شباب يافعون، وآخرون لم تتجاوز أعمارهم بعد ال 16 عاما.. تراهم وبشكل يومي حين تسوقك الأقدار لزيارة مديرية حرض شمال اليمن، يتدافعون نحو حاجز الموت، نحو المصير المجهول. إنهم يدركون جيداً مآلات هذا النوع من المغامرة، وما يترتب عليه في بعض الحالات من نهاية حياة أو موت مجاني برصاصات حرس الحدود الواقفين على أسوار مملكتهم العتيدة، في واجب مقدّس لحماية حدود من «متسللين غير شرعيين» أو «مهربين»، كما يسمونهم. لكن الفاقة والحاجة والبطالة تبرز كدوافع تقود هؤلاء الشباب إلى تغاضي مآلات المغامرة والخوض في مهمة «عتالين»، يحملون على ظهورهم ما استطاعوا من «القات» والتسلل به ليلاً إلى حيث ينتظرهم العميل، ليظفر في النهاية من ينجو منهم ب150 ريالا سعوديا، وفي أحسن الأحوال 200 ريال.
ليست تهامة وحدها من تقذف بأبنائها إلى مهمة خطرة كهذه على شريط الحدود السعودية، لقد صارت جهة ممكنة للعشرات بل المئات من الشباب العاطلين عن العمل وصغار السن أيضا بدوافع معيشية أُسرية ضائقة، الذين يتقاطرون من مختلف محافظات البلاد.
وبحسب شهادات من التقاهم «المصدر أونلاين»، فإن الأعداد في تزايد مستمر، رغم كثير من الشواهد المخيفة التي تؤكد خضوع هؤلاء لظروف معاملات لا إنسانية في حال القبض عليهم، ناهيك عن تعرّض البعض إلى القتل بالرصاص الحي على أيدي جنود حرس الحدود السعوديين.
لا تتوافر لدى الحكومة اليمنية حتى الآن إحصائية بأعداد الضحايا من القتلى والمصابين على الشريط الحدودي السعودي كان من الصعوبة أن نجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا، فهنا لا تُوجد منظمة أو هيئة مختصة تتبنّى القيام بذلك، كما أن الحكومة اليمنية هي الأخرى لا تتوفر لديها إحصائية بعدد من قتل من مواطنيها على الشريط الحدودي!
غير أن ذلك جعلني أجهد في محاولة الإلمام بما أمكن من أسماء وعدد الضحايا، واستطعت من خلال زيارة عددٍ من المناطق وخاصة المجاورة للحدود التابعة لمديرية حرض وبعض مديريات اشتهر شبابها بامتهان مهنة تهريب «القات» كمديرية ميدي وحيران وعبس وما جاورها، أن أقف على حقائق وأرقام مذهلة، فبعض تلك المناطق لا يُوجد بها بيت إلا وفقد أحد أبناءه وبعض الأسر فقدت الاثنين والثلاثة.
حكايات مؤلمة «محمد رازم» هو أحد الذين عايشوا معاناة زملائهم على الحدود السعودية اليمنية، يروي ل«المصدر أونلاين» بعضاً مما علق في ذاكرته فيقول: «شخصيا عملت ولا أزال في تهريب القات، وقد حضرت على جثة زميل لي قتله أحد حرس الحدود السعودي على الحدود اليمنية – السعودية، وقد تم تركه 3 أيام في العراء».
ويضيف: «في منطقة الخوبة السعودية، والتي تقع على الحدود مع اليمن، وجدنا أكثر من جثة متروكة في العراء، وغالبية الجثث تترك تنزف نزيفاً حاداً حتى تموت، دون أن يستطيع أحد التدخل لإنقاذها».
محمد رازم: في منطقة «الخوبة» وجدنا أكثر من جثة متروكة في العراء وغالبية الجثث تنزف حتى تموت ويؤكد رازم أن البعض من الجنود السعوديين يقومون «بتجريد المهرب من الملابس، وتركه في الشمس لساعات طويلة، وفي بعض مراكز التوقيف يقومون بردم الأشخاص وإلقاء بعضهم فوق بعض كزريبة حيوانات». حسب تعبيره.
