يواجه فيصل الصوفي (45 عاماً) يعمل في مطعم واقع في سوق القاهرةبعدن مصيراً مؤلماً يتهدد مصدر قوته وأسرته ونحو 20 عاملاً في المطعم حال رفضه دفع 320 ألف ريال طلبها متعهد سوق القاهرة منه بمبرر إعادة تمديدات الكهرباء. إلى جانب الرفع المستمر للإيجارات بشكل شهري يتكبّده المئات من مستأجري السوق، حيث بلغ 160 ألف ريال شهرياً يتكبدها الصوفي دونما عقود إيجار قانونية، تهدد مصير مصدر دخله الوحيد.
عند تقاطع مديريتي الشيخ عثمان والمنصورة شمالاً يقع سوق القاهرة والمرافق المحيطة به من «مفارش قات» ومئات المحلات التجارية والبسطات أبرمت السلطة المحلية بعدن عقد تأجير سوق القاهرة لمتعهد بمبلغ سنوي «45» مليون ريال، وتخلت عن مسؤولياتها تجاه المستأجرين الذين يتعرضون بشكل مستمر لعسف وإتاوات غير قانونية من قبل إدارة السوق، وبات يطلق عليه «مملكة الجعاشن الجديدة».
يقول الصوفي ل«المصدر أونلاين»: «خلال الأيام الأخيرة طلب مننا مستأجر السوق من السلطة المحلية مبالغ كبيرة يدفعها كل المستأجرين للمحلات التجارية، وحال رفضهم فإنهم عُرضة للطرد، ولا يوجد ما يحميهم»، يواصل «تلقينا وكثير من المستأجرين إشعارات من إدارة السوق».
وأكد «طُلب منا دفع مئات الآلاف مقابل قيام إدارة السوق بإعادة تمديدات الكهرباء إلى المحلات التجارية والمطاعم بعد أن كانت كل المحلات تدفع أضعاف كلفة التيار لإدارة السوق التي يوجد فيها عداد كبير مشترك بدون فواتير رسمية لتفرض إدارة السوق مبالغ باهظة على كل المستأجرين». وأضاف: «لم تترك إدارة السوق لنا فرصة، يقولون لنا: ادفعوا أو ارحلوا».
وصلت الإتاوات التي تفرضها إدارة سوق القاهرة إلى درجة لا تُطاق بعد أن تخلت عنهم الدولة، مقابل مبالغ إيجار يدفعها متعهد السوق، وصفها الكثير بالبخسة، ولا تساوي شيئاً أمام الجبايات التي يتكبدونها بشكل غير قانوني.
بالقرب من إحدى البوفيات بالسوق، يُوجد مولد كهربائي اشتراه مستأجر البوفيه للعمل به أثناء انقطاع الكهرباء، يشير عبدالله الحبشي إلى المولد، قائلاً: «حتى هذا الماطور يطلبون منّي 10 آلاف ريال إيجار شهري ثمن بقائه بجانب البوفية».
مُعاناة كبيرة يتعايش معها بشكل يومي بائعو القات في السوق والباعة المتجولين وحتى بائعو الشعير والصحف المتجولون عند مدخل السوق لا يُسمح لهم بالبيع قبل قطع سند ب500 ريال يومياً، أحيانا تكون جلّ دخلهم بين حرارة الشمس، فيعودون إلى أسرهم بخفي حنين في أيام كثيرة - حسبما كلامهم.
تواصلت المعاناة، ولم تقف عند هذا الحد، إذ تحولت إدارة السوق إلى معتقل لكل من يرفع رأسه أو يشتكي أو يتظلم، وطبقاً لأحد المستأجرين - فضل عدم كشف اسمه - فإن إدارة السوق بالتعاون مع عناصر في شرطة القاهرة تجبر المستأجرين على الإمضاء على سندات مالية وجبايات متعددة أو إيداعهم السجن.
فريق الهيئة الوطنية للحقوق والحُريات (هود) في محافظة عدن بدأ قبل أسابيع العمل لتقصّي حقائق الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنون وباعة في سوق القاهرة بمديرية المنصورة من قبل الإدارة المكلفة، ومستأجر السوق، بعد شكاوى من المستأجرين والمتضررين الذين تعرّضوا للانتهاكات التي تمس حقوق وحُريات الإنسان والعاملين.
المواطن محمد أحمد علي، أحد المستأجرين من متعهد السوق، كان أحد ضحايا الاعتداءات والاعتقال والتعسف وإغلاق مصدر رزقه (لوكندة) بالسلاسل من قبل إدارة السوق وجهات أمنية متواطئة.
يقول محمد أحمد علي إنه جرى اعتقاله دون وجه حق في إدارة السوق قبل نقله بسيارة أجرة يقتادها رجال أمن إلى مبنى السلطة المحلية في مديرية «دار سعد»، وتعرض للاعتداء والشتم من قبل جنود الأمن.
