رغم الفوضى التي أفصح عنها أكثر من مرّة، وعمل، وطالب بضبطها، رئيس الجلسة العامة لمؤتمر الحوار الوطني، أمس الأربعاء، الدكتور ياسين سعيد نعمان، إلا أن الجلسة بدت أكثر انضباطاً والتزاماً، ما شد ذاكرة حضورها ومتابعيها لاسترجاع أول برلمان يمني بعد الوحدة ترأسه نعمان، وكان الأكثر جدارة والتزاماً خلال مسيرة المجلس المتسمة بالأداء «الهزيل». يستحضر اليمنيون الدكتور ياسين كأول رئيس للبرلمان اليمني بعد الوحدة؛ بقدر كبير من الرضا والثناء على أسلوبه في إدارة الجلسات، يستحضرون قلماً في يده يضرب برأسه مراراً على منصة الرئاسة، بصوت مسموع، مخاطباً أحد الأعضاء المتجاوزين لوقتهم «لو سمحت.. لو سمحت انتهى الوقت»، ليعود نعمان ذاته، بعد أكثر من عشرين عاماً بذات الشخصية، ومزيداً من الشعبية وكاريزما الإدارة، ليدير جلسات عامة لمؤتمر حوار، يزيد عدد أعضائه بأقل من الضعف عن البرلمان الذي كان يديره سابقاً، لكأنها بضعة أيام تفصل المشهدين، لا عقدين.
لأكثر من مرّة كان رئيس الجلسة، ياسين سعيد نعمان، يطالب الصف الأول بالهدوء والالتزام، أكثر من غيره، ويطالب لجنة الانضباط بالقيام بعملها، ويلوّح بمغادرة القاعة احتجاجاً على عدم التزام الأعضاء بتوجيهات رئاسة الجلسة.
مزاوجة بين اللين والشدة اتسمت إدارة الدكتور ياسين للجلسة بالمزاوجة بين اللين والشدّة.. كان يبدي مرونة مع متحدِّثين عن مُعاناة مناطق أو فئات اجتماعية تشعر بالضيم انتهت كلمات الأحزاب والمكوّنات، وفتحت رئاسة الجلسة المجال للراغبين في الحديث من الأعضاء المسجلين في سكرتارية المؤتمر، واقتضت الترتيبات أن تكون دقيقتان فقط هي الزمن المتاح للعضو للحديث الفردي.
اتسمت إدارة الدكتور ياسين لجلسة أمس بالمزاوجة بين اللين والشدّة.. كان يبدي قدراً كبيراً من المرونة مع المتحدِّثين، الذين يتحدثون عن مُعاناة مناطق أو فئات اجتماعية تشعر بالضيم، رغم كونه مشتركاً طاغياً لدى جميع المناطق والفئات.
كذلك فعل مع متحدثة تهامية اشترطت وقتاً كافياً لإنهاء مداخلتها، تقديراً لمعاناة أبناء تهامة البسطاء، فتساهل معها في قراءة مداخلتها، كذلك فعل مع الدكتور أحمد قاسم عتيق، الذي تحدث عن مُعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة، باعتباره أحدهم، وما يتعرضون له من تهميش وهضم حقوق، فأتاح له المداخلة بفائض وقت لم يتح لغيره، وكذلك تجاوز لصالح الصحفي فهد كفاين، الذي تحدث عن جزيرة سقطرة ومُعاناة أهلها، وحضورها كهامش حتى إنها حضرت كنقطة مضافة، بعد أن كانت منسية في شعار مؤتمر الحوار الوطني.
في المقابل، كان شديداً مع الشخصيات المعروفة، من مسؤولين وبرلمانيين، ووجهاء، يظن بعضهم أن بإمكانهم اقتطاع وقتٍ إضافي مضاعف، بوجاهتهم، فكان حازماً معهم ويطلب منهم إحالة ملاحظاتهم إلى السكرتارية.
همّ بالمغادرة احتجاجاً على عدم التزام فائقة السيد بالوقت، ووصفت نفسها بصندوق أسود لطائرة شراعية التلويح بالمغادرة.. مقابل عدم الالتزام وأبرز مواقفه المسجلة، أمس، كانت مع عضو المؤتمر، ومستشار الرئيس لشؤون المرأة فائقة السيد، إذ تحدثت عن عدن وخصوصياتها وما تمثله في وجدان الجنوبيين واليمنيين، انتهى وقتها فأخطرها رئيس الجلسة بذلك، لكنها ردت عليه بالقول «لحظة ياخي القلب مليان شجن خليني أتكلم.. أنا صندوق أسود حق طائرة شراعية.. أعرف القيادات كلها من عندك، منزل، منزل، لعند سالمين وعلي ناصر وكلهم.. خليني أتكلم».