ومن صور التعذيب - كما يرويها رازم - «الضرب المبرح وإجبار البعض من السجناء على التبول في قوارير، ومن ثم إراقته على البلاط الذين ينامون عليه، حيث لا تُوجد أسرّة أو فُرش ولا حتى ملايات أو غطاءات، ولك أن تتصور حالة أولئك والبول يجري من تحتهم برائحته المُقرفة». هكذا يتحدث رازم، ويتابع: «البعض يتفنن في تعذيب وإهانة اليمنيين من خلال إجبار من يتم إلقاء القبض عليهم على خلع ملابسهم عدا ما يستر العورة، والقيام بضربهم بكابلات الكهرباء، وكثير منهم يصابون بحالات إغماء، بل وهذيان في بعضها الآخر، ولا يستطيع من يكون بجوار المغمي عليه أن ينقذه؛ لأنه سيلقى ذات المصير بل وأسوأ منه؛ كونه تجاوز حدوده بمحاولة إنقاذ أو فدية من بجواره».
في حين يؤكد علي حسن من جهته أنه تعرّض للضرب على ظهره بكابل الكهرباء، واستمر لشهر كامل لا يستطيع النوم على ظهره من الآلام التي أصابته جراء ذلك التعذيب، يذكر محمد زيلعي «أن البعض ممن يقوم بتهريب الطمش، أو ما تعارف على تسميته بالألعاب النارية، حين يلقى القبض عليه، وعلى ظهره كيس أو كرتون الطمش، يقوم الجندي السعودي بإطلاق رصاصة من النوع الحارق على ذلك الكرتون، فتحرق تلك أكمية على ظهر المهرب فيحرق بسبب ذلك ظهره وبعض الأجزاء من جسده، وأن كثيراً منهم يقوم برمي نفسه على التراب ليطفئ نشوب ذلك الحريق في جسده».
علي حسن: تعرضت للضرب على ظهري بكابل الكهرباء ولم استطع النوم لشهر كامل جراء الألم ويروي صالح حسين (عامل) أصناف التعذيب في السجون ومراكز التوقيف وخاصة مركز «المهدف»، الكائن بمنطقة الراحة، يقول: «إن من بين الأساليب التي يقوم بها بعض من الحرس السعودي قيام الجندي بطرح المهرب أرضاً، ويطرح تحته «زرب» من الأشواك، ثم يؤمر بطرح كيس دقيق على بطنه، ويقوم بعدها بطرح أقدامه فوق ذلك الكيس، حتى يكاد المهرب المعذّب أن يفارق الحياة، ثم يعتقه، وقد أصيب بجروح من ذلك الشوك، وبعض مِن منْ كان ذلك جزاءه أصيب بانكسار في الحجاب الحاجز والبعض منهم فارق الحياة جراء تلك الإصابة».
وكأحد المصابين في هذه المهنة يتحدث أحمد حمد طمش عن مأساته: «كنت أعمل بين الحين والآخر في تهريب الدقيق على الحوامل (الحمير)، وقبل ست سنوات من الآن، وفي ليلة فارقة في حياتي ذهبت كعادتي لتهريب الدقيق وأثناء عودتي أنا وراحلتي طاردني طقم من حرس الحدود السعودي، وقد كانت ليلة مُظلمة شديدة السواد، وأثناء ما كُنت أحاول الهرب ومعي إلى جواري الحمار، سقطت في حفرة عُمقها 8 أمتار، حيث كنت التفت إلى الخلف فزعاً من مطاردة الجنود، وبعد سقوطي استمريت في الأنين داخل الحفرة لما يقرب ال 3 ساعات، والجندي ينظر إلى، ويتهمني بالتمثيل والنّصب عليه، ثم بعد مرور ال3 ساعات قام بإخراجي ورميي بطريقة وحشية وعنيفة على قلاب (شاحنة) كان عليه كمية من أكياس الدقيق وغيرها من الأدوات مما زاد من آلامي».
