارة سلبية أحياناً، لكون المتصف بذلك اللقب لا يصلح أن يكون قائداً بل جندياً مطيعاً يكد ويشقى لتلبية طلبات سيده.
والأمثلة السابقة تؤكد أن بعض الحمير كانوا بمثابة مثال يحتذى به من بني البشر، يؤهلهم ربما لأن يكونوا في مصافّ الأوادم بمواقفهم الجليلة في هذه الحياة. وهؤلاء هم من يمكن أن يطلق عليهم (أوادم الحمير).
* * *
أما (حمير الأوادم) فهم الذين أعطاهم الله سبحانه العقل الذي به يميزون الحق من الباطل، والإرادة الحرة التي بها يختارون الصواب من الخطأ، ولكنهم يأبون إلا التصرف على عكس ذلك. فهم يرون أنهم على الحق دائماً، قاعدين أو قائمين، راجلين أو راكبين، صغاراً أو كباراً، ذكوراً أو إناثاً، فقراء أو أغنياء.
وهذا ما يجعل بعض البشر يستنكر المقاربة بين هؤلاء وأولئك، لأن في ذلك إساءة بالغة للحمير. وأزعم أن جُلّ ما نحتاجه في هذا المقام هو التذكير ببعض تصرفات هذا النوع المميز من (الأوادم) لبيان المقال.
من بين هؤلاء من يقودون سيارات فارهة يحرصون على لمعانها كلما خرجوا من منازلهم، لكنك تراهم لا يتورعون عن إلقاء فضلاتهم عبر نوافذ مركباتهم. رغم أن إمكانية تعليق كيس خاص بالقمامة داخل السيارة أمرٌ يدل على سلامة العقل والذوق معاً، لكنهم حمير.
ومن هؤلاء أيضاً، من لا يتوانى عن إيقاف سيارته في مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة القريبة من أبواب المؤسسات العامة والمجمعات التجارية، ربما لأنهم يرون أن المواقف البعيدة عن مداخل تلك الأماكن لا تصلح إلا للأوادم من البشر فحسب، أما هم.. فحمير.
وإذا صار أن خالفهم شرطي المرور، فإنهم يحرصون على إبقاء ملصق المخالفة على زجاج سياراتهم، وكأنها مدعاة للفخر بين الناس. ولسان حالهم يقول: اعملوا ما شئتم يا بني البشر.. نحن حمير.
وعند دخولهم إلى مطعم أو مقهى ما، فإنك سرعان ما تتبينهم من دون الناس بأسلوب تعاملهم الوضيع مع الندلة (خاصة إذا كان العاملون هناك ينتمون لدول فقيرة). وهو أسلوب ينم عن انسلاخ من الأسرة الإنسانية الكبيرة، وانتماء خالص لعالم الحمير.
وإذا كان أحدهم مدخناً، فإنك لن تستغرب كثيراً أن يكون جالساً بجوار إشارة (ممنوع التدخين) فيما يشعل سيجارته علناً، رغم معرفته بقانون المنع الذي ينسحب على المدخن والعاملين في المكان. ولن يكون للسعلات التي يطلقها بعض المجاورين لطاولة أولئك النفر أثرٌ في إيصال رسالة (الرجاء الامتناع عن التدخين) وذلك لسبب بسيط جداً.. أنهم لا يفهمون معنى الذوق الإنساني، فهم حمير.
ناهيك طبعاً عن علمهم أن عامل الخدمة لن يستطيع الحديث إلى أحدهم بشأن ذلك، فضلاً عن منعهم عن ارتكاب ذلك الفعل المشين. لأن نهيقهم سيكون رادعاً لذلك الآدمي الذي يعمل على تطبيق القانون الذي وضعه البشر لمواجهة تصرفات المخالفين. فالتواصل اللفظي غير ممكن بين الأوادم والحمير.
أما إذا كان المكان مؤسسة عامة تخدم مصالح الجمهور أو نافذة محاسب في جمعية تسوقية، فإنك تميزهم عند الطابور الواقف أمام نافذة الخدمة. فهم وحدهم الذين لا يعرفون معنى النظام بين البشر، فتراهم يحشرون أنفسهم من الأجناب للوصول قبل البقية (من الأوادم) إلى موظف الخدمة. وهو -كما يعلم القارئ الكريم- أمر طبيعي في عالم الحمير.
الغريب أن هذا الأمر يغلب في ممارسته على الحمير من أهل البلاد أكثر منه على الحمير القادمين من الخارج. والظاهر لنا أن الشعور بالمواطنة في عالم الحمير لا يترافق مع الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن أو الغيرة عليه (باستثناء مؤازرة المنتخب الوطني). كما أن الوطنية لديهم لا تقيم وزناً لاحترام الضيف الذي يحلّ عليه من الخارج (إلا إذا كان أشقر الشعر، أزرق العينين، أبيض البشرة). وهذه الوطنية الاستحمارية هي تحديداً ما يدفع حمير الخارج إلى مشاركة حمير الداخل في احتلال البلد (أي بلد كان)، ليفرضوا على ساكنيها من الأوادم قوانين عالم الحمير.
* * *
والأمثلة على هذا العالم العجيب أكثر من أن يحتويها مقال. وشواهدها تتناثر في شؤون الفرد والأسرة والمجتمع بكافة مناحيه، وعموم أحوالهم الشخصية والعامة.
لكننا رغم كل ذلك نقول: هل يُعتب على الحمار إذا كان صاحبه يأبى أن يعامله بالطريقة التي ينبغي له أن يعامل بها؟
ربنا لا تؤاخذنا بما يفعله الحمير!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.