في زمن التناقضات العجيبة، وقوة السوط على الصوت، والكذب على الحقيقة، لا يجرؤ أصحاب الحق على الكلام! بالتأكيد حمدين صباحي ليس هو سيد قطب، كما أن مرسي ليس عبد الناصر، فلا سيد قطب ترشح للرئاسة (منافساً لعبد الناصر)، وفشل ثم لم يعترف بفشله، ونزل لإسقاط الرئيس المنتخب.
ولا حمدين صباحي أيضا تعرض للسجن والإعدام بقرار رئاسي بسبب قلمه ضد السلطان المستبد (مرسي).
دعك الآن من هذه المقارنة التي ستزعج الكثير، فلننظر إلى ما يجري حالياً: قبل عامين خرج الشعب المصري المقهور والمغلوب على أمره بعد أن طفح الكيل إلى الشارع لينادي بإسقاط النظام الفاسد الذي أهلك الحرث والنسل، كان في الصفوف الأولى لأولئك الذين خرجوا أناس تعرضوا للسجن والتعذيب والإرهاب النفسي طيلة عشرات السنين على أيدي كل الأنظمة المتتالية غير الديمقراطية بالطبع.
استطاع الشعب إسقاط النظام، وأعني بالشعب "الشعب المقهور"، وليس النخب "الفارهة في أحضان الأنظمة"!
جرت انتخابات حقيقية، اختار الشعب "المقهور" أولئك الذين كانوا في المقدّمة؛ رافعين مطالبه وأحلامه، وتعرضوا لكل أنواع الإهانة بسبب تلك المطالب، وفي خمس مراحل ديمقراطية مختلفة (الشعب، الشورى، المرحلة الأولى للرئاسة، المرحلة الثانية، الدستور) يؤكد الشعب (الذي قام بالثورة) على اختياره لممثله الحقيقي.
لكن دُعاة الحرية والديمقراطية (كما تعلمنا في الكتب ومن القنوات)، رفضوا اختيار الشعب، ورموا بالديمقراطية عرض الحائط، وأرادوا سرقة حرية الشعب التي انتزعها في ثورته.
ليس فقط من أول يوم بعد نجاح مرسي بدأت المعارضة الشرسة له، بل كان ذلك منذ انتهاء المرحلة الأولى للانتخابات، ألا تتذكروا الدعوات التي تم إطلاقها لكي يتنازل مرسي مرشح الثورة الفائز للسيد حمدين صباحي الذي فشل في المرحلة الأولى؟
بالطبع مرسي لا يستحق أن يكون ممثلا للشعب، فهو خريج سجون سياسية - كما يُقال، أما حمدين فهو الوحيد القادر على تمثيل الشعب بجدارة حتى وإن لم يرده الشعب كسابقيه، ألم تشاهدوه ممثلا بارعا في فيلم الآخر مع حنان ترك؟
في كل القوانين والأعراف العالمية للديمقراطية الفائز في الانتخابات هو الذي يحكم ويدير الدولة والفاشل يتحول إلى معارض وينتظر للانتخابات القادمة ليقدم برنامجه للشعب كي يرشحه، لكن أصدقاءنا في مصر لا يؤمنون بالديمقراطية حين لا تكون في صالحهم، كيف لهذا الشعب أن يختار من يمثله خارج إرادتهم؟
النخبة في مصر، التي تم صناعتها على أيدي الأنظمة السابقة، لا تحبذ أن ترى حاكماً يختاره الشعب بكل حُرية، يريدون تركيع الشعب مرة أخرى في وحل الاستبداد السياسي، تحت أقدام العسكر، وتحت شعارات زائفة لم تقدّم لا الرغيف ولا الحرية.
هكذا حينما تختلط الأمور ويذهب أدعياء الثورة للتحالف مع أركان الأنظمة السابقة وقاتلي شباب الثورة لكي يعملوا سويا لإسقاط النظام المنتخب من الشعب الثائر، ألم تسمعوا لحمدين وأصدقائه وهم يقولون إن معركتنا مع الفلول هي معركة فرعية ومعركتنا مع مرسي والإخوان هي المعركة الرئيسية؟
في مصر حدثت ثورة، وفرض الشعب إراداته عبر الصناديق واختار من يمثله، وفي حالة تعنّت هذه النخبة الزائفة والفاشلين في الحقل السياسي وقيامهم بأي محاولة لإسقاط الممثل الشرعي للشعب، فإن الشعب سيفرض إرادته حينذاك بالقوة وليس عبر الصندوق، ولكم في حماس وغزة خير مثال إن كنتم تعقلون!