تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    لم يتم العثور عليه حتى الآن.. أنباء عن سماع دوي انفجار ودخان في موقع حادث مروحية الرئيس الإيراني وتركيا تتدخل    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    بعد قلق وتريث .. اول ردود الحوثيين على حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني ورفاقه    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام الدائم: رحلة اليمن الطويلة للمصالحة الوطنية (1)
نشر في المصدر يوم 07 - 03 - 2013

ينشر «المصدر أونلاين» دراسة أعدها الباحث الدكتور إبراهيم شرقية خبير السياسات الخارجية بمعهد بروكنجز وأستاذ النزاعات الدولية بجامعة جورج تاون في قطر.

وتتناول الدراسة التي نشرت باللغة الإنجليزية مسارات المصالحة الوطنية في اليمن والعوائق التي تعترضها.

والتقى الباحث مجموعة كبيرة من السياسيين والنشطاء والباحثين اليمنيين، واستمع إلى رؤاهم حول المصالحة والفترة الانتقالية والحوار الوطني.

ينشر «المصدر أونلاين» هذه الدراسة البحثية المعمقة على حلقات بالاتفاق مع الباحث، وفقاً للترجمة التي أرسلها الباحث.

نتائج الدراسة:
أسفرت الاتفاقية التي توسط فيها مجلس التعاون الخليجي والتي تم توقيعها في نوفمبر2011 بنجاح عن تنحي الرئيس اليمني على عبد الله صالح ووضع الأسس لحكومة انتقالية جديدة. ومع ذلك، لم تتمكن الصفقة من تقديم حلول للمشاكل الضخمة والمستعصية التي تواجه الوحدة والسلام المستدام في اليمن، فعملية التحقيق في ماضي دولة اليمن لم تتم للبدء بعملية المواجهة، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان المتعددة والتي ظهرت خلال 33 عاماً من دكتاتورية صالح. في الوقت الذي يستمر فيه الحزب الحاكم لليمن سابقاً اللعب بشكل أساسي في سياسات الدولة من دون الانخراط في عملية إصلاح داخلي جاد.

وهكذا تظل تلك المشاكل وما يكمن فيها من مصادر رئيسية أخرى للصراع في اليمن من دون حل. وعلى الرغم مما قدمته المبادرة الخليجية من إطارٍ لتسوية سياسية في اليمن، فإنه يجب القيام بمزيد من العمل عليها من أجل إيجاد آلية انتقالية تحقق الاستقرار الدائم. وإذا ما أراد اليمن تفادى موجة أخرى من العنف والحرب، فينبغي أن تشكل المبادرة الخليجية فرصةً للبدأ بعملية مصالحة وطنية واسعة تعكس المبادئ التالية:

