نظم برنامج دعم الحوار الوطني، في صنعاء، حلقة نقاشية خاصة لتقرير فريق بناء أسس الجيش والأمن، المرفوع إلى الجلسة العامة الثانية لمؤتمر الحوار والوطني الشامل. وشارك عدد من الخبراء العسكريين –الخميس الماضي- في مناقشة تقرير فريق بناء أسس الأمن والجيش، وإثرائه بمقترحاتهم وملاحظاتهم على ما ورد فيه قرارات وتوصيات.
وقال الصحفي نبيل الصوفي –الذي أدار الحلقة النقاشية- إن مناقشة تقرير فريق بناء أسس الجيش والأمن في مؤتمر الحوار الوطني، تأتي ضمن سلسلة من حلقات النقاش الخاصة بمناقشة تقارير فرق مؤتمر الحوار الوطني، مشيراً إلى أن مخرجات هذه الحلقات النقاشية، وما تضمنته من آراء وملاحظات سيتم رفعها إلى مؤتمر الحوار الوطني.
وأكد الصوفي على أهمية تقرير فريق بناء أسس الجيش والأمن، الذي يهدف إلى وضع مواد دستورية وقوانين وسياسيات تحقق بناء جيش وأمن وطني قائم على أسس مهنية، بالإضافة إلى تقييم مدى توافق مخرجات إعادة هيكلة الجيش والأمن مع الأسس الجديدة، وتحديد دور الجيش في الحياة السياسية.
إغفال الاستراتيجية العسكرية وفي مستهل الحلقة النقاشية، أكد الخبير العسكري، والباحث في علم الاجتماع العسكري، العميد محسن خصروف أن تقرير فريق بناء أسس الجيش والأمن المقدم للجلسة العامة الثانية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، أغفل واحداً من ثلاث أسس رئيسية يقوم عليها بناء الجيش، وهي الاستراتيجية العسكرية.
كما انتقد خصروف بعض الصيغ غير المحددة التي وردت في قرارات فريق بناء أسس الجيش والأمن، ومنها ما ورد في البند رقم «4» من القرارات الخاصة بالجانب الدستوري، حيث ينص البند على أن «وزارة الدفاع هي المسؤولة عن القوات المسلحة أمام الشعب وأمام سلطات الدولة..»، وقال خصروف إن وزارة الدفاع يجب أن تكون مسؤولة مسؤولية مباشرة أمام مجلس الوزراء بالتحديد، وليس أي سلطة كما ورد في نص البند «سلطات الدولة»، مشيرا إلى أن عدم تحديد ماهية السلطة التي تكون وزارة الدفاع مسؤولة أمامها سيعطي القوات المسلحة والجيش فرصة للتمرد على السلطة، نظرا لعدم تحديد من هي السلطة التي سيخضع لها، هل هي رئاسة الجمهورية، أم الحكومة، مؤكدا أن القوات المسلحة يجب أن تكون مسؤولة مسؤولية مباشرة أمام الحكومة.
وشدد خصروف على ضرورة أن تكون القوات المسلحة خاضعة للسلطة المدنية، وعلى تحريم العمل السياسي على الجيش.
كما انتقد خصروف ما ورد في البند رقم «6» من القرارات الخاصة بالجانب العسكري، حيث ينص هذا البند على أن «القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة في عملها، ويختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها..».
وقال خصروف إن هذا البند لم يحدد من هي الجهة التي يعتبر القضاء العسكري مستقلا عنها، مؤكدا أن القضاء العسكري يجب أن يكون خاضعا للسلطة القضائية، ويجب أن يتم تحيد الجهة المخولة بتعيين وعزل القضاة في القضاء العسكري.
العميد خصروف: عدم تحديد السلطة التي تكون وزارة الدفاع مسؤولة أمامها سيعطي الجيش فرصة للتمرد وفي البند رقم «8» الذي يتحدث عن تجريم ممارسة العمل الحزبي لمنتسبي القوات المسلحة والأمن والمخابرات، والعقوبات الخاصة بذلك، انتقد خصروف وضع «الخيانة العظمى» ضمن العقوبات الخاصة بمن تثبت ممارستهم للعمل الحزبي من أفراد القوات المسلّحة والأمن، وقال إن «الخيانة العظمى» تهمة وليست عقوبة.
