أشاد رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور بالشراكة المثمرة بين المركز الوطني للوثائق بصنعاء و مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (أريسكا) في اسطنبول، منوها بالجهد الذي بذل في إطار هذه الشراكة من أجل إقامة ندوة " اليمن في العهد العثماني " التي انطلقت أعمالها اليوم بمشاركة أكثر من عشرين باحثا يمنيا وتركيا. وأكد في افتتاح الندوة التي تستمر يومين، أهمية برنامج وموضوعات هذه الندوة في التوثيق العلمي والتاريخي لفترة التواجد العثماني في اليمن وقراءة أحداثها و الغوص في تفاصيلها بما يوفر فهماً أفضل وأعمق لمجريات تلك الأحداث ويفضى إلى صياغة جديدة مُعززة بمرجعية تاريخية وثائقية لتاريخ اليمن إبان تلك الفترة. وقال"إن الارتباط السياسي بالإمبراطورية العثمانية خلال تلك الفترة الطويلة من الزمن أفضى إلى تحولات وتغييرات عديدة في الواقع المعاش وفي أنماط الحياة و تطور مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية". وأضاف"لعلكم أكثر دراية بأن تاريخ أي شعب أو بلد خلال فترة معينة من الزمن لا يكون كاملاً إلا إذا استوعب كامل أجزاء الصورة المتعلقة بتلك الفترة بتفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية". ولفت الدكتور مجور إلى ان الإنشداد إلى التاريخ باعتباره ماضياً لا يكون إيجابياً إلا حينما نجعل منه مصدر إلهام لإرادتنا الحاضرة في بناء جسور الأخوة والتعاون والمصالح المشتركة مع الشعوب الشقيقة والصديقة. وبين ان هذا النوع من الفهم الإيجابي للتاريخ هو الذي نرسي من خلاله اليوم أُسس علاقة تعاون متينة مع أشقائنا في تركيا على كافة المستويات منذ أن دشن هذا العهد الجديد من العلاقات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بزيارته التاريخية الأخيرة لتركيا. مثمناً ما تحقق في مسار العلاقات الثنائية بين اليمن وتركيا وبمجالات التعاون التي تشهد نمواً مضطرداً في كافة المستويات. وتابع رئيس مجلس الوزراء قائلاً" إذا كان التاريخ المشترك يحتفي بالعديد من القواسم المشتركة التي جمعت بين شعبين مسلمين في الماضي فإننا اليوم نتقاسم مع تركيا قدر العيش في منطقة يتعين على شعوبها أن تكون أكثر تآلفاً وتعاوناً في مواجهة التحديات المصيرية التي تتهددها على المستويات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية". وعبر عن تقدير اليمن البالغ لتركيا وسياستها ومواقفها المبدئية المشرفة تجاه قضايا أمتنا والتي جاءت ثمرة طبيعية لدورها وموضعها الجديد كقوة مفصلية في عمق أمتها ومنطقتها العربية والإسلامية. وقدر الدكتور مجور عالياً هذه النخبة المتميزة من العلماء والباحثين المهتمين بالتاريخ والحضارة الذين يجتمعون في هذه الندوة ليوظفوا إمكاناتهم المعرفية والعملية المتخصصة في قراءة الإرث التاريخي المشترك الذي نتقاسمه مع الأشقاء في الجمهورية التركية. واستطرد رئيس مجلس الوزراء قائلاً "ان هذا الإرث من التاريخ المشترك الذي يتقاسمه اليمنيون مع أشقائهم الأتراك هو أحوج ما يكون اليوم إلى أن نضعه في عهدة العلماء والباحثين و أن نخضعه لمنهج البحث العلمي التاريخي بما يتيح قراءته قراءة علمية موضوعية متجردة مما علق بنظرة النخبة والعامة على السواء إلى هذا الإرث من شوائب المواقف والأحكام المسبقة. ولفت إلى أن في ثنايا هذا الإرث الكثير مما يستحق أن يعرف وأن ينقل إلى الأجيال الحاضرة والقادمة