من أجل إيجاد مناخ مناسب للمصالحة الوطنية، يجب أن تقوم العملية على أساس الشراكة المتساوية بين جميع الأطراف السياسية التي تنبذ العنف. في حين لا تحتاج الأطراف للتمتع بتمثيل متساوٍ عددياً في العملية، فإنهم يجب أن يشعروا بالحرية في التعبير عن مواقفهم من دون تهديد أو هيمنة أو تفرد في صنع القرار. يجب ألا يكون هناك حزب واحد يدير ويسيطر على المصالحة.
على الرغم من عدم وجود إجماع يمني على القضية، فإن معالجة الماضي هي المدخل لتحقيق مصالحة وطنية دائمة في اليمن. يجب على اليمن توظيف منظومة كاملة من آليات العدالة الانتقالية (خصوصاً، لجنة تقصي الحقائق) من أجل تقديم تفسيرٍ كامل للجرائم التي تم ارتكابها في ظل حكم صالح، فالتجاوز عن الماضي لكونه مؤلماً أو مثيراً للجدل سيؤدي فقط إلى تعقيد عملية المصالحة ويؤدي إلى عدم الاستقرار في المستقبل.
لا يمكن استبعاد المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم سابقا)ً من المشهد السياسي اليمني، فهذا الحزب له دور يجب أن يلعبه في تحقيق المصالحة الوطنية ومن ثم تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في البلاد. ولكن على الحزب أن يلعب دوراً بناءً في اليمن الجديد، والأهم من كل ذلك فعليه أيضاً أن ينهمك في عملية إصلاح عميق داخل الحزب. العناصر التي يجب على الحزب التفكير بإصلاحها وتغييرها تشمل اسم الحزب، وميثاقه، وبعض الشخصيات القيادية. عملية اصلاح حقيقية وجذرية ستساعد الحزب نفسه على الاستمرارية وتساعد اليمن للوصول الى مصالحة وطنية حقيقية.
تتطلب المصالحة مع جنوب اليمن الاعتراف بالمظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المشروعة لأهل الجنوب. ويجب أن يبدأ الجنوبيون أنفسهم في حوار داخلي حول نوع العلاقة التي يريدون بناءها مع الجزء الشمالي من البلاد، حول ما إذا كانوا يريدون الوحدة، أو نظاماً فيدرالياً، أو الانفصال. يجب على الجنوبيين أن يبذلوا الجهد لفهم تجربتهم السابقة الخاطئة للوحدة مع الشمال كنتاج لسياسات النظام القديم، بدلاً من ربطها بمفهوم الدولة الديمقراطية والمدنية الناشئة حديثاً في اليمن. تجربة الوحدة فشلت مع نظام تفردي وهذا لا يتسق بالضرورة مع نظام تعددي ديمقراطي تطمح اليمن لبناءه ومن هنا يجب النظر للعلاقة المستقبلية مع الشمال من هذا المنظار. فالوحدة أو الفيدرالية التي تبسط العدالة للجميع هي وضع نهائي قابل للتحقيق، وعلى الجنوبيين أن يبذلوا جهوداً جدية لتحقيق هذا الهدف.

تتطلب المصالحة مع جنوب اليمن الاعتراف بالمظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المشروعة لأهل الجنوب
للحوثيين مظالم مشروعة يجب استيعابها. يجب على الدولة، جنباً إلى جنب مع الأحزاب السياسية اليمنية، أن تساعد القيادة العسكرية والتنظيمية للحوثيين على التحول إلى حزب سياسي يمارس حقوقه السياسية الكاملة والمتساوية. كذلك يجب على الحوثيين أن يدركوا أنه لا يمكنهم أن يكونوا حزباً سياسياً بينما يبقون على أسلحتهم وسيطرتهم السيادية على مناطق داخل اليمن.
يمكن لدور موثوق، وشفاف، ومحدد بدقة للمجتمع الدولي - ممثلاً بالأمم المتحدة – أن يكون محورياً في مساعدة اليمن على بلوغ أهداف عملية المصالحة الوطنية. ففي الوقت الذي يجب فيه على المجتمع الدولي أن يوفر الدعم السياسي والمالي، والتقني لعملية المصالحة الوطنية، يجب عليه أيضاً أن يحترم استقلال اليمن. تحويل اليمن إلى جبهة أخرى للصراع بين إيران من جانب والعربي.

المقدمة
في 23 نوفمبر2011، وقع الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح على اتفاقية المبادرة الخليجية والتي وضعت نهايةً لحكمه الذي استمر لعدة عقود. وقد تم توقيع الاتفاقية في احتفالية عقدت بالرياض وحضرها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، حيث قضى الاتفاق بنقل السلطة الرئاسية لنائب صالح، عبد ربه منصور هادي. بيد أن صالح لم يسلم الرئاسة إلا بعد أن تأكد من أن المبادرة الخليجية تقتضي من البرلمان اليمني إلى "إصدار قانون حصانة يضمن الحماية له وكل من عمل معه إبان فترة حكمه "[2]

