في بادرة هي الأولى من نوعها يمنياً؛ نشرت صحيفة «الوحدوي» تصريحاً للأستاذ محمد مسعد الرداعي الأمين المساعد للتنظيم الوحدوي الناصري، حول ما يجري في مصر من أزمة بسبب الخلاف حول الدستور والإجراءات التي اتخذها الرئيس المصري د. محمد مرسي! والكلام يستحق أن يناقش لأنه يعكس نوعاً من يمننة للأزمة المصرية في تشخيص الأزمة، ووصل إلى درجة دعوة اليمنيين إلى أداء دور فاعل لحلها وهم الغارقون في أزمة لا يدرون فيها ماذا سيكون مصيرهم! نبدأ بإيجاز أبرز أفكاره مع مناقشة كل فكرة مباشرة: 1- ثورات الربيع العربي تتعرض لمخاطر أسهمت في تحقيقها قوى الثورة التي لم تستوعب أن الثورة ثورة على النفس أولاً، والقبول بالآخر، والشراكة الوطنية، والاحتكام لأسس الدولة المدنية التي تقبل بكل أبناء البلد في تجاوز ثقافة الماضي!
ونحن نتفق مع الرادعي بشأن وجود مخاطر تتعرض لها ثورات الربيع العربي.. لكن كلامه عن السبب جاء عاماً وفضفاضاً، ولا يصلح لتأسيس وعي سليم بماهية الأزمة المصرية وأسبابها؛ فمصطلحات مثل «الثورة ثورة على النفس، والقبول بالآخر والشراكة الوطنية» هي مشكلة بحد ذاتها عندما تصير عند بعض قوى الثورة وسيلة لتعطيل الخيار الشعبي الذي عبرت عنه الانتخابات النزيهة؛ والحديث عن «الثورة على النفس» نوع من الوعظ الرسمي عندما يقصد به وعظ الخصم أو الطرف الآخر وليس وعظ الذات. وفي مجتمع يحتكم للإرادة الشعبية عبر صناديق الانتخابات الحرة والنزيهة ينبغي أن يفهم أن «القبول بالآخر والشراكة الوطنية» لا يعني أبداً إلزام من اختاره الشعب ليحكمه أن يشرك معه الآخر المنافس الخاسر في الانتخابات في إدارة الدولة لا باسم القبول بالآخر ولا باسم الشراكة الوطنية.. وإلا صارت الانتخابات مسألة عدمية (كما حدث بعد الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المصرية؛ عندما تعالت أصوات مؤيدي بعض الخاسرين تطالب د. مرسي بالتنازل عن الاستمرار في الجولة الثانية لصالح مرشح خاسر، وضرورة استقالته من حزبه وحركة الإخوان وقطع أي صلة بهما!) لكن يمكن أن تتجسد الشراكة في مسائل مثل مسألة إعداد الدستور الجديد وهو ما حدث بالفعل؛ فقد تشكلت الجمعية الوطنية التي أعدت الدستور وفق اتفاق جماعي، وضمّت ممثلين عن الأطياف السياسية والدينية ومستقلين وحتى ممثلين، ولم تنفرد الأغلبية بذلك، وتحدّدت طريقة التصويت بالتوافق ثم الثلثين ثم 57%، وهنا يتحقق مبدأ القبول بالآخر والشراكة الوطنية؛ رغم أن هذه الطريقة ثبت أنها تحمل خطرها داخلها؛ كما حدث عندما انسحب مجموعة من الأعضاء بحجج لا ترقى إلى مستوى مبرر لها.. (مثلاً؛ عمرو موسى اعترض على مادة تنص على أن تعمل الدولة المصرية على تعريب التعليم والعلوم والمعارف.. وبعضهم انسحب لأن صياغة بعض المواد غير دقيقة في رأيه.. أو لأن بعض المواد لم تتفق مع ما يريده.. إلخ.. ومن البداهة القول إن الجميع كان لديهم بالضرورة تحفظات على الصياغة أو بعض المواد لكن لم يكن الحل أن ينسحب من لم يرضَ عن أي شيء.. وإلا فإن الحل كان سيكون منح الأغلبية حق وضع دستور كما تشاء، وعلى المتضرر العمل للفوز بالأغلبية لتعديل ما يرفضه).