فالتاريخ مدونة شاملة لكل ما صنعه الإنسان على هذه الأرض. واعتبر انه لا يمكن اختزال التاريخ إلى مدونة حصرية لجولات الصراع بين الشعوب وما سجله من توافقها واجتماعها على مبادئ وأهداف وغايات مشتركة كون الإرث التاريخي المشترك الذي يجمعنا مع إخواننا الأتراك قد أثقل في فترات معينة بأحداث وتحولات سلبية فإنه لا شك حافل بالإنجازات المشتركة وبما يمكن أن نعتز به ونبني عليه رؤيتنا المشتركة نحو حاضر أفضل ومستقبل أجمل. ونوه الدكتور مجور بالدور البارز الذي يقوم به المركز الوطني للوثائق وبجهده في العناية بالذاكرة الوطنية وترميم وإحياء ما بُليّ منها بهذا الإنجاز الوثائقي المتميز. مجدداً التأكيد على دعم الحكومة ورعايتها الكاملة للمهام التي ينهض بها هذا الصرح التوثيقي وللأنشطة والفعاليات التي يتبناها وتدخل في صميم اهتمامه واختصاصه. وأكد ان الحكومة تدعم وبصورة كاملة المشروع الثقافي والحضاري النوعي المتمثل في تشييد مبنى جديد للمركز الوطني للوثائق بالمعايير والمواصفات المتبعة في تشييد مباني الأرشيف في العالم. مشيراً إلى الحرص على أن يرى النور قريباُ والتطلع إلى توفير بيئة ملائمة لحفظ وأرشفة إرث اليمن الوثائقي وبيئة مناسبة للاستفادة العلية والمعرفية والبحثية من هذا الإرث. ورحب الدكتور مجور بالأشقاء القادمين من تركيا إلى بلدهم الثاني اليمن. ناقلاً إليهم تحيات فخامة علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية ومباركة فخامته لأعمال الندوة وتمنياته الطيبة بأن تتكلل أعمالها بالتوفيق والسداد. من جانبه أوضح رئيس المركز الوطني للوثائق علي أبو الرجال أن الندوة ستناقش على مدى يومين في سبع جلسات 27 ورقة علمية بمشاركة نخبة من السياسيين والأكاديميين والباحثين من اليمن وتركيا. وأشار رئيس المركز إلى أن هذه أول ندوة يقيمها المركز بهذه الصيغة بالتعاون مع مركز ارسيكا التركي بهذا الحضور النخبوي للخبراء والمهتمين، والمضمون الأعم والأجد حول "اليمن في العهد العثماني". وقال أبو الرجال: لقد عقدنا على هذا الدرب ندوات وأقمنا معارض وأحدثنا مقاربات مهمة لموضوع العلاقة بين اليمن وتركيا في العهد العثماني لكننا بهذه الندوة نفتتح فصلا جديدا ونطرق أبعادا جديدة في تلك العلاقة. ولفت إلى أن العلاقات اليمنية التركية في العهد العثماني قد ظلت مستمرة أكثر من أربعة قرون من التاريخ، وقد مضت تلك القرون بتأثيراتها المباشرة وانطوت أحداثها لكنها بقيت تاريخا حاضرا في قسمات الوجوه وفي الإرث المشترك من العادات والتقاليد وبقيت بعض شواهدها المادية ماثلة في حياتنا أيضا. وأعتبر رئيس المركز أن هذه الندوة تعبر عن قناعة راسخة لدى الجميع بأهمية وضرورة إعادة كتابة تاريخ العلاقات اليمنية التركية في العهد العثماني لا كما نريده أن يكون بل كما قد كان. ولفت إلى أن تركيا اليوم عادت لتسمع صوتها من جديد منتصرة لحق الأمة في أرضها وكرامتها وحقها في الحياة, وأن ذلك الصوت دوى أبان العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ولازالت أصداؤه مدوية، ما يجعل الإيمان أعمق بأهمية الغوص في أعماق ذلك العهد الطويل من العلاقات اليمنية العثمانية لان فيه الكثير مما يعيننا على المضي بثبات وأمل على أرضية الحاضر باتجاه مستقبل أفضل في العلاقات بين البلدين. فيما استعرض مدير مركز التاريخ للأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية "أريسكا" الدكتور خالد ارن