بدأت بصنعاء اليوم الأربعاء أعمال الندوة الدولية حول اليمن في العهد العثماني والتي ينظمها المركز الوطني للوثائق بالتعاون مع مركز أبحاث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول "أرسيكا" والتابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. الندوة التي تنعقد في 7 جلسات خلال يومين متتاليين، شهدت حضوراً تركياً كبيراً، حيث يشارك فيها حوالي 14 باحثاً وأكاديمياً تركياً. وافتتح أعمالها رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور، كما أدار الجلسة الأولى الدكتور عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية.
وتطرق الدكتور خالد ارن مدير مركز التاريخ للأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية "أريسكا" في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية إلى ما شهدته كثير من بلدان الأمة الإسلامية تحت الحكم العثماني بما فيها اليمن. مستعرضا بعض تفاصيل الأحداث ومواقع التاريخ في تلك الفترات.
من جانبه قال رئيس المركز الوطني للوثائق علي أحمد أبو الرجال جلسة افتتاح الندوة إن تركيا اليوم عادت لتسمع صوتها من جديد منتصرة لحق الأمة في أرضها وكرامتها وحقها في الحياة, مشيراً إلى أن ذلك الصوت دوى أبان العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ولازالت أصداؤه مدوية.
وأضاف أن الندوة ستناقش على مدى يومين في سبع جلسات 27 ورقة علمية بمشاركة نخبة من السياسيين والأكاديميين والباحثين من اليمن وتركيا.
ولفت أبو الرجال إلى أن العلاقات اليمنية التركية في العهد العثماني قد ظلت مستمرة أكثر من أربعة قرون من التاريخ، وقد مضت تلك القرون بتأثيراتها المباشرة وانطوت أحداثها لكنها بقيت تاريخا حاضرا في قسمات الوجوه وفي الإرث المشترك من العادات والتقاليد وبقيت بعض شواهدها المادية ماثلة في حياتنا أيضا. مؤكداً على ضرورة إعادة كتابة تاريخ العلاقات اليمنية التركية في العهد العثماني كما كان.
من جهته قال رئيس الوزراء علي مجور إن هذا النوع من الفهم الإيجابي للتاريخ، هو الأساس لكي نرسي من خلاله اليوم أُسس علاقة تعاون متينة مع تركيا على كافة المستويات. معبراً عن تقدير اليمن البالغ لتركيا وسياستها ومواقفها المبدئية المشرفة تجاه قضايا الأمة، والتي جاءت ثمرة طبيعية لدورها وموضعها الجديد كقوة مفصلية في عمق أمتها ومنطقتها العربية والإسلامية.
وفي الجلسة الأولى عرض عدد من الأكاديميين بعض البحوث التي قدموها، حيث قال الدكتور أحمد قواس الأستاذ بكلية الإلهيات بجامعة اسطنبول إن فضل تمكن الدولة العثمانية في بناء اتصالات مع مجتمعات إسلامية عديدة واقعة في الشرق وفي النصف الجنوبي للكرة الأرضية، يعود للشعب اليمني الذي كان على دراية جيدة بالمحيط الهندي، مؤكداً أن الوجود العثماني في اليمن لم يحظى بالدراسة الكافية.
فرمان عثماني بمنح ميدالية اليمن للجنود والموظفين الذين خدموا في الدولة في اليمن بإخلاص وتفاني 1312ه وأضاف في استعراضه لبحث بعنوان "ولاية اليمن بوابة العثمانيون على المحيط الهندي وفرص التعاون مع المسلمين الأفارقة والهنود المالاوي" إن خليج عدن والنقاط الاستراتيجية لليمن كانت أهم مناطق الصراع العثماني مع الدول الاستعمارية كالبرتغاليين والهولنديين، مشيراً إلى أن الولاة العثمانيين هم أول من واجه القوى الاستعمارية.
الدكتور عبد الحكيم الهجري أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء استعرض في بحثه المعنون ب"سياسة جعفر باشا في إرساء دعائم السلطة العثمانية في اليمن خلال الفترة 1608 1616م" الوسائل والأساليب الناجحة التي استخدمها جعفر باشا في تثبيت حكم الخلافة الإسلامية في اليمن، خاصة مع أتباع المذهب الزيدي.
وقال الهجري "إن اليمن شهدت خلال ولاية جعفر باشا استقراراً للأوضاع إلى حد كبير، حيث شرع يترجم اهتمام السلطنة المتزايد باليمن إلى خطوات مؤثرة سعت في حقيقة الأمر إلى التخفيف نسبياً من الضغوط الاقتصادية للسيطرة العثمانية، كان الغرض منها القضاء على المظالم المالية السائدة قبل ولايته".
من جهته أكد الدكتور محمد سعيد داود أستاذ التاريخ بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا على أن اليمنيين لم يعتبروا الوجود العثماني في اليمن عدواناً أجنبيا عليهم، منوهاً إلى أن العقيدة الإسلامية المشتركة قاربت بينهم، وتلاشت الناحية القومية من ذلك، مشيراً إلى أن قدوم العثمانيين إلى اليمن كان استجابة لمطالب العديد من القوى السياسية والاجتماعية في اليمن.
وقال إن العثمانيين عملوا خلال تواجدهم في اليمن على حماية اليمن والأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز من الاحتلال الاستعماري، كما قاموا بصد التوسع البريطاني إلى شمال اليمن آنذاك.
وأضاف أن العثمانيين قاموا بإزالة التقسيم الإقطاعي القبلي الموجود آنذاك في اليمن، ووحدوا معظم أراضي البلاد سياسياً وإدارياً وعسكرياً في ولاية واحدة، يحكمها والي عثماني يجمع في يديه كل هذه السلطات، وهو ما ساهم في تعريف اليمنيين بنظام الحكم المركزي الذي عملوا به بعد الجلاء العثماني الأول عن اليمن 1635م، وخروجهم الثاني في 1918م.
وتضمنت الندوة التي تقام في فندق موفمبيك معرضاً للصور والوثائق، التي تم استيرادها من تركيا، بالإضافة إلى نماذج من جوازات السفر وعملات ورقية عثمانية.