أشار الرداعي أيضاً إلى عدم استيعاب أن الثورة تعني الاحتكام لأسس الدولة المدنية التي تقبل بكل أبناء البلد متجاوزة ثقافة الماضي.. وهنا- أيضاً- لا تعيننا هذه الصياغة غير المنضبطة على فهم المشكلة وعلاقتها بمجانبة أسس الدولة المدنية؛ ففي مجمل مواد الدستور عن النظام الديمقراطي، والحريات والحقوق العامة والخاصة، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ما يؤكد أنه تم بالفعل الاحتكام لأسس الدولة المدنية، وبصرف النظر عن أن معاييرها محل خلاف غير هيّن. كذلك تم استيعاب الأقليات وحصل المسيحيون واليهود على حقوق تضمنها الدستور لأول مرة في تاريخ مصر أبرزها حقهم في الاحتكام لشرائعهم الدينية (هل يتفق هذا مع أسس الدولة المدنية أو يتعارض؟ لا أحد يتكلم!).
2- أتفق مع الأستاذ الرادعي أن ضيق الأفق وعدم احترام مطالب وإرادة الشعب كان وراء انقسام قوى الثورة؛ لكنه لم يقل كيف يمكن أن نعرف المصابين بضيق الأفق والذين لا يحترمون إرادة الشعب، وكيف نعرف أصلاً إرادة أي شعب ومطالبه بطريقة صحيحة؛ بالاحتكام إلى الآليات الديمقراطية عبر الانتخابات أو الاستفتاءات أم بدفع الأنصار إلى الاعتصام والخروج في المسيرات، ومهاجمة مقرات الأحزاب وحرقها، والإصرار على تحويل خلاف سياسي إلى صدام دموي شعاره: إما أن تقبلوا رأينا ومطالبنا أو نقلب الدنيا على الجميع؟
إن اتفقنا على أن الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية النزيهة والرضا بنتائجها هي المعيار فسيكون واضحاً من هم المصابون في مصر بضيق الأفق، وعدم احترام إرادة الشعب ومطالبه، ومحاولة الوصاية عليه.. وإن كان المقصود أن النزول إلى الشوارع والميادين هو سبيل معرفة الإرادة الشعبية؛ فنظن أنه لا مجال لغضب أي شخص مما يحدث في مصر.. فمن حق المعارضين النزول إلى الشوارع والميادين والاعتصام في كل مكان، ومن حق المؤيدين فعل الشيء نفسه، حتى يتعب أحد الطرفين ويستسلم، أو تنفجر حرب أهلية أو يتدخل الجيش ويستلم السلطة ويعود حكم العسكر، وينتصر شعار: «آسفين يا ريس!» الذي يروج له أنصار مبارك!
في الحالة الأولى لا يكون من الإنصاف تحميل الرئيس المصري وحزب الحرية والعدالة المسؤولية والتخفيف من مسؤولية الآخرين في جبهة الإنقاذ الوطني إلى درجة عدم ذكر أسمائهم! وخاصة أن هذا الطرف هو الذي رفض الحوار بعناد إن لم تتحقق شروطه، وتورط في التحالف علانية مع بقايا نظام مبارك والمليونيرات الذين خلّفهم، ولم يظهر شيئاً من سعة الأفق عندما تراجع الطرف الآخر عن بعض مواقفه، وأصدر توضيحات وتطمينات حاسمة عن بعض ما أثار المخاوف، ودعا إلى الحوار الذي طالب الرداعي به (هل ينفع هذا لمعرفة من هم ضيقو الأفق؟).
أما في الحالة الثانية فمن الظلم أن نلوم أي طرف طالما كان ذلك هو مفهوم البعض عن احترام إرادة الشعب ومطالبه! بل لا يجوز حتى الغضب من احتمال فشل الثورة المصرية، أو إدانة الرئيس اليمني وحكومة الوفاق واللقاء المشترك واتهامهم بالتواطؤ وضيق الأفق السياسي لعدم قيامهم بدور في حل الأزمة!