لقد كان لي في مقال سابق ما يمكن قوله من ناحية الإعلام وتفاصيله وكان تحت عنوان (الإعلام بين مطرقة الكذب وسندان الفضاعة), هنا ما أود قوله وتحديداً في وسائله العربية (الإعلام) على وجه الخصوص وفي مجالات عدة منها السجال والحوار العامة والخاصة, في المقال هذا يتنامى الحديث عن الديمقراطية, وذلك في إطار وللأمانة مناخ وبشكل عام تهب فيه كل رياح التمرد والاحتجاجات العربية الساعية للتغيير من عصور أنظمة حكم الاستبداد والقتل والتشريد والقمع وذلك إلى اجواء الحرية, لكن السؤال الذي يمكن قوله في ظل شواهب وعواصف إرهابية تقودها أنظمة وبقاياها الراعية لها وكل ذيولها: أي ديمقراطية نقصد؟ وهل الإطار الديمقراطي العربي المعروف بكل حججه يمثل النموذج الاوحد للديمقراطية الذي يناسب كل المجتمعات؟ أم أن هذا النموذج قد تمت صياغته وفقآ لظروف تاريخية وعادات غربية تخص الثقافة الغربية التي ولدت فيها, والتي قد لاتتناسب بعض مافيها من قوانين وضوابط خاصة مع تقاليد وثقافة مجتمعات أخرى تعيش واقعاً اجتماعياً وتاريخياً مختلفاً. في زمن الطقوس بكل انواعها التي تتدرج وترزح تحت انماط عدة, ما أقدر اقوله والتأكيد عليه في هذا الموضوع لابد من النقاش لفهم أوسع وأشمل للديمقراطية ومستقبلها في مجتمعاتنا العربية, وكذلك لما فيه اغتنام الفرصة لفتح الأبواب أمام مفكرينا وأصحاب الرأي (نحن العرب) للمشاركة في نقاش هذا الموضوع الذي في حقيقة الامر يشغل حياتنا السياسية والذي يترتب عليه الكثير من التحولات في بلداننا العربية. بدون شك سيكون من المفيد ان يكون هناك نقاش حول المذكور آلفاً,وبالذات في زمن تسعى قوى اجتماعية جديدة لتشكيل نظم سياسية مختلفة تتأسس على الديمقراطية, لكنها في الوقت نفسه تطرح نماذج مختلفة لمشاريع الحكم في اطروحات ملخصها جدل مستمر بين مشروع الدولة المستندة إلى التراث والنصوص الدينية ومشروع الدولة القائم على الأخذ بنماذج الديمقراطية الغربية. سؤالي. هل الديمقراطية حديث مقالنا مجرد حشد الجمهور من أجل الذهاب إلى صناديق الانتخابات والإدلاء بأصواتهم لاختيار نواب البرلمان أو الحكام؟ أم هي في تفاصيلها وجوهرها أعقد من السابق وأكثر تركيباً؟ في الحقيقة ان الاقتراع هو شكل أدوات من الديمقراطية لكنه ليس كل الديمقراطية؟ لأن هذا الاقتراع أو الانتخاب لابد ان يتم على أسس ديمقراطية تتمثل في قدرة الناخب على الاختيار الحر والواعي, ويعتمد على المساواة في الإمكانات والوسائل التي تصون الحرية في الاختيار, ومن بين هذه الإمكانات والوسائل المساواة في درجة الوعي وفي معرفة الشعب لمختلف حقوقه, وهو ما لا يتوفر في مجتمعاتنا العربية بسبب ارتفاع نسب الأمية وتزييف الوعي لهذه الجماهير لعقود طويلة من نظم في الحكم مستبدة وقاهرة. هذا من جهة, ومن جهة أخرى هل يستوي فهم المواطن العربي للحرية والديمقراطية التي يعيشها بالطريقة نفسها التي يفهمها المواطن في شرق اسيا مثلاً؟ بل هل تستوي ديمقراطية في اليابان حيث نشأ المواطن هناك في ثقافة عرفت بالانغلاق والإمبراطوريات الديكتاتورية مع ديمقراطية المجتمع الإندونيسي المسلم الذي يعد اليوم من أكثر المجتمعات الاسلامية تقدماً في مفهوم التسامح والتعددية, ثم هل تستوي كل هذه النماذج الديمقراطية مع ما يفهمه المواطن العربي عن الديمقراطية في إطار الثقافة التي نشأ فيها؟ الموروثات في كل مجتمع عن مجتمعات أخرى ألا تختلف من ناحية أصلها, وما مدى تأثير كل ثقافة على بناء ديمقراطيتها, وهل يتساوى بناء أنظمة حكم في مجتمعات زراعية او إقليمية مع ديمقراطية لمجتمعات صناعية, وما بعد الصناعية؟ من خلال هذا الطرح لا أسعى إلى الدفاع او الترويج للأشكال الزائفة من الديمقراطية التي كانت الكثير من النظم الديكتاتورية تتحدث عنا وتتشدق بها طوال الوقت, مستندة إلى مؤسسات ديمقراطية شكلية بامتياز تزين بها مظاهر ديمقراطيتها المزيفة مثل البرلمان والأحزاب, بينما تستخدم تلك المؤسسات في إحكام قبضتها على السلطة وتبرير أفعالها والاستبدادية غير تلك الإشكال او المؤسسات الشكلية الورقية. أن التوجه لطرح هذه التساؤلات يأتي من منطلق اهمية البحث في سعى المنطقة العربية إلى الديمقراطية, وتأكيد حرية المواطن العربي في اتخاذ قراراته بحرية وإرادة كاملة,لكن بأسلوب لايصل بنا إلى التصادم بين اطراف المجتمع او مع منظومات الديمقراطية في العالم, على الأقل في المراحل الأولى الانتقالية للعملية الديمقراطية, بحيث تضمن ترسيخ مفاهيمها لدى كل الشعوب العربية,بما يضمن عدم انقلاب اي طرف عليها في المستقبل, أو محاولة تشويهها وتحريفها عبر قوى مضادة للتحول الديمقراطي. ان هذه التساؤلات تصب في جوهرها ما نناقشه هنا حول الديمقراطية بوصفها لاتتعارض مع المبادئ الجوهرية للاسلام والتي رفعت من شأن الفرد وكسرت الحواجز الطبيعية بين البشر وأعلت من شأن المرأة في سبيل إقامة مجتمع العدل والمساواة وهذا ما يجب مراعاته من أي طرف من أطراف الجهات الثورية التي تريد تشكيل الحكومات الجديدة في المنطقة العربية على أسس جديدة باسم المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية لمختلف فئات المجتمع. في كتاب الدكتور عابد الجابري (الديمقراطية وحقوق الإنسان), المزيد من الرؤى والتفاصيل التي تزيد في مضمونها من ناحية الديمقراطية وحقوق الإنسان, حيث ان حقوق الإنسان تعد اليوم جزءاً اساسياً, وهذه الحقوق أصبحت جزءاً من ثقافة المواطن العربي, ولدرجة أصبحت تشمل حماية كل سلوكيات المواطن وحماية حرماته.