ببساطة الباب مفتوح للربح. وبلد رخو كاليمن يمكن بسهولة ممارسة لعبة الاستغفال وعلى مستوى عال من الانحطاط، اليمن التي تعيش وسط جبهات خراب عديدة، كل جبهة منها تصبح وبسهولة مجالاً للابتزاز والارتزاق، لايكفي فقط أن تغلف المشروع بعبارة "حب اليمن، وحدة اليمن.. وإلخ". قبل عام ونيف نطت إلى الساحة لُعبة "اليمن أغلى" وشاهدنا ملء الشوارع وجدران المباني لوحات إعلانية كتب داخلها "اليمن أغلى" واتضح فعلاً أن اليمن أغلى حيث اسطوانة الغاز أغلى والأسعار كل يوم وهي أغلى والصحة أغلى ووحده الإنسان اليمني رخيص. تلك الملصقات واللوحات الإعلانية الضخمة تم الإنفاق عليها من خزينة الدولة المنهكة، في حين أن بوسع تلك المبالغ التي تصرف على دعايات الحب الانتهازي بناء مدينة سكنية يحتاجها اليمن المتعب.. في بلد كاليمن المصنف ضمن الدول الأشد فقراً في العالم لاتزال فرص الرزق فيه كثيرة، تبدو المفارقة عجيبة للوهلة الأولى لكنها حقيقية بإمكان أحدنا أن يلحظها دون أدنى صعوبة، المهم أن تجد الفكرة المناسبة لتكسب أموالاً طائلة قبل أن يتم استنساخها لتصبح "موضة العصر". في السابق انتشرت محلات الاتصالات بكثافة كمشروع ،الربحية فيه مضمونة قبل أن تتحول الأنظار إلى حافلات النقل الجماعي ومن بعدها مقاهي الإنترنت و... إلخ. في الآونة الأخيرة شهدت بلادنا تشكيل وإشهار عدد من الهيئات الوطنية التي تحمل شعارات تنادي بتعزيز قيم الولاء الوطني "اليمن في قلوبنا" ، "اليمن أولاً" فضلاً عن هيئات الدفاع عن الوحدة التي انتشرت في معظم المحافظات وتحظى بإشراف مباشر من وزارة الدفاع. ربما تحمل هذه المنظمات في ظاهرها رحمة الأهداف النبيلة لكن الواضح أن باطنها لايحيد عن المصالح المادية والرزق السهل الذي لايتطلب أكثر من البحث عن شخصية تمثل ثقلاً سياسياً أو اجتماعياً لتولي مهام الرئاسة وعملية إشهار قد لاتكلف كثيراً من الأموال مقابل ما ستجنيه من عوائد في ظل مباركة حكومية ورئاسية لمثل هكذا منظمات يعول عليها أن تكون قشة النجاة لإخراج البلد من أزماته، قد لايحتاج الفرد منا إلى شعارات رنانة أو فلاشات تلفزيونية لتعميق ولائه الوطني قدر احتياجه لاهتمام الدولة والنظام به، والمساواة في كثير من مناحي الحياة خاصة ما يتعلق بمعيشته وحياته، وهذا هو الأصل في إكساب الفرد قيمة الولاء وتعزيزها في نفسه. يعتقد كثيرون أن فكرة هذه العبارة "اليمن في قلوبنا" جاءت كنوع من التقليد للاعب المنتخب المصري لكرة القدم "محمد أبو تريكه" الذي أظهر قميصاً كان يرتديه تحت فانيلة المنتخب مكتوباً عليه "غزة في قلوبنا" أثناء احتفائه بواحد من أهدافه في تصفيات أفريقيا 2008 وكان القصد منها لفت أنظار العالم إلى ما يعانيه قطاع غزة في ذلك الوقت من اعتداءات إسرائيلية. استطاع "أبو تريكة" أن يحقق بهذه الحركة هدفاً إضافياً في مرمى الإسرائيليين الذين احتجوا عليه كثيراً فيما النجاح الوحيد الذي يمكن أن تحرزه هذه المنظمات هو مادي بحت وهنا يجدر بها أن تغير شعارها ليصبح "اليمن في جيوبنا". إن اليمن الذي تحيط به الأزمات والمخاطر من شماله والجنوب ليس بحاجة مثلاً إلى أن يسافر وكيل وزارة الشباب والرياضة إلى ماليزيا لتنظيم ندوة هناك حول تعزيز الولاء الوطني كلفت خزينة الدولة أكثر من خمسة ملايين ريال، كما أنه ليس بحاجة لتنظيم مسابقات ثقافية بشعارات من هذا القبيل تنفق عليها الملايين من الريالات لغرس مفاهيم الحب والانتماء الوطني لدى الشباب.. اليمن بحاجة إلى القضاء على مراكز القوى التي جعلت الأشخاص يفرون من كلمة الولاء بمفهومه الضيق. اليمن بحاجة إلى ولاء حقيقي لا يأخذ في الاعتبار المنافع المادية والمصالح الشخصية التي يمكن الحصول عليها من خلال المزايدة بهذا الشعار، نعم الولاء بمعناه الحقيقي الذي لايدركه سوى عدد قليل من الناس بوصفه محور كل الفضائل بعيداً عن الممارسات السائدة الآن "فالولاء مرتبط أساساً بالقدوة والممارسات التي تعزز دوره لدى الفرد والمجتمع إذ أنه مبدأ أخلاقي يمثل كافة الفضائل والواجبات الرئيسية والمثل العليا" (بحسب الكاتب قاصد كريم). ولاشك أن عملية تثبيت الولاء وتعزيزه يتطلب محاربة كل ما يضعفه من تصرفات وفساد وظلم فالولاء الحقيقي هو الحفاظ على سمعة الوطن قولاً وفعلاً والتضحية من أجله وفي كل الأحوال وأن يتساوى الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات ولن يكون منطقياً أو معقولاً طلب الولاء من أناس بائسين لايجدون لقمة العيش ولا يأمنون مستقبل أولادهم وأحفادهم من بعدهم.