عشق الرحلات والسفر منذ نعومة أظفاره، دفع ثمن مغامراته في مواقف كثيرة كادت تودي بحياته، لم تبهره اختراعات العصر في عالم المواصلات الفاقئة السرعة. في عالم يعج بالمركبات الفضائية والطائرات، لا يزال القاسمي يتفنن في علاقته بالجمال، عشق ركوبها والترحال على ظهورها فساقته إلى عالم الشهرة، ليكون أول رحالة عربي يقطع 30000 كيلو متراً على ظهر الجمال... المصدر أونلاين ألتقى بالقاسمي، إليكم نص الحوار:
* البطاقة الشخصية للرحال؟ - أحمد عبده زيد القاسمي من مواليد 1962م - مديرية الغفر - محافظة إب – اليمن. - متزوج وله أربعة أولاد (سمير - يوسف - فيصل – سلطان) وست بنات - يسكن في العاصمة صنعاء.
* متى بدأت فكرة الرحلات والسفر عند القاسمي؟ - منذ كنت طفلاً صغيراً في قريتي الريفية، عندما كنت أرعى الأغنام في جبالها العسيرة واقرأ وأتعلم في الفترة الصباحية، كنت مولعاً بقراءة قصص الرحلات والسفريات للرحالين العرب الأوائل الذين اشتهروا بذلك، ومرت الأيام وكبرت وكبرت الفكرة، ومررت بعدة تجارب عديدة في مناحي الحياة ليأتي عام 1992 الذي كانت فيه أول رحلة لي من صنعاء إلى مسقط مع مجموعة من الشباب، وأثناء الرحلة قمت بإعداد مشروع رحلتي القادمة إلى جميع الدول العربية على ظهور الجمال، واخترت شخصاً آخراً ليرافقني بتلك الرحلة التي انطلقت في 1/9/1994 وانتهت في 1/9/1995، قطعت مسافة 16 ألف كيلو متر. الثانية بدأت في 30 نوفمبر 1999 وانتهت في 2/8/2000م قطعت مسافة تصل إلى 11 ألف كيلومتر بالإضافة إلى 3 آلاف كيلو متر في رحلتي إلى عُمان 1992م و5 آلاف كيلو متر في رحلة الدراجات في اليمن عام 2006م.
* كيف ترى علاقة الرّحال بالرياضة؟ - علاقة حميمة. كنت قبل الرحالات واحدا من الرياضيين المشهورين في اليمن لعدة العاب، أهمها: العاب القوى مسافات طويلة، شاركت في مشاركات عديدة محلياً وعربياً، ولا زلت وإلى اليوم أمارس الرياضة.
* أين يقف الجمل في قائمة اهتمامات القاسمي؟ - الجمل أخد الكثير من وقتي، وقد يكون أكثر من الوقت الذي أقضية مع أولادي. اهتم كثيراً بحياة الجمل اليومية، وذلك لأنّي أرى فيه أنه جُزء منِّي، ولولاه لما اشتهرت في رحلاتي، وأيضاً استخدم معه لغة فيفهم وينسج علاقة قويّة. هذه العلاقة الحميمة التي نفتقدها في هذا الزمن، التي لا نجدها حتى بين الأخ وأخيه في أيامنا هذه.
* لماذا رحلات القاسمي دائماً على ظهور الجمال؟ - لأن الجمال فيها صفات عديدة تجعل الإنسان يرتبط بها؛ كونها وسيلة نقل عظيمة، وذُكرت في القرآن الكريم، وتخاف منها جميع الحيوانات المفترسة، وهي حيوانات اقتصادية لا تحتاج إلى نفقة كثيرة، بل تعتمد على النباتات المختلفة، وتتميّز بالصبر وتحمّل المشاق والجوع، وهي حليمة، بالإضافة إلى ذلك تعتبر رمزا تاريخيا وحضاريا للأمة العربية، والحفاظ عليها واجب؛ لأنها وسيلة سفر لكل زمان ومكان.
* ما هي الرحلات التي أدخلت القاسمي عالم الشهرة وموسوعة الرحلات في اليمن والوطن العربي؟ - رحلتي حول الوطني العربي، ورحلتي الثانية بالجمال إلى دول غرب وجنوب آسيا، كان لها اهتمام إعلامي وثقافي واجتماعي، وتكللت بنجاح جديد، وفتحت لي مجالات عديدة في أدب الرحلات معرفياً وثقافياً.
