اقرأوا هذه الكلمات بتمعن: «يتعرض تلاميذ وطلبة المدارس في عدن للمنع والإعاقة عن الوصول إلى مدارسهم؛ بل إن المدارس تتعرض للغلق وللعصيان سواء وفقا للإرادة الحرة للطلبة والمدرسين أو بغير هذه الإرادة.. ناهيك عن المظاهر الأخرى مثل الإعلان عن مد وتطويل ساعات العصيان المدني وزيادة أيامه، وهو العصيان الذي لا يربك الحياة في عدن وحسب، بل يؤدي إلى توترات أمنية وإلى تعطيل الحياة الطبيعية لسكان حيث تصاب عدن أحيانا بالشلل التام نتيجة هذا العصيان الذي لا يستطيع أحد الجزم بأنه عصيان اختياري أو غير اختياري..». ما سبق ليس منقولا عن صحيفة تعادي الحراك أو القضية الجنوبية.. فالصحيفة هي «الثوري» والكاتب يكتب من عدن.. والكلام هو ملخص للحالة الإجرامية الذي ينفذها الحراك الانفصالي المسلح في عدن والمحافظات الجنوبية عامة.. المعلومات الواردة من عدن تتحدث عن أن جماعات الانفصال المسلح التي تستقدم بلاطجتها من خارج عدن، وتستعين بمجاميع من البلاطجة المحليين حولوا مناطق عدن إلى مربعات لممارسات المافيا، وفرض الأتاوات على الرافضين إغلاق محلاتهم مقابل السماح لهم بالعمل!
عملية فرض العصيان المدني أو الفوضى الانفصالية يمدها إعلام كاذب بتقارير في غاية الاستهبال.. ففي أحد المواقع الانفصالية صباح أمس الاثنين –يوم الإجازة الرسمية بمناسبة افتتاح مؤتمر الحوار- «هليلة» إعلامية عن نجاح تام لعصيان مدني في إحدى مناطق حضرموت؛ والدليل على ذلك -وفق الموقع- إغلاق الدوائر الحكومية (!) والبريد (!) والبنوك (!).. هذا التلفيق ليس جديدا على الموقع؛ فعندما سقطت طائرة السوخوي في صنعاء كان الموقع يبث الخبر فورا بأن الطيار المنكوب جنوبي.. أي المؤامرة مستمرة لتصفية الطيارين من أبناء المحافظات الجنوبية!
ثبت من يوم مهرجان عدن في 21 فبراير أن الحشود ليست المقياس على صوابية أي موقف.. فالجميع قادرون على الحشد وبمئات الآلاف؛ ولعل هذا يفسر الانزعاج المجنون من حشود المهرجان.. لكن الغوغائية السياسية ومحاولة إعادة إنتاج ماضي العنف في الجنوب سوّلت للبعض أن يظن أن قدرته على جلب المتظاهرين إلى عدن سوف تمنحه صكا شرعيا لإعادة حكمه للبلاد، وهو يعلم أن لا سبيل أمامه إلا تكرار سيناريو 1994 عندما كان يفجر المشاكل الأمنية في سفيان وعمران وذمار لإقناع العالم بأن هناك خطرا من بقاء قوات المتنازعين في مكان واحد.. وأن الأسلم والأحفظ للدماء اليمنية هو الفصل بين القوات، وكل واحد يعود إلى شطره (تبنى المجرم المخلوع حسني مبارك يومها هذا الأمر، وضغط في سبيل تحقيقه ثم بهت المجرم عندما قيل له: لا بأس بالفصل بين الطرفين حفاظا على الدم اليمني؛ بشرط انتقال القوات الجنوبية إلى الشمال، وانتقال القوات الشمالية إلى الجنوب..).
••• لا يختلف دعاة الانفصال المسلح والسلمي عن روح أنظمة القهر التي حكمت الشعوب العربية ومنها الشعب اليمني؛ فهم مستعدون لممارسة كل أساليب الإجرام والقتل، والكذب، وتجريد معارضيهم الجنوبيين من كل شرف وخلق! وعندهم أن الجنوبيين الذين يشاركون في مؤتمر الحوار إما لصوص أو باحثون عن بُقَش ومصاريف أو عقائديون تبع أحزابهم.. المفارقة أن كل هذه الصفات موجودة بكثرة في الحراك الانفصالي؛ فيمكن القول أيضا إن فيهم: لصوص واسألوا بنوك الخليج والمولات التجارية التي يمتلكها تجار السياسة الجنوبيون من رموز الانفصال القديم والجديد.. وفيهم الباحثون عن مصاريف، وفيهم عقائديون خرجوا من بطن الأحزاب والقاعدة والحوثيين، وفهموا أن لا مستقبل لمشاريعهم مع بقاء الوحدة بعد إصلاح نظامها السياسي وأخطائها واختلالاتها التي كان لرموز الانفصال اليوم دور كبير في تكريسها من خلال صفقاتهم السرية مع الرئيس السابق علي صالح!
هذه العينة من تجار السياسة يصرخون اليوم أن أبناء المحافظات الجنوبية المشاركين في الحوار لا يمثلون القضية الجنوبية.. وهي كلمة صدق –قالوها وهم كاذبون- إن كان المقصود بالقضية الجنوبية هو عودتهم للسلطة ليتحكموا في الرقاب والبلاد كما كانوا.. وليس إعادة حقوق الجنوبيين وإنصافهم من كل من ظلمهم ونهبهم، وأذاقهم الويلات والإذلال تحت أي شعار وفي أي مرحلة!
أيها الجنوب والجنوبيون: كم باسمكم ما تزال ترتكب الجرائم والخيانات والقباحات!