لأنني لا أعرف "معاذ بجاش" هذا الذي ثارت الدنيا عليه، وألغي قرار تعيينه وكيلاً لجهاز الرقابة والمحاسبة، فليس بوسعي قول شيء تجاهه، أو ما إذا كان مؤهلاً من عدمه لتسنّم هذا المنصب الهام جداً، وكيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. ما هو مؤكد لديّ في هذا الصدد أن مدير مكتب رئيس الجمهورية نصر طه مصطفى حُشر في موضوع من هذا النوع، واستغل الموضوع للإساءة إلى شخصه، وتحميله تبعات مرحلة انتقالية تتسم في الغالب الأعم بممارسات خارج إطار الكفاءة والنزاهة، والقانون أيضاً.
لستُ هنا بصدد الدفاع عن نصر طه إن كان هو من اتخذ قراراً من هذا النوع الذي أثار حفيظة الكثيرين، وتم معالجته من قبل الرئاسة بشكل سريع وملفت للنظر، لكن السؤال المطروح: من يتحمل المسؤولية؟
قرأت خبر إلغاء قرار التعيين في وكالة "سبأ" الرسمية، وهو خبر فيه دسّ رخيص تجاه نصر طه، في محاولة بائسة لتبرئة ساحة الرئيس عبدربه منصور هادي من مسؤولية القرارات التي يُصدرها مكتبه، غير أنه أساء للرئيس من حيث لا يدري، إذْ أنه صور الرئيس آخر من يعلم بما يدور!
هذه المرّة أيقن الناس تماماً، أن هناك مجموعات ضغط شعبية من خارج إطار القوى الحاكمة، بدأت تتشكّل وتمارس دورها في الرقابة على تصرفات الحاكم مكونةً رأياً عاماً قوياً وضاغطاً؛ وقد نجحت هذه المرّة في إجبار الرئاسة بالعدول عن قرارها، وأظنها المرة الأولى التي يُلغى فيها قرار جمهوري في اليمن.
غير أن موجة الغضب من قبل النخب السياسية والحزبية والإعلامية حيال مثل هكذا قرارات يفترض أن تتجه صوب القوى التي ترغم نصر وغيره بممارسة المحاصصة، وألاّ نُبْقى على هذه التحركات حبيسة الشخصنة، حتى لا تفقد مسؤوليتها وطابعها الحضاري، كأداة تقويم لاعوجاج أداء المسؤولين في بلادنا.
نصر طه دفع فاتورة علاقاته الجيّدة بالوسط الذي ليس كله جيداً، والرجل في موقع حساس، وتتنازعه أطراف الصراع، ويسعى جاهداً لممارسة عملية "مراضاة جماعية" للأطراف، خصوصاً في مرحلة انتقالية، تتسم بالتعقيد، وتحاط بالكثير من الشكوك.