بينما نجحت المبادرة الخليجية في تسهيل رحيل صالح وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، فإنها أخفقت في توفير حلول للتحديات الهائلة والعسيرة التي تهدد وحدة اليمن وسلامه الدائم، وعلى وجه التحديد، فقد تجاهلت المبادرة الخليجية ماضي البلاد الحافل بالعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان التي حدثت على مدار 33 عاماً من الحكم الديكتاتوري، كما أنها سمحت أيضاً للحزب الحاكم بالاستمرار كلاعب رئيسي في سياسات اليمن دون التطرق إلى أي إصلاحات جادة. وبالنتيجة، أهملت المبادرة الخليجية معالجة الأسباب والظروف الرئيسية الكامنة وراء النزاع اليمني، فكان هدفها تجديد النظام لا تغيره، وهو الأمر الذي قد يحمل بذور عدم الاستقرار في المستقبل.

نجحت المبادرة الخليجية في تسهيل رحيل صالح وتشكيل حكومة انتقالية جديدة لكنها أخفقت في توفير حلول للتحديات الهائلة والعسيرة التي تهدد وحدة اليمن وسلامه الدائم
من المؤكد إن الإزاحة التامة للحزب الحاكم السابق من الحياة العامة في ذاتها تؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار، كما كانت الحالة في العراق بعد "اجتثاث حزب البعث" في 2003، فقرار بول بريمر -الحاكم المدني الأمريكي السابق - باستبعاد أعضاء حزب البعث المرتبط بالرئيس العراقي السابق صدام حسين من الحياة العامة العراقية -بما في ذلك الخدمة العسكرية والمدنية- أسفر عن إفساد تام لعملية إعادة إعمار العراق وهمش قطاعات واسعة من المجتمع وأشعل فتيل الطائفية بشكل مؤثر. وهذا يثير أسئلة أكثر تعقيداً عن كيفية تحقيق التوازن بين استيعاب أعضاء حزب حاكم سابق وإلغائهم من الحياة العامة بشكل كامل.[3] يضاف لذلك، أنه لم تتم معالجة مشاكل شائكة تواجه وحدة اليمن -مثل الحركة الانفصالية الجنوبية والتمرد الحوثي- بشكل مباشر. في الفترات الانتقالية، يمكن لقرارات خاطئة أن تقوض العملية السياسية وتشعل المزيد من نار الفوضى وعدم الاستقرار. ولهذا فإن نجاح المبادرة الخليجية لآلية انتقالية تعبر باليمن من مرحلة الأزمة إلى مرحلة السلام المستدام يتوقف على إِتْباعُها بعملية مصالحة وطنية مرنة وشاملة، تشمل جميع الأطراف المعنية وإيجاد حل ملائم لمظالمهم السابقة والحالية.

في هذا السياق، يمكن تعريف المصالحة الوطنية بأنها عملية تعالج مظالم أطراف النزاع بهدف إعادة تحديد علاقاتهم وصياغة عقد اجتماعي جديد. في هذا الصدد، تتضمن المصالحة الوطنية في اليمن ثلاثة عناصر: حواراً وطنياً، لجنة تقصي حقائق، وعدالة انتقالية.[4]

توقيع اللاعبين السياسيين الرئيسيين في اليمن للمبادرة الخليجية لا يضمن لها النجاح، فالمصالحة الوطنية أمرٌ لا غنى عنه لدعم عملية تطبيق الاتفاق. لقد أدى الثلث فقط من اتفاقيات الحروب الأهلية التي تم التفاوض بشأنها فيما بين 1945 و 1993 إلى سلام مستقر ومستدام.[5] دول مثل البوسنة، وكمبوديا، رواندا، أنجولا، سيراليون، توصلت جميعها لاتفاقات تم التفاوض بشأنها لصراعاتهم الأهلية -وهي الاتفاقات التي اتبعت نهجاً مماثلاً للنهج الذي اتبعته المبادرة الخليجية- ولم يزل جميعها يكافح من أجل تحقيق سلام مستدام. وهكذا، يكون من الضروري، التعامل مع الأسباب المتجذرة لعدم الاستقرار، في عملية مصالحة وطنية جادة لليمن قبل فوات الأوان.