وانتقد خصروف إغفال التقرير للقوانين المالية في الفصل الخاص بإصدار ومراجعة القوانين والتشريعات الخاصة بالقوات المسلحة والأمن، وقال إن التقرير الذي سرد مجموعة من القوانين التي يجب إصدارها ومراجعتها لم يتحدّث عن القوانين المالية في القوات المسلّحة رغم أهميتها.
وأضاف خصروف أن التقرير أغفل عدداً من القضايا الهامة ولم يتحدث عنها، ومنها دور التوجيه المعنوي في بناء قوات مسلّحة يكون ولاؤها للوطن.
وفيما أكد خصروف على ضرورة أن يتم التدوير الوظيفي في القوات المسلّحة بناءً على الأقدمية، طالب بإعادة النظر في قانون التقاعد الخاص بالعسكريين، كما شدد على ضرورة فصل القيادة عن الشؤون المالية في القوات المسلحة، وقال إنه لا توجد قيادة عسكرية تكون مسؤولة عن الشؤون المالية والمرتبات، وقال إن الشؤون المالية يجب أن تكون من اختصاص الدائرة المالية، تماما كغيرها من الدوائر العسكرية، كدائرة التأمين الصحي، ودائرة التأمين الفني.
المذهبية خطر أكبر من الحزبية من جانبه، انتقد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، العميد علي ناجي عبيد ما ورد في تقرير فريق بناء أسس الجيش والأمن بشأن توافق أعضاء الفريق على القرارات التي تضمنها التقرير، وقال إن الفريق لم يتوافق على التقرير، وأن بعضهم رفضوا التوقيع عليه، وقد أحيل إلى لجنة التوافق.
العميد عبيد: لا يمكن إخراج الجيش من المدن ما دامت القبائل المحيطة بها مدججة بالسلاح واستفاض عبيد في تعليقه على البند رقم «1» من قرارات فريق بناء أسس الجيش والأمن في الجانب الدستوري، والذي ينص على أن «القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها ووحدة وسلامة أراضيها وسيادتها ونظامها الجمهوري، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو حزب أو جهة أو جماعة إنشاء أي تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية تحت أي مسمى».
وأكد عبيد، في هذا السياق، أن الجيش لن يتمكن من حماية السيادة الوطنية إذا تعرضت لأي اعتداء ما دام متواجدا في المدن، لكنه تساءل في المقابل عن كيفية إخراج الجيش من المدن إذا كانت المدن مدججة بالسلاح، وتحيط بها قبائل مدججة بالسلاح. وقال عبيد: «لست من أنصار بقاء الجيش في المدن، ولكن بقاء القبائل المسلحة يحول دون ذلك».
وأضاف أن تشكيل القبيلة العسكري يعتبر تشكيلاً مسلحاً، حيث تمتلك بعض القبائل مقاتلين مدججين بالسلاح، يأتمرون بأمر القبيلة، ويعملون لصالحها.
التقرير أغفل ما هو أخطر من العمل الحزبي في القوات المسلحة وهو العمل المذهبي وانتقد عبيد ما ورد في التقرير بشأن مسؤولية الجيش عن حماية الوحدة، وقال إن «القوات المسلحة تحمي السيادة، أما الوحدة التي لا يحميها إلا الجيش فلا نريدها»، مشيراً إلى أن اعتبار حماية النظام الجمهوري من ضمن مهام الجيش، سيفتح الباب لاستغلال الجيش لتصفية الحسابات السياسية من قبل البعض بحُجة حماية النظام الجمهوري.
وفي البند رقم «6» المتعلق بالقضاء العسكري انتقد عبيد ما ورد بشأن اختصاص «اللجان القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن في كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة في شأنهم..»، وقال إن اللجان القضائية قد انتهت ولم يعد لها وجود، ويجب أن يكون القضاء هو المسؤول عن أي محاكمة وليس اللجان القضائية.
كما انتقد عبيد ما ورد في البند رقم «7» بشأن «تحييد الجيش والأمن والمخابرات عن أي عمل سياسي..»، وقال إن «الحياد بحد ذاته يعتبر عملا سياسيا»، مشيرا إلى أن المقصود بالحياد هو الحياد عن العمل الحزبي، وليس العمل السياسي.