أتاح لها وقتاً إضافياً، لكنه عندما أحس بطوله أخطرها مراراً بذلك، «فائقة انتهى الوقت.. فائقة انتهى الوقت»، كررها عدة مرات دون أن تأبه، ما زاد بانفعاله، وقام من مقعده، في منصة الرئاسة، ملوحاً بالمغادرة، وفصل عنها المايكروفون.
إجراءات لجنة الانضباط.. هاجس الأعضاء طالب البركاني بالسكوت وإلا سيحيله للجنة الانضباط كانت أكثر مواقفه حزماً مع عضو المؤتمر سلطان البركاني الذي يبدو أنه كان معنياً بدرجة أساسية بفوضى الصف الأول، ليخاطبه ملوحاً بإحالته إلى لجنة المعايير والانضباط «اسكت يا سلطان وإلا سأحيلك إلى لجنة الانضباط».
ودعا نعمان لجنة الانضباط بالقيام بمهامها.. وقال مخاطبها «القاعة تحولت إلى فوضى».
فائقة انشغلت بمسلسل عن تغطية الجلسة ولم تخل إدارة نعمان للجلسة التي اتسمت بالجدّية أكثر من سابقتها، التي أدارها الدكتور عبدالكريم الإرياني، من روح الدعابة، حيث قام عضو من قائمة الحراك، ليشكو تغطية ممثلي الحراك في اليوم السابق، ويبدو أن فائقة السيد وافقت رأيه بعد أن أوضح ياسين أنه شاهد التغطية في قناة «سبأ»، وأنها نقلت الكلمة كاملة، فرد ياسين بالقول إن فائقة السيد لم تتابع التغطية، ويبدو أنها كانت منشغلة بمتابعة مسلسل تلفزيوني في قناة أخرى.
«أنا الغلطان لأني رجعتك»! وفي موقف آخر، كان الحديث متاحاً لعلي سعيد الضالعي، فاسترسل فيه، مزكياً مقترحاً سابقاً لعلي سيف حسن بشأن أعضاء قياديين ناصريين صفاهم نظام الجبهة القومية عام 1972 في جنوب اليمن.. تجاوز الضالعي الوقت المحدد بدقيقتين ما دفع ياسين إلى مناداته مراراً، فيما استمر هو في الحديث، فطلب ياسين من لجنة الانضباط التعامل معه قبل أن يقول له ما معناه «أنا الغلطان لأنِّي رجعتك تتكلم، وقد كنت بتخرج من القاعة».
شعور ضار أحد الأعضاء أبلغ بسقوط اسمه، فرد عليه «ايش عرفك؟.. انتبه هذا الشعور بيضرك» كذلك تحدث أحد أعضاء المؤتمر عن إسقاط اسمه من قائمة المتحدثين، فرد عليه الدكتور ياسين قائلاً «أيش عرّفك إن اسمك سقط.. انتبه تشعر بأنهم سقطوك؛ لأن هذا الشعور بيضرك».
وفي نهاية الجلسة الصباحية، أشعر الدكتور ياسين أعضاء المؤتمر بوجود سيارة جيب في فناء فندق موفمبيك، وذكر مواصفاتها، وأنها تسرّب بنزين، وعلى مالكها أن يذهب لتفقدها، فرد أحد الأعضاء بتساؤل معين؛ فرد عليه قائلاً «احنا قلنا سيارة تنزل بترول، وأنت تدور لك خبر».
الحنين لبرلمان دولة الوحدة كانت إدارة ياسين للجلسة، أمس، هي الحدث الأبرز الذي شد انتباه اليمنيين من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني أو المتابعين له، وأعاد ذاكرتهم إلى الأيام الأولى للوحدة، وهي الأيام التي ترسّخت فيه صورة أمين عام الاشتراكي حالياً، وعضو المكتب السياسي حينها، في أذهان اليمنيين، كرجل دولة، ملتزم ومثقف، يجيد فن الحوار والإدارة، لا تؤثّر مرونته على حزمه، وأدائه المتميّز في إدارة من هم تحته.
هو البرلمان الذي تحوّل بعده القلم إلى مطرقة، والمرونة إلى مقاطعة حاسمة، دون إبداء قدر من الود غالباً مع جلسات كادت أن تتحول إلى عراك، سواء بين رئيس الجلسة وأحد الأعضاء، كما حصل قبل بضع سنوات حينما همّ الراعي بمهاجمة النائب صخر الوجيه، أو بين الأعضاء ذواتهم، أو مع الوزراء، كما حصل مؤخراً بين سلطان البركاني والوزير محمد السعدي، برلمان «هزيل» لا يحضر في ذاكرة اليمنيين إلا يوم كان نعمان يعتلي منصته في السنوات الأولى لتحقيق الوحدة.