محمد زيلعي: البعض ممن يقوم بتهريب «الطمش» يتعرضون لحرق أجسادهم ويضيف طمش بعد أن إفادته أنه يعول 6 أولاد ويحفظ القرآن كاملاً، وقد تخرج على يديه ما يزيد عن 22 حافظاً، في قرية السادة التابعة لمديرية خيران المجاورة لحرض: «الطبيب الجراح الذي عالجني أكد لي أن الإصابة على الأرجح لم تكن من السقوط في الحفرة من رميي بتلك الطريقة على القلاب، وقد أصبت بانكسار عمودي الفقري، الفقرة الخامسة منه، وأدى ذلك إلى شلل كامل أقعدني عن الحركة، ومكثت بعدها 4 سنوات طريح الفراش، لا أقوى على المشي مطلقا، ومنذ سنتين وبعد فترة علاجية مضنية بدأت وبشكل بطيء، التحرك على عكازتين، ولا تزال أطراف أقدامي مصابة بشلل، ولا أقوى على تحريكها، وقد عملت أكثر من عملية، ولم تفلح، وقد نصحني الأطباء بالعلاج في الخارج، إلا أن ظروفي المادية لا تسمح لي بذلك. وها أنا أمارس العلاج الطبيعي لعلّ وعسى يرزقني المولى بالشفاء من لدنه».
مصابون آخرون استطعنا التعرف عليهم وهم: - احمد أحمد ربيع أصيب برصاصة في أسفل رأسه عام 2007، وقد أجريت له عملية في صنعاء ولم يستطع الأطباء إخراج الرصاصة؛ لأن إخراجها قد يسبب في وفاته مباشرة، ومنذ ذلك الحين لا يزال معاقاً إعاقة كُلية وله من الأولاد 4؛ ثلاثة ذكور وبنت.
- محمد يوسف هتان أصيب برصاصة في يده مما أضطر الأطباء إلى بترها عام 2001.
- أحمد علي حسين أصيب اثنان من أبنائه أحدهم بُترت يده والآخر بكسور جعلته طريح الفراش إلى الآن.
الموت على شريط الحدود أبشع من الروايات السابقة هي روايات القتل الذي يتعرّض له البعض من هؤلاء الشباب على الشريط الحدودي، فالبعض منهم يحمل المؤهلات الجامعية، لكنه لم يحظ بدرجة وظيفية، فاضطر للعمل مهرباً، والبعض الآخر لا يزال فتياً، كان يدرس قبل أن يموت في الإعدادية، وآخر منهم لم يكمل الثانوية بعد، وكثير منهم وهم الغالبية أميون لم يتعلموا ولم ينتظموا في المدارس مطلقاً.
أحمد طمش: أمسكوا بي داخل حفرة طيلة 3 ساعات ثم رموا بي على قلاب بطريقة ضاعفت من كسر عمودي الفقري وعلاوة على المُعاناة، التي يلاقيها أولياء أمور الضحايا في الداخل السعودي، أقساها دفن المقتول في السعودية، إذ لا يُسمح بخروج المقتول إلى اليمن إلا في النادر، وعبر وساطات ومعاملات مُضنية. فإن كثيراً ممن قتلوا يتم طرحهم في ثلاجة الموتى، يقومون بترقيمهم وبتقييد أسمائهم «مجهول»، وبدفن بعد فترة، وهذا أمر أرهق كثيرا من الأسر المكلومة التي غاب عنها عائلها ولم يعد، فهي لم تتأكد يقيناً ما إذا قد مات أو فقد أو سجن، فمصيره لديها مجهول كصفته لدى من قتلوه وقيدوا اسمه «مجهولا».
حين سألت عن أعداد القتلى، أفاد عددٌ ممن سألتهم بأنهم كثيرون، وأن العدد لا يُمكن حصره؛ كونه يتزايد بشكل يومي، وكثير منهم لا يعلم بمقتلهم إلا بعد حين، وقد اشتدت ضراوة المطاردة وزيادة أعداد الضحايا وبشكل خاص بعد نشوب الحرب الأولى في صعدة المجاورة للسعودية عام 2004، فقد أصبح الوضع أكثر خُطورة والضحايا أكثر بكثير من ذي قبل.
غير أن أسماء الضحايا التي استطاع «المصدر أونلاين» الحصول عليها مع بعض الصور ما هي إلا نزر يسير من الفاتورة الحقيقية للأعداد المهولة التي حصدتها رصاصات حرس الحدود السعودي على مدار السنوات الماضية.