* ما هي المعاني السامية التي أضافتها الرحلات للقاسمي؟ - المعاني السامية كثيرة، منها جعلتني أمتلك ثقة كبيرة، وعرفّتني من أنا، ومن هو أحمد القاسمي، وماذا يريد من الحياة، وكيف يتعامل مع الآخرين، كذلك الوفاء، التسامح، الحب لكل الناس، حسن النوايا والتعاملات، قد يكون أهم شيء اكتسبته أهم من المال وأهم من المنصب الوظيفي، وهذه مواقف اكتسبتها من اختلاطي بشرائح مختلفة من الناس في كل تلك الدول التي زرتها.
* ما عدد الدول التي زارها الرحال؟ - 32 دولة عربية وآسيوية.
* هل هناك أهداف ورسائل حملتها رحلة القاسمي؟ - طبعا، حملت رسائل وأهدافا عديدة وشعارات متنوعة حسب اتجاه الرحلة، فقد حملت رسالة الوحدة اليمنية إلى الأمّة العربية، مطالبا بتحقيق الوحدة العربية، ومطالبا بإزالة الحدود والقيود والتأشيرات بين الأخوة. حملت رسائل أيضاً عالمية من أجل المصداقية والسلام والمحبّة ونبذ الصراعات بين الحضارات ولا طعم لرحلة ما لم يكن لها هدف سامٍ ونبيل.
* ما مدى تقبّل المجتمعات التي زرتها لشعارات وأهداف رحلتك؟ - التقبل كان عظيماً وكبيراً واهتمامهم واستقبالهم لي كان يؤكد أن المشاعر تلك هي مشاعر الرضى، ومشاركتهم في تقديم الدّعم والعون والمساعدة. الأسئلة التي كانت توجّه لي في القرى والمناطق أينما كانت تدل على أن الجميع يحبون الخير والسلام والتعليم الإنسانية، وأن الخير يعم شعوب العالم، وكانوا يعتبروني بنظراتهم رجلا استطاع أن يحقق لذاته ووطنه ما لم يحققه أي إنسان، وهو بمثابة مفخرة ورمز يتمنّى أن يكون مكانه جميع الناس الذي قابلهم.
* ما هي أبرز المواقف الطريفة والجميلة التي تعرّض لها القاسمي؟ - أجمل المواقف وأهمها: دخولي إلى كل تلك العواصم التي زرتها وأنا على جملي وكل الناس ينظرون إليّ بإعجاب وإلى الجمل أيضاً. عند عودتي إلى صنعاء والكل ينتظرني من رئيس الدولة وكل الناس، وكنت أسير بشوارعها متجهاً إلى مقر الاستقبال، والحشود الجماهيرية وقفة لاستقبالي، وقد حققت أمنياتي بعد نجاح رحلاتي.
أما المواقف الطريفة التي واجهتها كثيرة، منها موقفان طريفان: - دخولي إلى شارع في أسمرة الجمال لا تحمل أرقاما، وانطلقنا بسرعة فائقة، فما كان من الشرطة إلا أن أصدر صافرات فتوقّف الشارع كله، والشرطة كانت تطاردن، تُضحك كل من في الشارع، وبعد ذلك قدمت (الشطرة) غرامة مالية قدرها 100 دولار إلى السفارة اليمنية، والثانية عند شراب الجمل: زرنا حارة في بيروت ممّا جعله يصدر أصواتاً عالية، تجمّع لها كل من في الحي، وما كان منّا إلا أن أدخلناه إلى حوش السفارة المزينة وال"مُرنّجة" بألوان بيضاء زاهية، وقد أخرج الجمل ما في داخله حتى غيّر للألوان الجميلة وسط غرابة من الصحفيين والأطباء الذين أتوا لمعالجته، وكل من أتى لمشاهدة الجمل.
* هناك صعوبات ومواقف أثّرت على رحلات القاسمي؟ - المواقف كثيرة والصعوبات أكثر، من أهمها: الدعم الذي كان شحيحا، والذي لم يكن محفِّزا لهذه الرحلات، ولكن إيماني بأهمية الرحلات وشغفي بهاتين يجعلني لا أنظر إلى الخلف، وأتجاوز كل الصعوبات، وهي بُعد المناطق عن بعضها. التعرّض للتقطع من عصابات، والإصابات بالأمراض، والخوف من الحيوانات المفترسة والزواحف، كل هذه تهون أمام تعرّض الانسان للإنسان وقهر الإنسان للإنسان في الحدود العربية، وبعض التصرّفات من رجال الحدود التي نأسف أن نراها.