المصالحة الوطنية في اليمن أمرٌ هام لأنه يتيح للأطراف، ليس فقط حل نزاعاتهم القائمة، ولكن أيضاً تحديد علاقاتهم في مجتمع ما بعد الصراع، كما يصوغها جي لويس راسموسين "يجب إقامة عقد اجتماعي بين الجماعات المختلفة داخل المجتمع، المصالحة بين تلك الجماعات هو أمرٌ ضروري للمحافظة على هذا العقد الاجتماعي، وهي ضرورية من أجل سلام مستدام".[6]

تتخذ المبادرة الخليجية "نموذجاً تنازلياً" يبدأ من المستوى الرسمي بالتوقيع على المبادرة باتجاه المواطنين الذين سيعيشون نتائج تطبيق المبادرة. من جانب آخر تركز المصالحة الوطنية على المشاركة المباشرة للأطراف المعنية بينما تحاول معالجة اختلافاتهم. يعرف جون بول ليدراش المصالحة على أنها "عمليات دينامية، متكيفة تسعى للبناء والتعافي"[7] و "عملية تغيير وإعادة تحديد العلاقات".[8] توفر المصالحة الوطنية في السياق اليمني فرصة للتعافي ولإعادة صياغة العلاقات بين الأطراف المختلفة في البلاد. فمنذ تشكيل أحزاب اللقاء المشترك المعارض اتسمت علاقة المعارضة مع حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم السابق) بالعداوة والخصومة. في ضوء هذه العلاقة يمكن للمصالحة الوطنية أن توفر فرصة لإصلاح تلك العلاقة من خلال اعادة تعريفها من جديد.

تقدم هذه الدراسة رؤىً في كيفية التعامل مع التحديات التي تواجه عملية المصالحة الوطنية في اليمن. يقوم البحث بدارسة مواطن الخلل في المبادرة الخليجية وتأثيرها على المصالحة، أهمية التعامل مع الماضي، إعادة تشكيل النظام السابق وحزبه الحاكم، ردود الفعل المحتملة على القضية الجنوبية واللغز الحوثي. سوف تقدم الدراسة النصح بشأن كيفية مساهمة وسطاء المصالحة –بما في ذلك الأطراف السياسية، والمنظمات غير الحكومية، والمرأة، والقبائل- في عملية مصالحة ناجحة. بالإضافة إلى مناقشة مراحل رئيسية في عملية المصالحة، مثل وضع خطة مرحلية من أجل المصالحة، والحوار الوطني، والعدالة الانتقالية، ولجان تقصي الحقائق. وفي الختام، سوف تناقش الدراسة كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد في تهيئة مناخ مواتٍ للمصالحة الوطنية.

اتفاق مجلس التعاون الخليجي: مفاضلة بين السلام والعدالة
أدت الاحتجاجات في 2011 إلى انقسام الجيش اليمني بين الموالين لصالح، بما في ذلك الحرس الجمهوري والأمن المركزي والقوات الجوية،[9] والقوات المناهضة لصالح، والتي ضمت بشكل بارز الفرقة المدرعة الأولى وقائدها اللواء علي محسن الأحمر. وبينما جعل هذا التحول في توازن القوى من الصعب على أيٍ من الطرفين حسم المواجهة العسكرية لصالحه، فقد سبب استقطاباً في الصراع، صار أكثر ترسخاً مع كل جانب. واستمرت حالة الجمود لمدة سنة تقريباً.

خطر المواجهة العسكرية كان سيقود على الأرجح إلى حرب أهلية لا يمكن لأيٍ من الطرفين التنبؤ بنتيجتها وعواقبها. مهدت حالة الجمود هذه الطريق لتسوية توسط فيها مجلس التعاون الخليجي. قدمت الوثيقة الخليجية "خروجاً مشرفاً" للرئيس السابق، بما في ذلك الحصانة القانونية، بينما في الوقت نفسه أزاحته من السلطة. من وجهة نظر أحزاب "اللقاء المشترك" المعارض فإن الصفقة جنبت البلاد الانزلاق إلى أتون عنف شامل مما جعلها حلاً وسطاً يستحق القبول.

