• منذ الحرب العالمية الأولى والعرب يحاولون لمملة شتاتهم بدء من الثورة العربية التي قادها الشريف حسين ومرورا بثورات التحرر من الاحتلال والانتداب وظهور الحركات القومية ومارافقتها من نظريات أيدلوجية كالقومية والبعثية والإسلامية وغيرها من النظريات التي كانت تهدف في مجملها إلى صياغة التماسك العربي من المحيط إلى الخليج إلا أنها فشلت لان كل فريق حاول فرض رؤيته وطريقته على الآخرين ولم ينتج عن ذلك سوى حكم ديكتاتوريات بمختلف مسمياتها وأنظمتها. الخروج إلى العلن • وما أن سقطت بغداد في ابريل 2003م حتى انكشف غطاء التماسك الاجتماعي العربي الهش ليظهر بشكل أكثر وضوحا خلال العقدين الأخيرين وأعلن عن نفسه بشكل لا يخلو من عنف وثقافة كراهية لدرجة أن الربيع العربي الأخير بثورات شعوبه الباحثة عن الكرامة - التي أهدرها الحكام - لم تستطع إعادة التماسك العربي فقد وصلت تلك الصراعات إلى ذروتها ولم يكن هناك من وسيلة لمعالجتها إلا بالحوار وبالمشاركة المجتمعية لإعادة بناء التماسك الاجتماعي والحد من النزاعات والصراعات الداخلية.
المنتدى العربي للتنمية • ومن هذه الرؤية - الحوار والمشاركة المجتمعية- جاءت أهمية انعقاد المنتدى العربي لتنمية برعاية أممية الهادف لإعادة صياغة الأهداف الإنمائية لما بعد عام 2015م ولذلك اختارت الأممالمتحدة منهاجا جديدا لصياغة الأهداف الإنمائية الجديدة بدلا من قيام مجموعه نخبوية بإعداد أهداف الالفيه الإنمائية السابقه عام 2000 انتهجت الأممالمتحدة هذه المرة طريقة أكثر واقعيه من خلال إنشاء فريق رفيع المستوى يعنى بخطة التنمية بينهم من المنطقة العربية الملكة رانيا العبدالله والحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان ومن ثم تشكيل فريق من مختلف الشخصيات العالمية لصياغة الرؤية الجديدة لمستقبل التنمية في العالم من خلال عقد عددا من المؤتمرات الإقليمية والتي من بينها المنتدى العربي لتنمية الذي عقد مؤخرا في العاصمة الأردنية عمان خلال الفترة 10-11 ابريل الجاري بمشاركة أكثر من 200 شخصية عربية من كافة فئات ومكونات المجتمع العربي على المستويات الإقليمية والوطنية للبدء بعملية تشاركيه للمناقشة والتواصل والحوار الشفاف والممنهج الهادف إلى إيجاد رؤى متقاربة وواضحة لإعادة صياغة الأهداف الانمائية العربية الجديدة وبالذات فيما يخص التماسك الاجتماعي والحد من الصراعات والنزاعات المختلفة في الوطن العربي المتخم بالكثير من القضايا التنموية التي تحتاج إلى جهود صادقة لإعادة السلم الاجتماعي للشعوب فلا تنمية بدون سلام.
آثار سلبية • ولان قضية الصراعات والنزاعات لم تعد خافية على احد في الوطن العربي فقد حرص المنتدى العربي للتنمية على جعلها ضمن أولويات المرحلة وضمن ابرز محاور نقاش المنتدى فالصراع الذي ما زال مستمرا في كثير من الدول العربية كان له اثر كبير ومباشر وبشكل سلبي على مختلف جوانب التنمية خاصة ذات الإطار الخدمي كالتعليم والصحة وعلى التماسك والسلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة فخلال هذه المرحلة من الصراعات بدأت الهوية الوطنية الجمعية تتآكل بشكل متسارع وظهرت بديلا عنها الهويات الاجتماعية الصغيرة والضيقة وأصبحت الولاءات أكثر ضيقا وعدائية وكشفت من العورات العربية كالانتماءات المناطقية والمذهبية والقبيلة والاثنية والتجمعات الجهوية بالإضافة إلى أن هذه الصراعات والنزاعات الداخلية بددت ومزقت المكاسب التنموية التي تم تحقيقها - ولو بنسب غير كبيرة - خلال المراحل الماضية وكان لها الأثر السلبي الكبير على الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع العربي كالنساء والفتيات والمتعلقة بجوانب المساواة بين الجنسين وزيادة ضغوط الفقر والمرض عليهن بل إن أكثر الصراعات والحروب طالت النساء اللواتي كن الأكثر معاناة في حروب الرجال حيث تضاعفت المخاطر التي تواجه أمانهن وأمنهن.