وفي البند رقم «8» المتعلق ب»تجريم ممارسة العمل الحزبي على منتسبي القوات المسلّحة والأمن والمخابرات، والعقوبات المتعلقة بذلك»، شدد عبيد على ضرورة أن يتضمن التقرير العقوبات التي تقع الحزب الذي يحاول تحزيب القوات المسلّحة، وقال إن التقرير سرد العقوبات التي تقع على من يمارس العمل الحزبي من منتسبي القوات المسلّحة والأمن، ولكنه لم يتضمن العقوبات التي تقع على الحزب الذي يحاول تحزيب منتسبي القوات المسلحة والأمن.
وأضاف عبيد: «إن التقرير أغفل ما هو أخطر من العمل الحزبي في القوات المسلحة والأمن، وهو العمل المذهبي في الجيش».
وأكد عبيد أن المذهبية موجودة، فهناك الزيدية والشافعية والحنبلية والاثنا عشرية، متسائلا: «كيف سيتم تنظيم العمل الدعوي داخل القوات المسلحة، حتى لا يستغل مذهب العمل الدعوي في الجيش على حساب مذهب آخر؟».
الزبيري: هناك ولاءات قبلية ومناطقية ومذهبية في الجيش والعمل الدعوي يجب أن توضع له شروط وفيما يتعلق بالمبعدين العسكريين الجنوبيين من الجيش، قال عبيد إن هناك جيشاً كاملاً تم إبعاده، مشدداً في هذا السياق على ضرورة إنشاء صندوق للمبعدين قسراً من الجيش.
العمل الدعوي في القوات المسلحة وتحدث الصحفي العسكري في صحيفة 26 سبتمبر التابعة لوزارة الدفاع، أحمد الزبيري، عن إشكالية التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، وقال إنها مشكلة أساسية في الجيش اليمني.
وتساءل الزبيري: «كيف نبني الجيش؟ وما هو عمل التوجيه المعنوي؟ وهل دوره سياسي أم ديني أم إرشادي؟».
وأكد الزبيري أن هناك ولاءات متعددة في الجيش، فهناك ولاء للقبيلة وولاء للمنطقة، وولاء للمذهب، مشدداً على ضرورة وضع معالجات لهذه المشكلات.
وقال إن العمل الدعوي في القوات المسلحة يجب أن يحدد، وأن توضع له شروط، بحيث لا يكون له أي أهداف سياسية.
وحول قضية خروج الجيش من المدن، أكد الزبيري أن خروج الجيش من المدن يحتاج إلى أمن قوي، وقضاء عادل، وضبط الحياة الأمنية، من قبل قوات الأمن.
عباس: الهيكلة أقصت خريجي الأكاديمية العسكرية رغم كفاءتهم كما استعرض الزبيري عددا من المقترحات، ومنها عدم مشاركة الجيش في الانتخابات، كي يظل الجيش مؤسسة تحسم الصراعات، بالإضافة إلى تفعيل قانون التقاعد في القوات المسلحة، وإعادة العمل بقانون الخدمة الإلزامية، مؤكدا أن إعادة العمل بهذا القانون سيقضي على الطابع «المليشوي» والمناطقي في الجيش، وسيضمن وجود تواجد جميع أبناء المناطق اليمنية في الجيش.
لا جديد في التقرير من جانبه، أكد الضابط في القوات المسلحة، عبد الإله عبد الملك عباس أن تقرير لجنة بناء أسس الجيش والأمن لم يأت بجديد، فجميع القرارات والتوصيات التي تضمنها التقرير موجودة مسبقاً في التشريعات والقوانين المتعلقة بالقوات المسلحة، باستثناء ثلاث قضايا جديدة.
وأوضح عباس أن من ضمن القضايا الجديدة التي تضمنها التقرير هي «أنه لا يحق لوزيري الدفاع والداخلية توظيف أي من أقاربهما حتى الدرجة الرابعة في أي منصب قيادي في الجيش والأمن والمخابرات..».
وانتقد عباس هيكلة القوات المسلحة التي نفذها الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقالت إن الهيكلة فككت الحرس الجمهوري، الذي كان من أكفأ الوحدات العسكرية في القوات المسلحة.
وأضاف: «الهيكلة غيّرت الأسماء، وغيرت قيادات ولاؤها لجهات معينة، حتى أصبحت القوات المسلحة أشبه بالعصابات».