أهم الأنشطة والفعاليات التي نفذها المركز للتعريف بالتراث الإسلامي وما يضطلع به المركز من نشاطات في مجال البحث والنشر والمعلوماتية والمكتبة والتوثيق وتشجيع الدراسات الأكاديمية. وأوضح أن المركز أنجز حتى الآن قدرا لا يستهان به من الأنشطة والفعاليات التي أخذت أشكالا وأساليب مختلفة داخل تركيا وخارجها بما فيها أبحاث أخذت شكل الكتاب المطبوع وندوات مؤتمرات مرتبطة بكثير من الأحداث. وتطرق الدكتور أرن إلى ما شهدته كثير من مناطق الأمة الإسلامية تحت الحكم العثماني بما فيها اليمن. مستعرضا بعض تفاصيل الأحداث ومواقع التاريخ في تلك الفترات. يصاحب الندوة معرضا خاصا بالوثائق والمطبوعات التي توضح ملامح الفترة التاريخية التي عاشتها اليمن في العهد العثماني. وأوضح وكيل المركز الوطني للوثائق على سعد طواف لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن المعرض يضم أكثر من 300 مخطوطة تتضمن وثائق وخرائط وعينات من العملات النقدية التي كانت متداولة خلال تلك الفترة. ولفت إلى ما يهدف إليه المعرض من التعريف بنشر الوعي الوثائقي لدى الأجيال والعامة وأهمية هذه الوثائق ومدى فائدتها في المرجوة في إعداد الأبحاث والدراسات والمؤلفات. حضر الافتتاح المستشار السياسي لفخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الإرياني والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية الدكتور عبدالعزيز المقالح وعدد من أعضاء مجلسي النواب والوزراء وجمع من الباحثين والمثقفين والمهتمين وأعضاء السلك الدبلوماسي بصنعاء. بعد ذلك بدأت أعمال الندوة من خلال الجلسة الأولى التي رأسها المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبد الكريم الإرياني وناقشت ست أوراق عمل الأولى لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور صالح علي باصرة حول "مصادر التوثيق للوجود العثماني في اليمن". وقدمت الورقة لمحة عن كثير من الشواهد والمعالم العثمانية التي ما تزال باقية في اليمن والكم الكبير من الوثائق المتوفرة وتوثق لحقبة الحكم العثماني خلال تلك الفترة. وأوضحت الورقة ما يجب أن يقوم به المركز الوطني للوثائق لحفظ وصيانة تلك الموجودات التاريخية عبر تأسيس أرشيف يعتمد على التصوير الضوئي للوثائق وإدخالها في أقراص ممغنطة ليتم تداولها دون أن تتعرض للتلف. فيما تناولت ورقة الدكتور احمد قواص من جامعة استانبو موضوع "ولاية اليمن بوابة العثمانيون على المحيط الهندي وفرص التعاون مع المسلمين الأفارقة والهنود الملاوي". وأوضحت الأهمية التي مثلتها اليمن عبر موقعها الاستراتيجي للدولة العثمانية في التأسيس للاتصال مع المسلمين في الشرق, وما مثلته كثير من مناطق اليمن من نقاط أساسية في الصراع العثماني مع الدول الاستعمارية. وركزت ورقة الدكتور عبد الحكيم الهجري من جامعة صنعاء على " سياسة جعفر باشا في إرساء دعائم السلطة العثمانية في اليمن خلال الوجود العثماني الأول 1608-1616م". واستعرضت أبرز الأحداث التي شهدها اليمن وكيف لعبت سياسة جعفر باشا في إرساء دعائم السلطة العثمانية في اليمن حيث شهدت الأوضاع في عهده استقرارا تاما وما أولاه من أهمية لاسترضاء رجال الدين في اليمن. واستعرض الدكتور محمد داؤود من جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا "ايجابيات الحكم العثماني في اليمن"..