الأربعاء الماضي أثار بعض أعضاء مؤتمر الحوار من مواطني المحافظات الجنوبية فوضى في القاعة بدعوى قيام الأمن في عدن بالاعتداء على المتظاهرين السلميين! وتوقفت الجلسة ساعة حتى تمكن بعض الفاهمين للعبة من إقناع الهائجين بالهدوء من خلال إدانة دون تحقيق للاعتداءات المزعومة، ووعد بإحضار وزيري الدفاع والداخلية صباح السبت التالي لتقديم تقرير حول ما حدث! وفي الأخير يتضح أن الأمر كله مجرد كذبة من الأكاذيب وإشاعة تم تسريبها إلى داخل المؤتمر، وتلقفها البعض ليثير عاصفة من الفوضى؛ شارك فيها فيما بعد انفصاليو المؤتمر بالمطالبة بإقالة محافظ عدن (الإصلاحي) والقيادات الأمنية!
قلنا في مرة سابقة؛ إن الانفصاليين يعلمون أن الانفصال والجنوب بدون عدن لا يساوي شيئا.. ولذلك تتركز معظم الأعمال العدوانية للحراك الانفصالي المسلح في عدن، لإثبات أن عدن معهم وترفض الوحدة والحوار.. وأسلوبهم هذه المرة: قطع الشوارع الرئيسية- إطلاق الرصاص- إغلاق المحلات بالقوة- إخافة التلاميذ والعمال ومنعهم من الذهاب إلى مدارسهم وأعمالهم باسم العصيان المدني!
المصيبة أن كل هذه الأعمال تسمى تظاهرات سلمية مشروعة.. وتجد لها مغفلين ومتآمرين في حقيقتهم يبررونها ويدافعون عنها، ويصرخون في وسائل الإعلام (والآن في مؤتمر الحوار) لاتهام محافظ عدن والأمن بأنهم هم المسؤولون عن إثارة الفوضى والقلاقل واستفزاز المتظاهرين السلميين الذين فقط: يغلقون الشوارع، ويمارسون العصيان المدني بالروح بالدم والكفاح المجيد، وفرض الأتاوات، وممارسة أساليب بلاطجة مصر المعروضة في وسائل الإعلام العالمية!
وهكذا تحولت عدن (التي صدع الانفصاليون الرؤوس بأنها مدينة حضارية مسالمة.. إلخ) على أيدي الانفصاليين القادمين من الأرياف الهادئة والقرى التي تنعم بالهدوء إلى مدينة فوضى تتحكم بها عصابات فك الارتباط والحراك المسلح: الدراسة فيها معطلة 3 أيام في الأسبوع: يومان للعصيان المدني (حبني بالغصب) ويوم للطالب الجنوبي.. قطع الشوارع الرئيسية، وإحراق المخلفات وإطارات السيارات، وإطلاق الرصاص أمام المدارس وفي الهواء في عملية سلمية حراكية بحتة.. تهديد المواطنين وفرض العصيان المدني.. وكلها لا تستفز أحدا من فرقة حسب الله وثورة ثورة يا جنوب!
*** في وسط الفوضى في قاعة مؤتمر الحوار، كان د. ياسين نعمان يطالب –دون فائدة- الهائجين بالهدوء حتى يتم التأكد من صحة الأنباء حول اعتداء الأمن على (المتظاهرين السلميين).. لم تنفع كلماته المنطقية حتى مع بعض من يفترض فيهم أنهم رفاقه وتلاميذه.. قيادي اشتراكي بارز آخر كان يحاول إقناع مجموعة من فرقة (حسب الله) أنه تواصل هاتفيا مع تسع شخصيات في عدن، وكلهم أكدوا له عدم وجود شيء من هذه الإشاعات.. وأن مجموعة من الخارجين عن القانون (الاسم المهذب للحراك المسلح الانفصالي) هم الذين قطعوا الطرقات، وأطلقوا الرصاص لإرهاب المواطنين وإجبارهم على تنفيذ العصيان المدني! وهم الذين فجروا قنبلة صوتية على مصفحة للأمن حاولت فتح شارع رئيسي لمرور المواطنين وسيارات البلدية!
*** ستمر جريمة العصيان المدني الإجباري في عدن كما مرت جرائم أخرى ارتكبها الحراك المسلح الانفصالي؛ مدعوما بإعلام خبيث قصير النظر في صنعاء وغيرها، يبرر جرائمه على قاعدة: علينا وعلى أعدائنا يا رب! ومنهم من يقول: طالما رحل صالح عن السلطة فلترحل بعده الوحدة وكل شيء وليفشل الحوار بدونه!
