يبدو أن مؤتمر الحوار مثل الكتكوت الفصيح يطلع من البيضة يصيح.. ومن الجلسة الأولى بدت لنا مؤشرات إيجابية وصحية على أن مسار الحوار هو المسار الصحيح، ويبقى أن يجنب الله الحوار مؤامرات الصغار! مظاهر عدة نجدها إيجابية عززت روح التفاؤل على غريمه التشاؤم.. وأول هذه المبشرات إعلان – أو بالأصح: اعتراف- عدد من الكيانات السياسية اليمنية أن الخطأ الأساسي الذي عانت منه البلاد بدأ مع إعلان الوحدة وتأسيسها على جرف هار من التقاسم والتلاعب والتآمر بين الشريكين الحاكمين آنذاك.. ويعلم الله أن هذا هو مربط كل المشاكل التي عانى منها اليمنيون، وضاعت بسببه فرصة تاريخية كان يمكن بها على الأقل وضع الأساس السليم.
هذا الاعتراف جاء متأخرا بالطبع؛ بعد أن انجرفت نخب سياسية وإعلامية مهمة في الترويج لأكذوبة أن أس المشاكل هي الحرب الأهلية التي قضت بزعمهم على الوحدة الديمقراطية (تخيلوا هذا العبث: اليمن كان يعيش ديمقراطية بقيادة صالح والبيض؟) والوحدة السلمية (رغم أن حزبين كان كل منهما لديه جيش وأمن ومخابرات ويملك كل مقومات الدولة ملكية خاصة!).. ومنحوا بذلك الترويج لمجموعات الحراك الانفصالي حجة للتمادي في خطهم اللا وطني، وعززوا مقولاتهم التي استندت في غير الحقوق إلى مجموعة كبيرة من المبالغات والأكاذيب وقلب الحقائق استغلالا لكراهية الشعب للنظام السابق أو لنسيان الناس لمآسي الماضي بفعل حضور مآسي الحاضر!
مظهر البركة الثاني لمؤتمر الحوار يمكن ملاحظته في موقف العضو الحوثي الذي صاح وصرخ منددا بالخروج على ضوابط الحوار، ووجود السفير الأمريكي الملطخة يداه بدماء اليمنيين.. وتخيلوا الآن شخصا في صعدة يصرخ من فوق الجبى منددا بأنصار الله الذين خرقوا ضوابط أكثر أهمية من ضوابط الحوار، وتحولوا إلى قوات احتلال ( وفق القاموس الحراكي) يفرضون إرادتهم على سكان صعدة ومناطق أخرى، ويمارسون مهام الدولة وقي مقدمتها: فرض الواجبات والرسوم والغرامات.. وتخيلوا صعداوي يقول لأنصار الله الذين جاءوا ليتحصلوا منه رسوم عيد الغدير أو عاشوراء: شلوكم الجن.. البلاد مش حق عبد الملك ولا حق...!
أما حكاية السفير الأمريكي ويداه الملطختان بالدماء فهي حكاية حق أريد بها باطلا.. وهناك كثيرو في صعدة وعمران وحجة والجوف وحتى تعز يؤمنون أيضا أن الحوثيين ملطخة أيديهم وأرجلهم بدماء اليمنيين الأبرياء (تذكروا شهادة القيادي الناصري في حجة حول جرائمهم ضد المواطنين، والتي نشرناها هنا في وقت سابق).. وهكذا لو ارتفعت أصوات الاحتجاجات على وجود أيادٍ ملطخة بدماء اليمنيين.. فسيتحول المؤتمر إلى مهرجان لفحص الأيدي الملطخة وتلك الألسن والأقلام التي أسهمت في إخفاء جرائم دموية ضد اليمنيين!
الأعضاء الذين رفعوا علم دولة الحزب الاشتراكي اليمني في قاعة المؤتمر أكدوا بالفعل أننا نسير في الاتجاه الصحيح، فلم يحدث لهم مكروه، ولم يقفز شماليون فوقهم لإحراقهم أو ضربهم أو قتلهم كما يفعل الحراكيون الانفصاليون ضد مخالفيهم الجنوبيين في المحافظات الجنوبية أو ضد إخوانهم من أبناء المحافظات الشمالية من الكادحين والبائعين المتجولين.. ومرت الحادثة بسلام ليس لأن القوم حضاريون ولكن لأن الأغلبية حمتهم، ومنحتهم فرصة في عرين الأسد ليعلنوا رأيهم!
••• في قاعة المؤتمر وقف أحدهم (الحق أنني لم أستمع لكل الكلمات) ليصف حرب 1994 بأنها ظالمة؛ رغم أنه لولا هذه الحرب لما صار سفيرا يشار إليه بممثل الجمهورية اليمنية؛ ولكان سئل في كل بلد يسافر إليه: الأستاذ: يمني أو جنوب عربي؟ وكذلك كان سيضطر؛ لولا الحرب التي أفشلت مؤامرة الانفصال وحفظت وطنه موحدا؛ أن يتعب نفسه في إجراءات تغيير اسم حزبه، وحذف كلمتين منه هما: الوحدوي اليمني.. ثم البحث عن اسم آخر لا يغضب اليمن ولا الجنوب العربي!
أما العضو الذي طالب باستقلال الجنوب الذي استعمره النظام السابق فقد جاء عجبا.. فكيف يكون الاستعمار "سابقا" وهو يطالب بالاستقلال عنه؟ طالما صار الاستعمار سابقا فما الداعي للمطالبة بالاستقلال عنه؟ ثم لماذا كل هذه الحدة من الاستعمار.. ألم يجعلكم الذين جاءوا بعد الاستعمار البريطاني تحنون لأيام الاستعمار البغيض؟ فما الذي يمنع أن يجعلكم الانفصاليون الجدد؛ الذين يبدون متوحشين وعادهم في الجبال؛ تحنون لأيام الاستعمار الشمالي البغيض.. وترددون: سلام الله على الدحابشة؟
تخيلوا ماذا كان سيحدث في صعدة والجنوب لو مارس البعض شيئا من حريته ضد الانفصاليين الجدد.. ثم قولوا: - بركاتك يا مؤتمر الحوار!