في الحقيقة، حققت التسوية ما هو أكثر من تفادي الحرب الأهلية في اليمن، فلقد أسست نظرة مستقبلية لعملية انتقالية بتأمين عملية شاملة تشارك فيها جميع أحزاب المعارضة،[10] ويمثلها رسمياً أحزاب اللقاء المشترك. بينما ظل البرلمان اليمني كما كان، فأثمرت الصفقة عن مجلس وزراء موحد من 35 عضواً مقسمين بالتساوي بين وزراء للمعارضة وللموالاة. بالإضافة لذلك، فقد عززت الصفقة إجماعاً دولياً على الحاجة للتحول الديمقراطي في اليمن، بينما أظهرت الانتفاضة السورية أن انقسام المجتمع الدولي يمكن له أن يسهم بشكل كبير في استمرار عدم الاستقرار والعنف الداخلي، وحتى الحروب بالوكالة بين أجندات دولية متصارعة.

مع ذلك، فقد طرح انتقال السلطة في اليمن أسئلة هامة من دون إجابة وهو ما قد يكون له آثار سلبية على استقرار البلاد مستقبلاً. مفاضلة المبادرة الخليجية بين السلام والعدالة أدت إلى ما يسميه جوهان جالتونجز "السلام السلبي"[11] أو الغياب البسيط للعنف. السلام السلبي يميل للهشاشة. يمكن أن ينهار في أي لحظة خلال تطبيق اتفاق السلام. من أجل تحقيق "السلام الإيجابي" الذي يوفر أساساً لتقدم سياسي واجتماعي لاحق، يجب التعامل مع أسباب عدم الاستقرار وليس فقط عقد صفقة بين الحكومة وممثلي المعارضة.

طلبت المبادرة الخليجية تنحي علي عبد الله صالح عن منصبه كرئيس ولكنها لم تطلب منه اعتزال الحياة السياسية تماماً. وبالنتيجة، كان صالح قادراً على التحول بشكل سلس إلى منصب سياسي جديد كرئيس للمؤتمر الشعبي العام. مع استمرار صالح في شغل منصب سياسي رئيسي، يعتقد الكثيرون من اليمنيين إنه سيعمل على الانقضاض على الثورة[12] -متلاعباً بالمشهد السياسي الداخلي والسعي لتقويض التسوية التي تم إيجازها في المبادرة الخليجية. لقد صعب الدور الذي يلعبه صالح من الحوار الوطني، والذي أدى بالتالي إلى صعوبة عملية المصالحة.

مع استمرار صالح في شغل منصب سياسي رئيسي، يعتقد الكثيرون من اليمنيين إنه سيعمل على الانقضاض على الثورة متلاعباً بالمشهد السياسي لتقويض العملية السياسية
إضافةً لذلك، فقد منحت الصفقة الخليجية الحصانة لعلي عبد الله صالح وحلفائه، ولكنها لم تشمل المعارضة، تاركةً الباب مفتوحاً للنزاعات في المستقبل بين الطرفين. خاصةً أن صالح قد استغل هجوم يونيو 2011 ضده على مسجد القصر الرئاسي[13] كمبرر لمحاكمة عدد من أعضاء المعارضة، متهماً إياهم هم وزعماء قبليين بتدبير الهجوم في سعي منهم لاغتياله.

منح حصانة كاملة لأحد الأطراف بينما يتم السماح له باتخاذ إجراءات قانونية ضد الآخرين جعل من المستحيل تقريباً على الأحزاب في البلاد أن تعمل معاً ويثق كلٌ منها بالآخر.

