في الأيام الأولى لجنوح الناقلة شامبيون -التي جنحت باعتبارها سيراليونية- أكدت التصريحات الرسمية السيطرة عليها.. بمرور الوقت تتكشف فداحة الكارثة، وليس مستبعداً أن تنتشر بقعة المازوت المنتشرة في بحر المكلا إلى حدود المياه الإقليمية، المحيطة بالمنطقة، وبالتالي القضاء على البيئة البحرية فيها، ومعها أرزاق بسطاء الصيادين. بعد السيطرة وقعت الكارثة على ما يبدو، في تراتبية عجيبة تعكس كفاءة المهام الحكومية التي ينحدر مؤشرها نحو النقطة الصفرية مع كل تقدم محرز، وبرزت اخبار رسمية دعائية تتحدث عن الاستعانة بخبراء اجانب- توجيه الشركات النفطية بتسخير امكانياتها للسيطرة على الحادثة وأخبار أخرى من قبيل "لن تألوا جهداً".
حتى الآن لازالت نصف الحمولة فوق الناقلة، وفقاً لتصريح وزير النقل الذي اكد أن بقعة المازوت المتسربة من الناقلة شامبيون اتسعت على نطاق بين 10-20 كم.. أضاف: حتى الآن تم شفط 2400 طن من إجمالي 4500 طن.
ذلك يعني أن بحر المكلا بحاجة لثلاثة أسابيع إضافية على الاقل لإفراغ مازوت ناقلة أحمد العيسي وشركاؤه، ناهيك عن الحديث عن تلافي التلوث في البيئة البحرية.
والعيسي هو سلطان النقل البحري النافذ، وهذا الرجل يشكل وحدة وطنية قائمة بحذ ذاتها، يجمع المؤتمر مع المشترك، والإصلاح مع الحراك، حتى أن المتحاورين منهم وقعوا لإلغاء بند في النقاط ال11 الخاصة بمعالجات القضية الجنوبية حرصاً على مصالحه.
مشكلة هذه البلاد أن لديها مسؤولين بلا مسؤولية، ولا يشعرون بأي التزام اخلاقي وسياسي وانساني، من وزير الداخلية إلى الدفاع إلى الكهرباء إلى المياه إلى الاتصالات إلى الخارجية وانتهاء بوزير النقل، والقائمة تطول.
ووزير النقل، متخفف من سهام النقاد والشتّامين وتناولات الاعلام، خلافاً لبعض زملائه الواقعين في واجهتها، ولن تجد صحيفة تبرز صورته في صفحتها الأولى ممهورة بعنوان (فاشل).
يحظى الوزير بنخبة تسبح بحمده، حتى في ظل مسؤولية وزارته المباشرة عن كارثة مهولة كهذه، مع أنهم لا يتورعون عن مطالبة وزير الكهرباء مثلاً بالاستقالة على خلفية اعتداءات مسلحة -لا علاقة له بها- على ابراج الكهرباء.
كذلك يعيش وزير المياه والبيئة عبدالسلام رزاز، عالماً آخر، انه ملتزم بفضيلة الصمت -انتظاراً لانتهاء المرحلة الانتقالية- على كارثة بحجم شامبيون، ومسؤولية وزارة النقل وهيئاتها والعيسي وشركاؤه، وأي جهة اخرى.
وأمس فقط تحدث الوزير إسقاطاً لواجب، مؤكداً بأن الكارثة فوق إمكانيات الحكومة، وأن السفينة متهالكة ومخالفة لمعايير السلامة، وهي مخصصة لنقل الزيوت النباتية وليس المشتقات النفطية، مطالباً بمحاسبة المتسببين في الكارثة.
يركن الوزير في هجوعه الرمضاني الطويل، إلى وكيل نافذ يقوم بأعماله في حضرته، وجميل أن نرى هذا الوكيل الوزارة المتخصص في شؤون المياه (توفيق الشرجبي) يسند لزميله الوكيل لشؤون البيئة حسين الجنيد، مهمة متابعة السفينة شامبيون.. كذلك يتراخى رزاز في مسؤوليته، ويترك زمام المبادرة لوزير النقل الذي يفترض أن يحضر مسؤولاً عن هكذا كارثة.
لا أطالب وزيراً بالاستقالة، لكني أطالبهم بإرساء تقليد محترم يجسد مواقف رجال الدولة، إذ ثمة مسؤولين عن الكارثة، ويجب ان يكون هناك تحقيق جاد ومختلف عن ذلك الذي تزعمه الدفاع والداخلية وغيرها، وينتهي بمجرد صرف المستحقات المالية، ويجب ان يكون هناك مسؤول ما يتحمل المسؤولية، ومحاسبة المعنيين بأمر السفينة التي نكبت البحر وقُصّاده.
ليت أن وزراء حكومة باسندوة ينهضون لمسؤولياتهم ومهامهم، كما ينهضون للسفريات والمؤتمرات والمهام الخارجية، على أن هناك فرقاً بين مهام وأخرى.
ثمة مسؤولين تنفيذيين يحظون بقاعدة عريضة من اعلاميين وناشطين يتولون مهمة التلميع وتعداد الانجازات وإحصاء المناقب، في وقت يصبون جام غضبهم على آخرين.. لدينا مزاج فهلوي مصطف كثيراً تبعاً للصحب والولاءات والأيديولوجيا والانتهازية.
مسؤولون كأولئك، ورقابيون كما نحن معناه في هذه القضية أن على البيئة الكارثة، وعلى البلاد السلام.