وانتقد عباس –الذي عرف نفسه بأنه مبعد قسريا وضابط فيما كان يعرف بالحرس الجمهوري- ما ورد في تقرير لجنة بناء أسس الجيش والأمن، بشأن نزولها الميداني، وقال إن أحداً لم يقابل اللجنة أو يلتقي بها، مشيراً إلى أن الإحلال الذي تم تنفيذه في الجيش أثناء تنفيذ الهيكلة، تسبب في إقصاء خريجي الكليات العسكرية، والأكاديمية العسكرية، الذين أحيلوا إلى المنازل، واستبعدوا من جميع المناصب العسكرية رغم أنهم كفاءات مؤهلة يجب أن يتم استغلالها.
الإرياني: التعابير العائمة التي وردت في التقرير ألغام في طريق مستقبل اليمن تعيين مفتي عام للقوات المسلحة واستعرض الخبير الدولي الذي عمل مستشاراً لدى عدد من المنظمات الدولية في اليمن، عبد الغني الإرياني عددا من المقترحات المتعلقة بأسس بناء الجيش والأمن، وعلى رأسها تعيين مفتي عام للقوات المسلحة.
وقال الإرياني إن تعيين مفتي عام للقوات المسلحة سيوفر للقوات المسلحة مرجعية ترجع إليها، بدلاً من أن تكون مشتتة بين مرجعيات دينية مختلفة.
وفيما يتعلق بمشاركة القوات المسلحة في الانتخابات، قال الإرياني إن 17 دولة في العالم تعطل مشاركة منتسبي القوات المسلحة في الانتخابات بهدف حماية التجربة الديمقراطية، فيما تكتفي بعض الدول بحظر مشاركة الجنود الصف، والسماح للضباط بالمشاركة.
واقترح الإرياني أن يتم منع مشاركة القوات المسلحة والأمن في الانتخابات، لثلاث أو أربع دورات انتخابية على الأقل.
وتحدث الإرياني عن قضية التداخل بين الجيش والاقتصاد، وقال إن تدخل الجيش للمنافسة مع القطاع الخاص يعطل القطاعات الاقتصادية التي يتدخل فيها.
كما أشار الإرياني إلى أن المفتش العام يجب أن يكون هو المرجعية للرقابة المالية على القوات المسلحة، مشدداً على ضرورة أن يخضع الجيش لجهاز الرقابة المالية ممثلاً بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، مؤكداً أن خضوع الجيش للرقابة المالية، لا يتعارض مع السرِّية اللازمة لعمل الجيش، حيث توجد هناك وسائل وآليات للرقابة تضمن سرية بعض المعلومات التي لا يجب الإفصاح عنها.
وانتقد الإرياني التعابير العائمة التي تضمنها تقرير لجنة بناء أسس الجيش والأمن، وقال إن التعابير العائمة في التقرير تعتبر ألغام في طريق مستقبل اليمن.
تدخل الجيش في القطاع الخاص يعطل القطاعات الاقتصادية التي يتدخل فيها وفي ختام الحلقة النقاشية، أكد الصوفي، على أهمية القضايا التي استعرضها الخبراء العسكريون الذين شاركوا في تقييم تقرير فريق بناء أسس الجيش والأمن، مشيرا إلى أن التقرير كشف عددا من الحقائق التي لم تكن معروفة، ومنها ما يتعلق بالوضع الجهوي في التركيبة الحالية لشرطة السير وأمن الطرق، وقال إن حالة الضعف التي وصل إليها الجيش اليمني تثبت صحة العبارة الساخرة التي تقول: «إن الجيش اليمني أصبح ثالث أقوى جيش في اليمن».
يشار إلى أن برنامج دعم الحوار الوطني -الذي نظم الحلقة النقاشية- يعتبر مبادرة شراكة بين منتدى التنمية السياسية في اليمن ومؤسسة «برغوف» في ألمانيا، بالتعاون مع مبادرة المساحة المشتركة في لبنان، وبدعم من وزارة الخارجية الفيدرالية الألمانية، ويهدف إلى الإسهام في مساعدة اليمن في إنجاز الحوار الوطني، وتقديم الدعم النفي ودعم الجوانب المتعلقة بمراحل الحوار وتقديم المشورة للهيئات المعنية بالحوار الوطني.