أمقت تقديس الأشخاص وتعظيمهم وربط الانجازات والنجاحات بأفراد دون الجماعات، صحيح ان هناك اناس أعطاهم الله قدرات ومواهب قيادية على توجه الاخرين وأدارتهم لكن مهما كانت امكانياتهم لا يمكنهم الاستغناء على قدرات الاخرين ورحم الله جدتي التي تردد دائما «ما راجل الا برجال». الاحداث العظيمة التي غيرت مجرى التاريخ وكان لها أثر كبير على في نهضة الشعوب والامم لم يقم بها افراد انما قامت بها جماعات، جماعات يقودها قادة عظماء وجنود مخلصون لكن ثقافة الشخصنة التي تسللت الى عقول الناس وكانت نتاج طبيعي لثقافة الاستبداد ركزت على القادة ونسيت الجماعات.
قائد القادة وعظيم العظماء ومعلم الانسانية محمد على افصل الصلاة والسلام عندما كلف بالدعوة كان اول شيء يقوم به هو تأسيس الجماعة وتربية الجنود من اجل ان يتحملوا جميعا أعباء الدعوة وتبليغ الرسالة حتى لا تبقى هذه الرسالة مرتبطة بشخصه لذلك عندما لحق عليه صلاة وسلم بالرفيق الاعلى بقيت الدعوة من بعده وستمرت وانتشرت حتى وصلت اصقع الارض، ولم تتأثر بغياب القائد فالجنود كلهم تحولوا الى قادة.
من يقول ان صلاح الدين الأيوبي هو من فتح القدس وحررها من الصليبيين فهو مخطئ، فصلاح الدين رحمة الله لم يكن إلا قائد الجيش الذى فتح القدس وحررها من الصليبيين بعد تسعين سنة من احتلالها.. وهذا الجيش وقائده لم يكن الا ثمرة لجهود كبيرة كان قد بذلها علماء ودعاة عملوا سنوات طويلة في احياء الامة وإيقاظ قيم الخير والتضحية والجهاد فيها وفي المقدمة نور الدين زنكي الذى لم يكن صلاح الدين الا احد تلاميذه.. لكن ثقافة الشخصنة جعلنا اليوم نتغنى بصلاح الدين وتنسى الجماعة التي خرج منها صلاح الدين والجيش الذى قاده صلاح الدين والذى انا على ثقة ان جميع افراده كانوا رجالا لا يقلون ايمانا وتقوى وتضحيه واقدام عن صلاح الدين.
اليوم ظهرت ثقافة الشخصنة عند الكثير من شبابنا صاروا يظهرون الاعجاب المفرط ببعص القادة والزعماء وصلت الى درجة التعصب، فمثلاً: هناك من الشباب من يشدو ويتغنى برئيس وزراء تركيا طيب رجب أردوغان بسبب النجاحات الكبيرة التي حققتها تركيا في الجوانب السياسية والاقتصادية ومواقفه الرائعة تجاه قضايا الامة كأنه هو من صنع هذا كله ولا يدركون ان أردوغان هو رئيس حزب العدالة والتنمية وان من يصنع النجاحات ويحقق الانجازات هو الحزب ليس رئيس الحزب، فأردوغان ما هو إلا واحد من جنود هذا الحزب ان كان هو رئيسه والحزب فيه كوادر وقيادات اخرى ربما تفوق قدرات وامكانيات اردوغان سوف يستمر الحزب في تحقيق النجاحات والانجازات سواء ظل أردوغان رئيسا له او جاء شخص آخر. وهذا الحزب بالأساس كان نتاج لجهود بذلها قادة سابقون قبل اردوغان ناضلوا وضحوا طويلا وتعرضوا لإدي والسجن كان على راسهم نجم الدين أربكان رحمه الله تعالى.
النهضة والتغيير لا يصنعها افراد من يسعى الى تنصيب نفسه زعيما ويعتقد انه قادر علي فعل كل شيء بدون ان يكون معه رجال اوفياء يؤمنون بالفكرة التي يسعى الى تحقيقها فهو واهم ومصيره سوف يكون الفشل حتما.. لأن سنن الله في الخلق لا تحابى احدا فالجماعات التي ارتبطت بفكرة ومبدا استمرت وانتشرت وصار لها اليوم صدى بينما الاحزاب التي ترتبط بأشخاص تقلصت وتلاشت ولم يبقى معها الا الضجيج والبكاء على الاطلال.
وهذا جزء من إرث الفشل الذي يجب على شعوب النهضة التخلص منه، لأنه الباب الذي انتقلت منه الشعوب العربية من الاستعمار إلى طغيان الفرد الذي يلبس قناع الحزب الذي يختزل الدولة والوطن والحضارة والمنجزات والثورة والأحلام وكل شيء فوصلنا إلى أقل من الصفر بعد نصف قرن من النضال!!