احمد ربيع.. أصيب برصاصة في أسفل رأسه عام 2007 ولم يستطع الأطباء إخراجها حصاد القتلى -محمد حمًد مدربش (20عاما) قُتل مع الاسم السابق في نفس اللحظة، وأخفي أمره إلى قبل أسبوع من الآن، حيث اكتشف أنه في إحدى ثلاجة مستشفى الخوبة السعودية، محمد أعرفه جيداً، حيث كان يزور ساحة الحرية بحورة حجة بين الفينة والأخرى، وكان طموحاً ومتفائلاً بنجاح ثورته، وتحسّن أوضاع بلده، وقد امتحن قبل مقتله بأيام الاختبارات النصفية في الصف الأول الثانوي، وهو في ريعان شبابه دون أن يتمم دراسته، ولم ير تحقيق أهداف ثورة الشباب التي كان أحد طلائعها، توفي وترك زوجة عمرها 19 عاماً ليكتب لها أن تكون أرملة رغم صغر سنها ومُعيلة أطفالها (غصون 6 سنوات - ميمونة 3 سنوات - مهنّد عام ونصف)، وقد زار «المصدر أونلاين» هذه الأسرة المكلومة في منزلها، ليقابل والده ووالدته اللذين لا يملكان سواه، ولم ينجبا غيره.
- ماجد صالح (26عاماً) يملك مؤهل بكالوريوس انجليزي، وتخرج عام 2009 من كلية التربية في عبس، وكان رياضيا ولاعبا موهوبا في نادي العربي بحيران، وشارك في الدوري الرياضي لأبطال المحافظة عام 2010، وكونه لم يحظ بوظيفة اضطر للعمل مهرباً، لكنه قُتل على أيدي جنود حرس الحدود السعودي نهاية عام 2011.
- الطفل عمر شريف زيلع (13عاما) آخر الضحايا، قتل قبل أيام برصاصة طائشة أثناء محاولته التسلل للأراضي السعودية، وقد قام الفريق الطبي السعودي بنقله لثلاجة مستشفى جازان.
- حسن جمعان (28عاما) من أشهر لاعبي محافظة حجة عمل مهاجماً في نادي «رحبان» حرض، وكان ضمن التوليفة التي تأهلت لأول مرّة في تاريخ النادي من الدرجة الثالثة إلى الثانية، حيث كان له الفضل في إحراز هدفين لناديه أمام أهلي الغيل باوزير في ملعب بارادم عام 2002، ومثله مثل غيره اضطرته ظروفه القاسية للعمل مهرباً ليلقى حتفه على أيدي أحد جنود الحرس السعودي، حيث قتل في 3 أغسطس 2008، وقد تألم الوسط الرياضي في المحافظة عموماً على رحيله المبكِّر.
- إبراهيم قطبي من أشهر وأمهر المهربين كان يسمى ب«الشبح»، وكان من أشد المطلوبين للأجهزة الأمنية السعودية: قتل في الشريط الحدودي، ووجده زملاؤه مقتولاً، فأخذوه إلى قريته بعبس، وتباينت الروايات حول طريقة مقتله، فقد أشار البعض إلى أن مقتله كان على أيدي مسلحين (متقطعين) يلبسون زي حرس الحدود السعودي، ورواية أخرى تشير إلى أن مقتله كان على أيدي حرس الحدود السعودي أنفسهم، رواية أخرى اتهمت مهرباً كبيراً في التسبب في مقتله يسمى ب«الكنغ»، وقد كان قطبي يده اليمنى في عملية التهريب، وقد اختلفا، وجراء ذلك الخلاف تحالف قطبي مع مهربين آخرين من منطقة رداع بمحافظة البيضاء، فتضرر الكنج من ذلك فقام وعبر رجالاته بتصفيته.
لا يُسمح لخروج القتيل إلى اليمن إلا في النادر وعبر وساطات ومعاملات وكثير ممن قتلوا يتم طرحهم في ثلاجة الموتى وتقييد أسمائهم «مجهولين» ليدفنوا بعد فترة في السعودية وقد استند زملاء القطبي على إمكانية ضلوع المهرب الكنغ في مقتله كون الكنغ شكا القطبي إلى أهله في دين ادعاه عليه، وطالب القتيل يومها المهرب الكنغ أن يشتكيه للجهات الأمنية فرفض الكنغ ذلك، وتجاهل المطلب تماماً، وما هي إلا أيام قتل بعدها القطبي. قطبي قتل وتم دفنه في قريته «السبيل» بمديرية عبس.