لاحظوا كيف يطالبون في مؤتمر الحوار بإقالة محافظ عدن الإصلاحي (مع أنه عدني قح) ولا أحد منهم يطالب بتغيير محافظ حضرموت (رغم أنه مؤتمري قح) ولا القيادات الأمنية رغم كل الفوضى، والجرائم، والاعتداءات التي تحدت في حضرموت!
اللعبة نفسها تتم في صعدة وحجة.. لا أحد يستجيب لمطالب المتضررين من السلطتين المحليتين في المحافظتين التي خرجت واحدة منها أو تكاد عن سيطرة الدولة.. والأخرى تعيش فوضى مؤتمرية تدار من حدة بأمانة العاصمة جوار مركز الكميم!
*** آخر تفاصيل جريمة تدمير عدن التي ينفذها الحراك المسلح الانفصالي.. يمكن ملاحظتها في المعتدين على منزل واعد باذيب (وزير النقل).. فالمجموعة هي نفسها التي تعودت إطلاق الرصاص على مقرات الإصلاح وخاصة مقر قطاع الطلاب في خور مكسر (ضباط وموظفون في مجلس الوزراء بعدن).. كلهم من محافظات جنوبية مشهورة بتصدير العصيان المدني والخراب والدمار إلى عدن.. مع إبقاء مناطقهم هادئة: ليلا ونهارا!
هؤلاء المجرمون تعودوا ممارسة جرائمهم من فترة لكن اللوبيات الانفصالية في المحافظة المنكوبة بالعصيان المدني الإجباري لم تهتم بملاحقتهم وتركتهم أحرارا حتى وقعوا في جريمة الاعتداء على باذيب، وانكشفت هويتهم الحراكية الانفصالية المسلحة!
أتوقع أن يبادر المغفلون في القضية الجنوبية لتبرئة الحراك الانفصالي، وربما التغطية على العصابة.. وربما اتهامها بأنها ذات أصول شمالية.. وسنسمع من يهون من شأنها إن اضطر للحديث عنها.. وأقصى ما يمكن أن يصل إله الأمر: إدانة العنف من كل الأطراف وفي كل مكان.. حتى دور السينما التي تعرض أفلام هندية!
كل الذين أدانوا مهرجان عدن في 21 فبراير، وكانوا منظرين في النسيج الاجتماعي، وسيكولوجية عدم استفزاز الآخرين (ربما لأنهم مستفزون بطبيعتهم!) مطالبون اليوم بإدانة ممارسات الحراك الانفصالي المسلح (يطلقون الرصاص ويرمون قنابل وقالك: ليش توصفوهم بالحراك المسلح؟ عجائز حافة القطيع لو واحدة منهن رمت حجرة على صعلوك انفصالي يتغزل بها لاعتبرت ممارسة للعنف ومهددة للنسيج الاجتماعي!).
أما ما حدث في مؤتمر الحوار فهو رسالة أولا للرئيس هادي بأن هناك طابور خامس في المؤتمر مستعد لأن يهتف للثورة في الجنوب حتى وأفراده يتسابقون لوقوف في طابور استلام المستحقات المالية، وهم سيكونون غالبا الاحتياط النشط للقوى التي تعمل على إفشال الحوار كلما بدت دلائل إيجابية على إمكانية الوصول إلى اتفاق تاريخي يخلص اليمنيين من سلسلة المظالم والاضطهاد التي عانوا منها منذ خمسين عاما!
اسمحوا لي أن ستنتج من فوضى الأربعاء أن هناك من يريد تكرار إجراء الحوار تحت حد السيف والتهديدات.. إما وقبلت شروطنا وآراؤنا.. أو ففرقة حسب الله الانفصالية جاهزة بالهتافات وإثارة الفوضى، والتهديد بالانسحاب، والانسحاب تحت أي دعوى أو مشكلة ولو كانت من طراز ضرورة توفير وجبات طعام تراعي التقاليد المناطقية!
خلاصة الكلام: إني أتهم كل من يرفض إدانة جرائم الحراكيين ضد المواطنين وضد فرضهم للعصيان المسلح بالقوة؛ ومهما تكن مبرراته؛ بأنه يسهم بوعي أو بدون وعي بزج البلاد في فتنة دموية لن يكون هو نفسه بمنجى منها!