من جانبه، قال المحامي صالح الفقيه، رئيس فريق منظمة (هود) في عدن ل«المصدر أونلاين»: «تواصلاً للجهود التي يبذلها الفريق في متابعة قضايا وشكاوى المنتفعين والمستأجرين داخل سوق القاهرة بمديرية المنصورة، فقد وصلت الفريق شكاوى من عددٍ من المواطنين المنتفعين من السوق، وعددهم 253 منتفعاً، جميعهم يفيدون بأن سوق القاهرة تم بناؤه على حساب أسر منتفعة بناءً على عقود واتفاق مبرم مع السلطة المحلية والمحافظة، حيث كان السوق يُعِيْن نحو 253 أسرة، ويمثل مصدراً وحيداً للدخل».
ويضيف الفقيه: «منذ العام 2007، قامت السلطة بمصادرة رزقهم بناءً على انتفاع مع أحد المتنفذين يدعى حسن نوح، باسم الاستثمار، ولم يراعوا فيه أي حقوق لهذه الأسر الفقيرة والمحتاجة» - حسبما ذكر.
ويدعو الفقيه عبر «المصدر أونلاين» السلطة المحلية بالمحافظة ومديرية المنصورة إلى إنصاف الأسر التي حُرمت من مصادر دخلها في السوق، وتمكينها من حقوقها من أجل مواجهة ظروف الحياة.
ويشير إلى أن فريق «هود» تلقى أيضا شكاوى من محلات تجارية تفيد بأن إدارة السوق تطلب منهم مبالغ مالية وجبايات تعسفية، إحداها تحت بند تبديل عدادات وبمبالغ خيالية (300 ألف - 400 ألف ريال) عن كل محل تجاري داخل السوق.
وطبقاً لبلاغ «هود»، فإن الفريق حقق في شكاوى المواطن محمد أحمد علي وإخوانه ومعاينة «اللوكندة»، التي وقع فيها الاعتداء، ووجدها مغلقة بالسلاسل، وتوثيق الانتهاكات وتصويرها، مؤكداً على وجود سجن خاص داخل السوق بعيداً عن سيطرة الدولة ومخالفة للنظام والقانون، وعدم وجود أي عقود إيجار يتم من خلالها حفظ حقوق المؤجّر والمستأجر، وتفادي أي انتهاكات وصراعات.
وبشأن الإيجارات وما يتعرّض له مستأجرو السوق من المتعهد - بحسب المنظمة- فإن الإدارة هي التي تحدد قيمة الإيجار وطريقته ومدته، في ظل عدم وجود أي وثيقة قانونية تنظم العلاقة وتحفظ الحقوق للجميع، بالإضافة إلى وجود تعسفات من خلال فرض رسومات مبالغ فيها لإدخال عدادات كهرباء جديدة تصل إلى 400 ألف ريال.
وقال فريق «هود» إنه التقى المواطن توفيق الصبيحي ممثل مستأجر السوق، حسن نوح، ووجّهت له بعض الاستفسارات عن الانتهاكات؛ آخرها ما حصل لمحمد أحمد علي وإخوانه من اعتداءات جسيمة، قال: «إن هذه الأعمال سارية على الجميع». وأوضح فريق المنظمة أن تواجده كممثل عن إدارة السوق لا يسمح له أن يتحول إلى جهة ضبطية أو تنفيذية، وأن هذا العمل مخالف للقانون.
من جانبه، برر متعهد السوق، حسن نوح، ل«المصدر أونلاين» حادثة الاعتداء على المواطن محمد أحمد علي قائلا إن تلك الحادثة يتحمل مسؤوليتها الأمن، وإن مطالباته للمستأجرين بشأن إدخال عدادات كهرباء جديدة تأتي بعد دفعه 6 ملايين ريال، لمؤسسة الكهرباء، وعن الزيادة المستمرة في إيجارات المحلات والجبايات اليومية التي يتكبدها المستأجرون منه، يقول: «إن للسوق لوائح ونظماً، ومن يريد الإيجار عليه الالتزام بالشروط التي حددتها الإدارة، وأهلاً وسهلاً به»، رافضاً في الوقت ذاته عمل عقود تنظّم العلاقة بين إدارة السوق والمستأجرين.
وبحسب أهالي المنطقة، فإن سوق القاهرة ينقسم إلى قسمين؛ الأول: بناه الأهالي وفق عقود ومساهمات في العام 1996، يتكون من 253 مفرشاً للقات، فيما تتوزع في الجهة اليمنى قرابة 100 محل تجاري ومطعم ومئات البسطات، بنتها السلطة المحلية.
وطبقاً للمصدر، فإن عائدات السوق تحقق دخولاً إضافية لمسؤولين في السلطة المحلية بالمحافظة، منذ تأجيره في العام 2007، ورمي المنتفعين في الرصيف.