يقول الأستاذ علي العثربي في مقال له نشر في عدد غير بعيد من صحيفة "الجمهورية"، أن الفدرلة تعني الاستبداد، وأن الفيدرالية تعني تمزيق الوطن -الممزق أصلاً- وجعله كيانات صغيرة تأكل بعضها بعضاً. إلى آخر ما ورد في مقاله. الدكتور العثربي استجمع كل قدراته الكتابية ليقول في الفيدرالية ودعاتها ما يمكنه القول من انتقاص وتخويف للناس وترديد لمعلومات وأفكار نمطية عن الفيدرالية، وكأنها؛ ومن يدعي إليها رجس من عمل الشيطان. كما أن الدكتور العثربي، وهو المتخصص في العلوم السياسية –حسب علمي- والقيادي الكبير في حزب المؤتمر الشعبي، يحاول تزييف الوعي الشعبي وتجهيله، واستغبائه، دون التحقق مما يقول حول الفيدرالية كنظام دولة، ولو بالرجوع إلى أمهات الكتب السياسية، التي تعتبر الفيدرالية نظام دولة راقي تتحقق فيه العدالة في توزيع الثروة والسلطة والمواطنة السوية أو المتساوية. في الواقع نحن أمام جدل سياسي كبير حول الدعوة إلى إعادة صياغة الدولة اليمنية وفق النظام الفيدرالي الاتحادي، وهو المشروع الذي دعا إليه عدد من التكوينات والنخب السياسية ويأتي في طليعتها حزب رابطة أبناء اليمن "رأي"، والحزب الاشتراكي والتجمع الوحدوي اليمني والرئيس علي ناصر محمد والرئيس حيدر العطاس والنائب سلطان السامعي والشيخ علي عبدربه العواضي. هذا الجدل القائم في ظل هذا الصراع وما تشهده البلد من تقلبات ساخنة، هو لجوء بعض القوى الحزبية والتقليدية والدينية والعسكرية إلى استخدام أسلوب تزييف الحقائق والمعلومات عن طبيعة النظام الفيدرالي الاتحادي، والقول انه يعني تمزيق الوطن، والكثير الكثير من التقولات الهادفة إلى تشويه هذا النظام، التي تصل أحيانا حد الطعن في وطنية من يتبنون هذا النظام. بينما الحقائق تقول، والوقائع أيضاً، أن النظام الفيدرالي الاتحادي هو أرقى صيغ التوحد، وأنه لا يعني انفصال أو تمزيق؛ بقدر ما يعني شراكة وطنية في إطار دولة وطنية واحدة موحدة لا يطغى فيها أحد على أحد، وتنمية شاملة مستدامة لا تستأثر بها منطقة دون أخرى. كما أن النظام الفيدرالي الاتحادي يحقق العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويزيل كل أسباب الغبن، ويوأد النزعات الانقسامية والانفصالية والتصادمية، ويرسخ وحدة الوطن أرضاً ومؤسسات، ويقلص الفساد، ويمنع الترهل والبيروقراطية، ويحقق الأمن والاستقرار. إن النظام الفيدرالي الاتحادي لا يعني سوى دولة واحدة ذات سيادة واحدة وعلم واحد وجيش واحد ورئيس واحد وحكومة مركزية واحدة وبرلمان بنظام مجلسين أو مجلس موحد وسيادة واحدة ونشيد واحد وإستراتيجية اقتصادية واحدة وسياسة خارجية واحدة وقضاء واحد.. ثم تخضع المستويات الأدنى لهيكل يلبي حاجات الناس ويحقق طموحهم في المشاركة في تنمية مناطقهم وحكم وإدارة انفسهم، وفق قوانين ولوائح واضحة تبين العلاقات بين المركز والمحافظات أو الأقاليم، دون تعارض أو تضاد أو إعاقة أو كوابح. هذه هي وجهة نظرنا نحن الداعين إلى الفيدرالية، تدعمنا في ذلك تجارب أكثر من 120 دولة قائمة على هذا النظام، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة والهند وألمانيا وماليزيا، لكننا في ذات الوقت لا نخوّن أو نطعن في شرف ووطنية من يدعون إلى استمرار المركزية المقيتة، التي لم تخلف لنا في اليمن السعيد سوى القهر والذل وتشظي النفوس والترهل والفساد والبيروقراطية، والغبن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتباغض والتنافر والأحقاد والكراهية.. الخ. وهذه هي وجهة نظرنا التي تؤكدها الوقائع، وكتب التاريخ ونظريات السياسة.. ليس تخرصا ولا تقولا. فماذا عن مزايا المركزية التي جرعتنا الويلات وحرمتنا من التنمية الشاملة وزرعت فيما بيننا الشقاق والأحقاد؟ لا أراها سوى ذلك، وأكثر، فقد "سامت اليمن سوء العذاب وفرضت عليه الثالوث الرهيب: الجهل والمرض والجوع", ووصاية أسر مشائخية وعسكرية وإقطاعية وقوى غوغائية وفوضوية، استباحت كل شيء، وتقاسمت البلد، ثروة وسلطة وشعب. اليوم؛ والعديد من القوى السياسية والنخب الفكرية وطيف واسع من الشعب، تقدم مشروع النظام الفيدرالي الاتحادي كنظام للدولة القادمة.. الدولة المدنية الحديثة.. دولة المؤسسات والنظام والقانون والمواطنة السوية، وفي ظرف كهذا، يُعاد فيه تشكيل الدولة اليمنية، لحري بكل محب لوطنه وشعبه، الالتفاف وتضافر الجهود لبناء مداميك وأسس قوية وعلمية للدولة المنشودة بعيداً عن أي التفاف أو مشاريع صغيرة تخدم أفراد أو أحزاب أو جماعات أو فئات.. وتعيد تكريس سلطة الفرد أو المركزية التي جربناها.