ثورة ال11 من فبراير 2011 انطلقت من الساحات وحشدت حولها مختلف فئات الشعب المعنية بالتغيير من مختلف مناطق البلاد في لوحة ثورية لا سابق لها في تأريخ شعبنا اليمني القديم والحديث والمعاصر, وشكلت هذه الساحات مدرسة ثورية مدنية حقيقية لكل المعتصمين فيها والمتعاطفين معهم في داخل البلاد وخارجها, وكان لصمود الشباب الاسطوري صداه في داخل اليمن وخارجه حيث أبدى الكثير من المثقفين العرب والأجانب اغتباطهم وإعجابهم بهذا الوعي الشبابي الجماهيري المتحضر غير المسبوق في اليمن وغير المتوقع. وكان أهم ما ميز الساحات هوا الآتي: 1. أثبتت أهمية النضال السلمي المدني وفعاليته في زعزعة أركان النظام المتسلط الفاسد برغم ترسانته العسكرية وأجهزته الأمنية والمخابراتية, وجعلت أطرافه تتخبط بين مؤيد للثورة ولو للنجاة بنفسه والنأي بها من تحمل مسؤولية أخطاء النظام وبين معاد لها يبحث عن مخرج ولو بتقديم تنازلات كانت بالنسبة له من المسلمات لا تقبل النقاش كالتوريث والتمديد وغيرها وهدفه ولو حماية ما أمكن من السلطة أو الخروج الآمن منها. 2. الساحات شكلت مدرسة للتعايش بين اليمنيين من مختلف الأحزاب والطوائف والمناطق والفئات العمرية كخطوة أولى للتعايش في ظل الدولة المدنية التعددية التي ينادي بها شباب الثورة. 3. أجبر شباب الساحات حملة السلاح من رجال القبائل والعسكريين المؤيدين للثورة على ترك سلاحهم جانبا والدخول إليها بشكل مدني كبروفة أوليه لتعايشهم مع الدولة القادمة بدون حمل السلاح وتسليم زعماء القبائل بإمكانية تعايشهم مع الدولة المدنية القادمة التي يقودها الشباب والمؤهلين من أفراد الشعب إن توفرة الإرادة. 4. كسرة الساحات حاجز الخوف عند الجماهير بعد صمت قهري مريب طوال العقود المنصرمة وثبتت الخوف في نفوس الحكام والمتسلطين والفاسدين من غضب الشعب الذي كانوا يوما ما قد اعتقدوا بأنهم قد دجنوه ولم يعد قادرا على مواجهة بطشهم ورغباتهم. 5. شكلت الساحات مدارس تثقيفية توعوية وتعبوية بأهداف الثورة المدنية وتعرية النظام الفاسد ومكوناته وحلفائه ومنتديات للحوار الوطني الشعبي بصورة تلقائية دون تصنع أو تكتيك كما عهد الشعب ذلك من نخبه الحزبية والاجتماعية المتجمدة. 6. أبتدع المناضلون في الساحات أساليب مختلفة ورائعة للنضال مثل المسيرات نحو العاصمة صنعاء والدخول إليها من أبوابها المغلقة والمحرمة على ثوار ساحة التغيير مما أرعب فرائص النظام وجعله يتخبط في البحث عمن ينقذه ويسانده في درء خطر هذه المسيرات الإبداعية بالإضافة إلى التهديد بالزحف نحو القصور الرئاسية والوزارات والمصالح الحكومية. 7. اجبرت هذه الساحات الأحزاب المحنطة وبعض قياداتها العتيقة على اللحاق بركب الثورة ولو إلى حين بعد أن ظهرت عاجزة عن تحريك الشارع ضد النظام بالرغم من انها بدأت تنحرف بمسار الثورة عن طريق اعتلاء منابرها وامتصاص حماسها وحرف مسارها باتجاه الماضي. على ضوء ما ذكر من ما للساحات من أهمية في هذه النقاط المختصرة, هل نشعر بأنها قد أكملت مهمتها أم لا؟ أعتقد بأن الجواب بالطبع «لا» لأن ما خرج الشباب والشعب من أجله في 18 محافظة وأكثر من 36 ساحة لا يزال قائما. لا النظام السابق تفكك بل أعيد ترميمه, ولا أصبحت قيادة الثورة بيد الثوار الشباب ومن تحالف معهم بل آلة إلى جزء النظام الآخر الذي احتمى بالثورة وأصبح المتكلم والمحاور باسمها. أكتسب الفاسدون حصانة وأيضا ضمانة بقائهم في مراكزهم المدنية والعسكرية والأمنية وعاد دعاة الحروب من بعض المشائخ وغيرهم إلى ممارسة هواياتهم في الحشد والتهديد لتأديب من ينادي في التغيير وإصلاح النظام السياسي وإعادة الحقوق لأهلها والقضاء على الفساد. ولا يستبعد عودة أطراف النظام المتنافرة بكامل قواها للتحالف مع بعضها البعض من جديد في وجه التغيير ومن يطالب به بحجة الوفاق والمبادرات عندما تشعر بتهديد مصالحها التي لم تمس برغم اختلافها المرحلي على من يمتلك الحصة الأكبر من ثروة الشعب. من الواضح أن الشباب ومعهم فئات الشعب المعنية بالتغيير بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى ساحاتهم ولو اسبوعيا على الأقل ليس فقط لتأدية فريضة صلاة الجمعة بل لمواصلة أنشطتهم في الضغط على أطراف السلطة التوافقية من أجل تنفيذ التغيير الثوري المطلوب في بناء الدولة المؤسسية الحديثة التي تلبي تطلعاتهم المستقبلية في الأمن والتنمية والمواطنة المتساوية والتوزيع العادل للثروة والسلطة وإزالة المظالم.