* أين وجدت الضيافة والاهتمام؟ - وجدت الاهتمام عند كل الناس البُسطاء في الارياف، وفي الصحاري الذين لا يعرفون الحواجز، ولا يؤمنون بها، والذين كانوا يقدّمون لي الخبز والاغاثة، وكنا نتقاسمها سوياً، وهذا يُعد بالنسبة لي أكبر اهتمام واستقبال. أمّا على مستوى الدّول، فكانت دول: الإمارات والسودان والسعودية أكثر الدول المهتمة برحلات الجمال؛ كونها تراثا لهم.
* ما هي جهات الدّعم والتمويل لرحلات القاسمي؟ - الدعم كان من بعض الجهات الحكومية، مثل: وزارة الشباب والرياضة وبعض المسؤولين المتطوعين لتقديم الجُزء اليسير من الدّعم، وذلك كون رحلاتي لم تكن وراءها مؤسسات حكومية، كونها مبادرة ذاتية، وأنا صاحب الفكرة والمنفذ لها، ولذلك لا أستطيع أن أفرض الدعم على أي جهة حسب ما تحتاجه الرحلة، رغم ذلك كان بإمكاني أن أسوّق لشركات تجارية، وأحصل على الدّعم المطلوب اللازم من تلك الشركات، ولكن لم يكن هدفي الحصول على المال بقدر ما هو تحقيق غايتي ونجاح رحلاتي.
* اقتناء الرحال لمجموعة جمال هل ذلك ياتي من باب عشق الحياة مع هذا المخلوق أم هناك ترتيب لرحلة قادمة؟ - كل فترة أذهب إلى محافظة الحديدة وألتقي بمجاميع من الجمال اتحسسها ومشاهدة حركاتها وقضاء وقت لا بأس معها، أحتسي من لبنها وأركب على ظهورها، وأقدّم لأصحابها بعض الأدوية لها للأمراض الجلدية. أما بالنسبة للجمال التي تتواجد معي حالياً فقد اقتنيتها بعد أن اخترتها ونقلتها إلى صنعاء، فالجمال الأربعة كانت على موعد مع انطلاقة جديدة في قافلة تحمل "معاني الحب والوفاء" للأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي؛ عرفاناً من أبناء اليمن بالدور الكبير الذي قاموا به والذين كانوا لهم دور في رأب الصدع وحقن دماء أهل اليمن من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة. ولا زلنا نأمل بالقيام بهذه المهمة حتى ولو انتظرنا خمسة أشهر فخامة الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي لتقديم الدّعم.
خلاصة الموضوع أنني حملت رسالة الإنسان اليمني رسالة الحب والخير والسلام إلى العالم، ومهما حقق للإنسان من انجاز فلا زالت نفسه مفتوحة إلى تحقيق المزيد، واكتشاف كل ما هو جديد وغريب.
* كلمة أخيرة؟ أشكر موقع "المصدر أونلاين" على اهتمامها ومتابعتها لنا. ولا أخفيكم بخطتي الجديدة التي أسير إلى تنفيذها، وهي القيام برحلة. وأنا على وشك البدء بها، فهي مكوّنة من ثلاث مراحل؛ تنفذ على مدى ثلاث سنوات، حيث ستكون المرحلة الأولى من جيبوتي إلى "راس الرجاء الصالح" (راس العواصف) بجنوب أفريقيا ستكون مُدتها سبعة شهور، ومن ثم أعود إلى اليمن، ثم أنطلق في العام 2014 ثم أعود إلى اليمن، وانطلق في المرحلة الثالثة من تركيا إلى بريطانيا؛ أجوب القارة الأوروبية في عام 2015، بهذا أكون قد حققت رقما قياسيا في مجال الرحلات بالجمال.
وأود الإشارة هنا إلى أنني حصلت على المركز الأول في دُبي في المهرجان بقطع أكبر مسافة لعدد أربع رحلات موزّعة على عشرين سنة، بدأت عام 1992 إلى يومنا هذا. وستكون هناك مفاجآت في الرحلات القادمة من خلال المنفّذين والوسائل وخاصة اهتمام وسائل الإعلام المختلفة.