علاوة على ذلك، قد يفشل البند الخاص بالحصانة في تحقيق الامتثال للقانون الدولي الإنساني. تعتبر منظمة العفو الدولية القانون خرقاً لتعهدات اليمن القانونية الدولية، قائلةً: "يلتزم اليمن بموجب القانون الدولي –بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من صنوف المعاملة أو العقوبات القاسية، أو غير الإنسانية، أو المهينة، والتي يعد اليمن دولةً طرفاً فيها- بالتحقيق مع/أو محاكمة أي شخص يشتبه في ارتكابه لتلك الجرائم حيثما توفرت أدلة كافية ومقبولة".[14] وفي الوقت نفسه انتقدت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي القانون عندما كان في شكل مسودة، قائلةً إنه إذا أصبح قانوناً فسيكون انتهاكاً لتعهدات اليمن الدولية لحقوق الإنسان.[15] ليس من الواضح أي شئ يخول ممثلي المعارضة (أحزاب اللقاء المشترك) الموافقة على إعفاء صالح وحلفائه من الملاحقة القضائية، حيث لا تمثل (أحزاب اللقاء المشترك) بأي حال جميع الضحايا وعائلاتهم. على أية حال، تمثل صفقة الحصانة في المبادرة الخليجية حلاً جزئياً فقط، حيث إنها تحمي الأفراد فقط من الملاحقة القضائية داخل اليمن، ولكنهم يبقون معرضين للمقاضاة عن تهم حقوق الإنسان في البلاد التي تقيم دعاوى "الولاية القضائية العالمية". لتحقيق شئ ما قريب من حل تلك المسائل، تحتاج البلاد لقوانين للعدالة الانتقالية التي تضمن لكل طرف معالجة عادلة ومتساوية داخل اليمن.

وأخيراً، تناولت التسوية السياسية اليمنية قضية العدالة فقط لأولئك الذين تأثروا بشكل مباشر بانتهاكات حقوق الإنسان، فكان التركيز على الضحايا وعائلاتهم بوجه خاص. ومع ذلك، فحتى بالنسبة لتلك المسألة، فقد أبرزت العملية أسئلة عديدة، حيث أشار أحد الناشطين إلى "أن عامة الناس قد عانوا أيضاً بشكل خطير خلال أحد عشر شهراً من الثورة ولعقود تحت حكم صالح".[16] خلال أشهر من احتجاجات الشارع، خضع جميع اليمنيين تقريباً لفقدان الخدمات الأساسية (بما في ذلك المياه والكهرباء) وحرية الحركة وفرص العمل. هذا بالإضافة إلى من تعرضوا للإجهاد الشديد وفي بعض الحالات، للصدمة. بينما وفرت التسوية السياسية العدالة لأولئك الذين تأثروا بشكل مباشر باضطرابات البلاد، فقد فشلت في معالجة معاناة الشعب اليمني خلال تلك الحقبة الزمنية. لتحقيق عملية مصالحة وطنية فعالة يجب عليها أن تعالج تلك المعاناة التي استمرت لسنوات عديدة، بما في ذلك اعتراف الدولة بتلك المآسي وإمكانية الاعتذار عن تجربة الشعب اليمني تحت الحكم السابق. قد يكون للاعتراف والاعتذار تأثير معنوي قوي وقد يكون أداة فعالة في المساعدة على اتجاه البلاد نحو المصالحة.