- علي شوعي فضالة من أشهر السائقين في الحدود على الإطلاق، وقد قتل داخل الأراضي السعودية بعد مطاردات مضنية استمرت لساعات، حيث كان يسوق سيارة مكشوفة (شاص) محملة بنبتة «القات» - بينه وبين أطقم سلاح الحدود السعودي، وقد قتل عام 2005، بعد زواجه بالثانية بشهر، ولديه من زوجته الأولى 5 من الأبناء.
- ويسي صالح (37 عاما) حاول التسلل إلى الأراضي السعودية دون أن يكون معه شيء يهربه، فقد قصد بالدخول البحث عن عمل، حاول اختراق الحاجز الحديدي أو ما تعارف على تسميته ب «الشبك الحديدي المحكم»، وبعد أن استطاع أن يقص مساحة بسيطة منه دخل من تلك المساحة الضيقة، غير أن جسده علق بين ذلك الحديد المقصوص ليمزق جسده، وأدى تمزق معظم جسمه إلى نزيف طويل، وكونه لا يُوجد بجواره من ينقذه أو يسمع أنينه أو صراخه، ظل ينزف لساعات إلى أن مات، وما علم به إلا جنود من الحرس السعودي في صباح اليوم التالي. الضحية ويسي متزوج ولديه طفلة وحيدة تدعى «رهف» ذات الأربع السنوات.
- محمد على الحفيظي (إب) فقد ثلاثة من أبنائه بسبب التهريب، حيث قتل أول أبنائه واسمه عبد الله برصاص الحرس في منتصف 2005م وتم دفنه في جازان.
محمد الحفيظي فقد ثلاثة من أبناءه بسبب التهريب وفي عام 2009، قُتل ابنه الثاني محمد في الحدود اليمنية برصاصة طائشة، وتم انتشاله من قبل زملائه، ودُفن في قريته ب «دير الحسي».
أما ابنه الثالث علي فقد قتل قبل 3 أشهر ويبلغ من العمر 24 عاماً، وقد كان أبوه حريصاً على ألا يمتهن مهنة التهريب، ومن أجل ذلك قام بشراء سيارة «هايلوكس» موديل «88»، وسلمها له ليشتغل عليها بعيداً عن المخاطرة بحياته، وحرصاً على ألاً تتكرر المصيبة، غير أن علي كان يعمل على السيارة ويقوم بالتهريب بصورة متقطعة ونادرة، ومع ذلك لم يسلم من شبح الموت الذي لقيه أخواه قبله لتتضاعف مأساة والده بفقده ثلاثة من أولاده.
- محمد فتيني أحد أبناء محافظة الحديدة، عاش معظم سنين عمره في حرض، وكان وحيد والديه، وفي ريعان الشباب، وهو من يقوم بإعالتهم والنفقة عليهم، وعند مقتله مرضت أمه كمداً عليه، واشتد بها المرض لتموت بعد أن مات محمد فلذة كبدها ب 5 أشهر.
- محمد جربوش قُتل داخل الأراضي اليمنية برصاص حرس الحدود السعودي قبل عامين، وهو من الميسورين، وكان يملك فندقاً في حرض بمنطقة «الخيمة» الواقعة ما بين الجمرك ومدينة حرض، وأثناء مقتله كان بحوزته 20 ألف ريال سعودي، كما يفيد شقيقه وليد، الذي يضيف أنه كان في طريقه إلى نقطة تابعة لحرس الحدود السعودي من أجل تأمين الخط للمهربين التابعين له.
- حسين شداد (40 عاما) أصيب بطلق ناري توفي بعدها مباشرة عام 2002، وقد كان لديه من العمر 40 عاماً، وكان عقيماً، ولم يترك سوى زوجته أرملة بعده.
- محمد إبراهيم قيم (30 عاما) قتل 2002م (4 أولاد؛ 2 إناث و2 ذكور).
- أحمد رازم صديق (20 عاماً)، قتل في 6/1/2006م، متزوج وليس لديه أولاد.
علي هادي صديق (19 عاما) عريس في شهر العسل الذي لم يكمله، قتل عام 2009.
- أحمد علي هادي (25 عاما) قتل في 7/ 1/ 2009، متزوج، ولديه طفل واحد كان عمره 4 أشهر حين قتل والده.