معتبرا أهم الايجابيات هي حماية العثمانيين لليمن والأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز من الاستعمار الأوروبي وإزالة التقسيم الإقطاعي القبلي الذي كان موجودا في اليمن. وتناول الدكتور فيصل الكندري من جامعة الكويت في ورقته "سلمان الرومي وتقريره لعام 931 هجرية 1525م الدور الذي قام به هذا القائد العثماني في البحر الأحمر في بدايات القرن العاشر الهجري مع شرح لتقريره الذي رفعه للوزير إبراهيم باشا حول نشاط البرتغاليين في الشرق. فيما أوضحت ورقة الدكتور ادريس بوستان من جامعة اسطنبول " أهمية مستودعات الأسلحة في كل من المخا وقناة السويسوجدة في الصراع العثماني البرتغالي". وفي الجلسة الثانية برئاسة مدير مركز ارسيكا الدكتور خالد أرن ناقش المشاركون أربع أوراق عمل الأولى للدكتور سيد مصطفى سالم من جامعة صنعاء بعنوان " فضل علوي يوضح للباب العالي السياسة الاستعمارية في الجزيرة العربية" تناول فيها الخطاب الودي الذي رفعه فضل علوي إلى الباب العالي وما تضمنه من تقريب للسياسة الاستعمارية في تقسيم الأراضي العربية. فيما قدمت ورقة الدكتور محمد ابشيرلي من جامعة فاتح بتركيا "تقييمات لمصادر ومنهجية ومحتويات كتاب" تاريخ اليمن وصنعاء للاميرال أحمد راشد" تناولت الكتاب برؤية علمية نقدية مركزة على مضامينه ودلالة صدوره في تلك الفترة. وركزت ورقة الدكتور مصطفى بلكة من مركز الأبحاث الإسلامية بتركيا على مظاهر "التطور الزراعي والصناعي في اليمن خلال العهد العثماني" وأشارت إلى الخصوصية التي كانت تحتلها اليمن في ظل الحكم العثماني كمنطقة زراعية "ينمو فيها كل شيء" وتمتلك منتجات زراعية غنية. وتطرقت إلى الرحلات التي شدت إلى اليمن من قبل باحثين وخبراء من أوروبا لرصد ما ينمو فيها من نبات وحصر منتجاتها الزراعية الأمر الذي تضمنته كذلك تقارير الموظفين العثمانيين والمبعوثين الخاصين إلى هذه الأرض الخصبة. وتناولت ورقة الدكتور مصطفى آشجي من جامعة مرمرة تركيا، "حياة قطب الدين النهروالي، نشاطه العملي وكتابه "البرق اليماني في الفتح العثماني". وسردت تفاصيلا من حياة قطب الدين وأبرز مؤلفاته وأعماله. الجلسة الثالثة برئاسة الدكتور علي أوزك من جامعة مرمرة بتركيا استعرض المشاركون فيها اربع أوراق عمل في مقدمتها الورقة الخاصة بالدكتور أوندر باير من مديرية الأرشيف العثماني بتركيا حول" أهمية الأرشيف العثماني في البحث العلمي عن اليمن". فيما عرضت ورقة وكيل المركز الوطني للوثائق علي سعد طواف بعنوان "حفظ الوثائق خلال فترة الحكم العثماني لليمن" جهود الدولة العثمانية في توثيق كل ما تم إنتاجه من وثائق تتعلق بأنشطتها الإدارية والعلمية لجميع المؤسسات المركزية في الولايات التي خضعت للحكم العثماني. وطرقت ورقة الدكتورة امة الغفور عبد الرحمن الأمير من جامعة صنعاء موضوع " الوالي حسين حلمي باشا وسياسته الإصلاحية في اليمن 1898-1901م". وركزت الورقة وهي بحث علمي للدكتورة أمة الغفور التعريف بأبرز الإصلاحات التي قام بها الوالي حسين حلمي في اليمن في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فيما تتبعت الورقة الأخيرة للسفير اللبناني بصنعاء إحسان أبي عكر بعنوان "المتصرف بك حسن متصرف الحديدة قراءة وثائقية" محطات حياة هذه الشخصية وتنقلاته في المهام الإدارية والمناصب الوظيفية خلال فترة وجود في اليمن. وأثريت الجلسات بمناقشات لأكاديميين وباحثين ومهتمين عززت مضامين الطرح حول موضوع الندوة والأوراق والأبحاث المقدمة.