تآكل العقد الاجتماعي • مجموعة العمل الخاصة بالتماسك الاجتماعي ومنع الصراع - التي كانت إحدى مجموعات المنتدى – تحدثت عن أن الأحداث الاخيرة بما فيها من صدامات كشفت عن ضعف شرعية الحكومات وان الصدمات المتكررة أو المطولة إذا لم تعالج قد تؤدي إلى تأكل العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها إضافة الى الخسائر المجتمعية في الأرواح وسبل العيش والممتلكات كما ان تلك الازمات أدت إلى تدمير المؤسسات وتمزيق العلاقات الاجتماعية وحدوث استقطاب سياسي مما خلق بذلك ظروف تعزز الهشاشة والفقر الحادين مما نتح عنها هشاشة في العلاقات الاجتماعية والعرقية والجنسانية والحوكمة والمؤسسات السياسية وحقوق الإنسان والأمن والهيكل والأداء الاقتصادي والموارد البيئية والطبيعية. واعتبرت المجموعة المتحاورة ان فهم أفضل للعوامل التي تؤثر على مستوى الصراع وديناميكيته يمكن ان يضمن نموذجا إنمائيا يحد من نشوب الصراع العنيف ويعالج الأسباب التي تؤدي إلى تفاقمه او إعادة إشعاله وتساعد التنمية إذا خطط لها جيد في تقليل مخالط الصراع والكوارث من خلال التحذير المبكر واتخاذ إجراءات استباقية.
أراء ومقترحات • وطرحت المجموعة في ورقه عملها عددا من الآراء حول الطرق المجدية لتناول قضية الصراع والتماسك الاجتماعي في إطار ما بعد العام 2015 بما في ذلك تلك الناتجة عن المشاورات الوطنية والإقليمية والعالمية منها: - تنفيذ إعلان الالفية بنطاقه الواسع وليس التركيز المحدود على الأهداف الانمانية للألفية. - تأطير عالمي يقر بوجود درجة كبيره من الترابط من القطاعات المختلفة وبالتالي بين الغايات المختلفة. - وضع خطه يمكن قياسها تعتمد على ارث الأهداف الانمانية للألفية وحركة التنمية المعتمدة على النتائج وبعكس عام 2000 أصبح قياس الحكم الرشيد وحقوق الإنسان وعدم المساواة التي طالما أغفلت في الماضي بسبب النزوع إلى استخدام غايات الأهداف الانمانية للألفية بشكل إجمالي وقياس التقدم على المستوى الوطني. - اتساق السياسيات داخل البلدان وعبرها بصرف النظر عن تصنيفاتها اعترافا بعالمية التحديات الانمانية والترابط بين التنمية والأمن والطبيعة المترابطة والعابرة للحدود التي تميز التحديات مثل تغير المناخ وانظمه التجارية والمالية وغيرها. - المسائلة التي ترتكز على السكان وتعتمد على احترام حقوق الإنسان.
أولويات المرحلة كما حدث المشاورات أيضا الأولويات التي تتطلب انتباها اكبر في جدول الأعمال الجديد وتشمل: - الانتقال من الهشاشة إلى التمكين - الإدماج والعدالة - الاستدامة البينية وتشمل الحد من مخاطر الكوارث - الأمن بوصفه هاجسا عالميا - تزايد السكان وانتقالهم بين المناطق والعبء المزدوج على الفقراء الذين يعانون من الأمراض المعدية وغير المعدية وأكدت المشاورات في المنطقة العربية على أهمية الإدماج السياسي والمسائلة العامة والمساواة والأمن ويشمل القضاء على العنف والعنف ضد المرأة والتحرر من الخوف والتعليم الجيد والحصول على عمل لائق كلبنات أساسيه لكرامه الإنسان وتنميته.