باستثناء علي عبد الله صالح لا يوجد شخص في هذه المعمورة يشتغل في السياسة ويملك حصانة تمنع مساءلته ومحاسبته. لأن هذه هي الحقيقة، نرتكب خطأً فادحاً كلما تمادينا بوصف رجل كهذا بالمخلوع، في حين أنه شخص فوق القانون برضى وموافقة خصومه الذين يدافعون عن أنفسهم بطريقة تدعو للرثاء. حسناً، ليقل لنا من يتبنّى نظرية "المخلوع" كيف يمكن أن نصدّق مزاعمه في هذا الشأن، والرجل ما يزال يقود أكبر حزب داخل البرلمان، ويملك نصف الحكومة، ومعظم الجيش، بالإضافة إلى غالبية كبار الموظفين الذين ما يزالون يدينون له بالولاء المطلق.
إزاء هذا الوضع غير الطبيعي، أبدى البعض تصميماً مغاليا فيه، تجاه ضرورة هيكلة المؤتمر الشعبي العام، والهيكلة من وجهة نظر هؤلاء تتلخص في تنازل علي عبد الله صالح عن رئاسة المؤتمر لمصلحة عبد ربه منصور هادي، الذي يبدو أنه سئم البقاء ثانياً حتى وهو رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من أن دعوات كهذه تعكس قلقاً من استمرار إمساك صالح بالمؤتمر الشعبي العام كمنصة لإجهاض الثورة وعملية الانتقال وبناء الدولة على أسس واضحة ومتينة، إلا أنها تعبّر عن فقر سياسي يُندر وجوده في أي مكان في العالم.
إذ لا يُجدر بأي شخص لا ينتمي لحزب المؤتمر أن يدعو لهيكلة أو تصحيح أو تغيير، خصوصاً وأن الأحزاب الأخرى تعاني من نفس المشكلة، مشكلة الاستئثار بمقدرات الحزب ومؤسساته واختزال القرار في أيدي قلة قليلة ترتبط بمصالح مشبوهة. ما يجب التركيز عليه، هو عدم السماح باختراع قواعد غير معقولة في السياسة، هذه هي مهمتنا جميعا.
إذا أراد صالح الاستمرار في ممارسة العمل السياسي فلا يجوز أن يظل ابنه قائداً للحرس الجمهوري، فهذا الأمر يهدد أبسط قواعد الديمقراطية. أما المطلب المُلح الآن في ظل تمسك الرجل بقيادة حزب سياسي هو المؤتمر فيتمثل في سحب قانون الحصانة عنه فوراً، ليتساوى مع خصومه بمن فيهم الدكتور ياسين سعيد نعمان، فلا يُعقل أن يكون هذا الأخير معرضاً للمحاسبة، والشخص الذي استولى على السلطة لأكثر من ثلاثين عاماً، ويعمل للاستيلاء عليها مجدداً لديه ما يكفي من الحصانات التي تجعله فوق الجميع. دعونا نقوم بإسقاط هذه المهزلة. وفي هذا الإطار، يجب على المشترك أن يعلن بوضوح أنه يمكن لصالح أن يمارس السياسة في حال أراد ذلك، لكن مقابل خروج أقربائه من مؤسستي الجيش والأمن، وعدم الالتحاف بالحصانة، لكي لا يأتي يوم تكون فيه الثورة مجرد مغامرة كوفئ من حاول قمعها وحسب. هذا ما يجب أن يقوله المشترك، أما ما يجب أن يقوله الثوار ويتمسكون به هو "عزل جميع المفسدين"، وفي مقدمتهم ذلك الذي انتزع الحصانة في صفقة مريبة، ليس لأن هذا هو قانون الثورة ولكن لأن هذا هو قانون العدالة الذي لا يجب المساومة بشأنه.