-----------------------
* الهوامش:
[1] كتبت النسخة الأصلية لهذا البحث باللغة الانجليزية وهذه ترجمة للنسخة الانجليزية.
[2] انظر الملحق رقم 1، "المبادرة الخليجية لليمن".
[3] للمزيد عن التحديات بإعادة دمج نخب النظام القديم، انظر إيلين لوست، “Voting for Change: The Pitfalls and Possibilities of First Elections in Arab Transitions,” "التصويت للتغيير: مخاطر واحتمالات الانتخابات الأولى في التحولات العربية"، مركز بروكينجز الدوحة- مشروع جامعة ستانفورد عن التحولات العربية، مايو 2012، http://www.brookings.edu/research/papers/2012/05/09-arab-democracies-lust.
[4] للمزيد عن المناهج المتبعة لتحقيق المصالحة، انظر يوهان جالتونج، “After Violence, Reconstruction, Reconciliation, and Resolution: Coping with Visible and Invisible Effects of War and Violence,” "ما بعد الانتهاكات، وإعادة البناء، والمصالحة، والقرار: التعامل مع التأثيرات المنظورة وغير المنظورة للحرب والعنف،" في المصالحة، والعدالة، والتعايش، تحرير/ محمد أبو نمر (لانهام، ميريلاند: مكتبة يكسنجتون، 2001)، 3-23.
[5] روي ليكليدر، “The Consequences of Negotiated Settlements in Civil Wars, 1945-1993,” (نتائج الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها في الحروب الأهلية، 1945-1993)، مجلة العلوم السياسية الأميركية 89، رقم 3، 681-690.
[6] جي لويس راسموسين، “Negotiating a Revolution: Toward Integrating Relationship Building and Reconciliation into Official Peace Negotiations,” (تفاوض الثورة: نحو دمج مفهوم بناء العلاقات والمصالحة في عملية مفاوضات سلام رسمية) في المصالحة، والعدالة، والتعايش، تحرير/ محمد أبو نمر (لانهام، مريلاند: مكتبة يكسنجتون، 2001)، 121.
[7] جون بول ليدراش “Civil Society and Reconciliation,” (المجتمع المدني والمصالحة) في السلام المضطرب: تحديات إدارة الصراعات الدولية، الكتاب/ جيستر أ كروكر، فين أوسلر هامبسون وباميلا آل، (واشنطن العاصمة: المعهد الأمريكي للسلام، 2001)، 841-854.
[8] نفس المصدر، 847.
[9] تلك الوحدات كانت تحت إمرة أقرباء صالح: قاد أحمد الابن لصالح الحرس الجمهوري، وقاد يحيى صالح إبن شقيقه الأمن المركزي، وقاد أخوه غير الشقيق محمد صالح الأحمر القوات الجوية.
[10] لم تكن الاحتجاجات الشبابية في ساحة التغيير جزءاً من الاتفاق؛ بل عارضته علناً. بينما لم يكن الشباب حزباً سياسياً مستقلاً، إلا إنهم إلى حدٍ ما كانوا ممثلين من خلال أحزاب سياسية رسمية، بما في ذلك حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي.
[11] جوهان جالتونج، “Theories of Peace: A Synthetic Approach to Peace Thinking,” (نظريات السلام: نهج مركب للتفكير بالسلام)، معهد الدولي لبحوث السلام، أوسلو، 1967، 12.
[12] انظر إبراهيم شرقية، “Yemen Can't Do it Alone,”(لا يمكن لليمن القيام بها وحده)، نيويورك تايمز، 1 يونيو 2012،
http://www.nytimes.com/2012/06/02/opinion/yemen-cant-do-it-alone.html?_r=1.
[13] انفجار في المسجد في 3 يونيو، 2011، أدى لجرح صالح وستة آخرين من المسؤولين الحكوميين وكان صالح قد ألقى باللوم على آل الأحمر شيوخ قبيلة حاشد، والتي قاتلت قواته على مدي أسبوعين سابقين. انظر ف. وورث ولورا كازينوف، “Yemeni President Wounded in Palace Attack,” (جرح الرئيس اليمني في هجوم على القصر الرئاسي"، نيويورك تايمز، 3 يونيو 2011،
http://www.nytimes.com/2011/06/04/world/middleeast/04yemen.html?pagewanted=all.
[14] منظمة العفو الدولية، “Yemen: Immunity Law Deals Blow to Victims of Abuses,” (اليمن: صفقات قوانين الحصانة ضربة لضحايا التعذيب وسوء المعاملة)، 24 يناير، 2012،
http://www.amnesty.org.au/news/comments/27686/.
[15] المرجع نفسه.
[16] مقابلات المؤلف مع سارة أحمد، صنعاء، مايو 2011. تم إجراء جميع المقابلات باللغة العربية وقام المؤلف بترجمتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.