- حمًد حسين غويدي (23 عاما) قتل في 20/2/2013م، متزوج ولديه 2 ذكور؛ رمزي 6 سنة، وأحمد 4 سنة، وأسماء لا تزال رضيعة ذات ال 10 أشهر، كما تبدو في الصورة.
-وليد محمد طيب (22عاما) قُتل عام 2010، أعزب.
- فتحي حسيني (21 عاماً)، قتل عام 1011، لديه 4 أولاد.
- أحمد حسين أميرة (40 عاماً)، قتل عام 2009، بطلقة رصاص في رأسه.
- علي أسود (32 عاماً)، قتل قبل أشهر ولا يزال في ثلاجة منطقة المصفق السعودية.
- علي حسن علي زهير (34 عاماً)، قتل عام 2002 في منطقة «الحصامة» السعودية، ودُفن هناك.
إيقاف عداد الموت والنزيف اليومي حالات القتل والتعذيب على الشريط الحدودي هذه تفرض القول: أيا كانت مهمة الحماية التي تمنح الحق في التعامل مع مسألة تسلل وتهريب، فإنها لا تلتقي مع منطق أن تصبح رصاصة الموت هي البريد المرسل والأقل تكلفة وجُهدا لدى هذا الجندي أو ذاك في إتمام مهمته البطولية، أو حتى التعذيب بتلك الصورة التي رواها هؤلاء الضحايا.
على أننا نتفق على أن القضية أكثر تعقيداً، فالقاتل (الجندي) ربما استند في فعله ذلك على قانون أو توجيهات تُجيز له استخدام ما يراه مناسباً إزاء دخول أولئك المتسللين إلى حدود أراضي بلده، حتى لو كان ذلك الحل إزهاق روح المتسلل.
لكن على الضفة الأخرى طابور واسع من العاطلين يرون في ذلك التسلل مصدر رزق لهم ولأسرهم ولا يرون ضيراً في تهريب «القات» و«الدقيق» و«الطمش»، كمهمة اضطرارية تحت ضغط معيشي، لا ينبغي أن يعاملوا بشأنها حد الموت في ذلك الشريط الحدودي، وخاصة مربع الموت (المهدف - الخشل - الحثيرة - الخوبة - قطاع المغراب الممتد من جلاح إلى المنجرة) الذي يقع فيه أكثر القتل.
في مدرسة النور بالشريفية الواقعة على الحدود يعمل 19 طفلاً من طلابها في التهريب بعد أن تنهي فترة حصصهم اليومية وبالإجمال، فهؤلاء الضحايا هم مستخدمون من كبار مهربين لا ينالهم خطر، وهذا مثير للقلق أيضا، وخاصة بعد توجّه هؤلاء المهربين الكبار إلى استقطاب الأطفال في الآونة الأخيرة، فمدرسة النور بالشريفية الواقعة على الحدود يعمل 19 طفلاً من طلابها في التهريب، بعد أن تنتهي فترة حصصهم اليومية، وهذا العدد من مدرسة واحدة فقط.
هذا يستدعي من قادة البلدين، وكأقل تقدير قيادة حرس الحدود أو اللجنة المشتركة، تكليف أنفسهم بعض جُهد وقليل عناء للجلوس في اجتماع خاص لمناقشة هذا الوضع الإنساني الأليم وإيقاف عداد الموت الذي يسير بسُرعة مذهلة وبشكل يومي ودائم دون توقّف، وذلك للخروج بحلول تنهي حلقات هذا المسلسل المُقلق والمميت في كل أجزاء حلقاته المُفجعة على خشبة المسرح في ذلك الشريط الحدودي، والوقوف بجد على الظاهرة ومحاولة إيجاد الحلول الواقعية والمناسبة.
وقد تبدو الحاجة مُلحة وغاية في الأهمية في أن يكون هناك مرصد خاص يُعنى بهذه القضية الإنسانية وإيصالها إلى المستوى الذي يلفت الانتباه لها. فلعل ذلك بالإضافة إلى جُملة الحلول الأخرى يوقف هذا الشبح الرهيب الذي يحصد كل يوم بل وكل ساعة شباب وفتية يحلمون في عيش هانئ ومستقر وكفاف على أقل تقدير.