حق شعب الجنوب في تقرير مصيره بين شرعية التاريخ وتعقيدات السياسة الدولية    لماذا يحتضن الجنوب شرعية شرعية احتلال    قوة "حماية الشركات"... انتقائية التفعيل تخدم "صفقات الظلام" وتُغيب العدالة!    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    تنبيه من طقس 20 فبراير    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    إحباط عملية أوكرانية-بريطانية لاختطاف مقاتلة روسية من طراز «ميغ-31»    بدء الاقتراع في سادس انتخابات برلمانية بالعراق    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    قوة سلفية تنسحب من غرب لحج بعد خلاف مع قوة أخرى في المنطقة    اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية الإفريقية يكرم بشرى حجيج تقديرًا لعطائها في خدمة الرياضة القارية    استعدادا لمواجهة بوتان وجزر القمر.. المنتخب الأول يبدأ معسكرة الخارجي في القاهرة    الدكتور حمود العودي واستدعاء دون عودة    لملس يناقش مع "اليونبس" سير عمل مشروع خط الخمسين ومعالجة طفح المجاري    الكثيري يطلع على مجمل الأوضاع بوادي حضرموت    رئيس تنفيذية انتقالي شبوة يدشن مهرجان شبوة الأول للعسل    الدراما السورية في «حظيرة» تركي آل الشيخ    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    صنعاء : قرار تعيين ..    لحج: الطليعة يبدأ بطولة 30 نوفمبر بفوز عريض على الهلال    صنعاء.. تعمّيم بإعادة التعامل مع شبكة تحويلات مالية بعد 3 أيام من إيقافها    إدريس يدشن حملة بيطرية لتحصين المواشي في البيضاء    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    وبعدين ؟؟    اليوم العالمي للمحاسبة: جامعة العلوم والتكنولوجيا تحتفل بالمحاسبين    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    مرض الفشل الكلوي (27)    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياليتني كنت جسراً حينما عبروا
نشر في المصدر يوم 06 - 10 - 2013

ما المجد ؟! إنه خلاصة المواقف العظيمة. والعبور إلى النصر في موقف الشرف كالعبور إلى القلوب كلاهما مجد . وكلاهما يحتاج إلى مؤهلات واستعداد ؛ الأول كانت عدته الثبات وجسوره الصبر على الصعاب في المنعطفات وهو ما حققه العابرون في ملحمة أكتوبر العظيمة , والثاني كان جسره الصدق وامتلاك مهارة التعبير عنه ، وهذا ما حققه المقالح .
والوصول إلى القلوب وستمالتها ليس بالأمر الهين .. فذاك علم يكتسب ومهارات تعلم لا توهبها الفطرة وملامح الوجه البشوش ؛ كما قد يظن كثير من الناس . جسر المقالح مشيد من أحاسيس ومشاعر صادقة تخاطب الأفئدة ، هو أقوى وأمتن جسر وأطول عمراً من أي جسر في العالم إذا قسناه بالأيام والسنين فهو لا يتقادم ولا ينهار كبقية الجسور الخرسانية التي لا محالة ستنتهي وبصدأ حديدها لتستبدل بأخرى أو يستغنى عن خدماتها مع تطور العلم والتكنولوجيا , أو عند انتهاء مبرر وجودها ، إلا جسر المقالح ! لأنه غير تقليدي لا تؤثر عوامل التعرية فيه ولا كهولة الزمن لأنه فكر وموقف.

وهج النصر .. قصة من عبروا
العبور .. القصيدة الرائعة التي عبر بها الشاعر العظيم الدكتور عبد العزيز المقالح إلى قلب مصر متغنياً بوهج النصر وقصة من دكوا بأرواحهم وهم خط برليف ، يوم كان للعرب موعد مع الكرامة لم يدركوا موعده منذ سنين , في السادس من أكتوبر للسنة الثالثة من عقد سبعينيات القرن الماضي بعد سبات نوم عميق.

كانت العبور "القصيدة" شاخصة بإلحاح ومازالت حاضرة كجسر عبور إلى القلوب والعقول بألق النصر وعذوبة الذكرى الجميلة وقصة من عبروا : " عبورهم أذهل الدنيا / وموقفهم تسمرت عنده الأقلام والسير". وكأن العبور لسان حال كل يمني في هذا الموقف عبر عنهم المقالح بهذه الكلمات والمشاعر الصادقة التي تزيد من وشائج الاحترام والتقدير بين مصر واليمن وتفوح بأريج المصير المشترك في الأفراح والأتراح .

إنه صدق التجربة الشعرية الذي يؤكد أن أعذب الشعر أصدقه لا العكس ؛ ففي كل سطر أو عجز من أبيات العبور؛ الخلاصة والختم الممهور لنضج العلاقات المتينة التي تربط الشعبيين الشقيقين اليمني والمصري وتتويجاً لآلاف السنين من التواصل الحضاري والتاريخي بين الشعبين منذ عهد الدولة اليمنية القديمة سبأ وزيارة الملكة الفرعونية حتشبسوت لبلاد بونت والتي هي اليمن كما أكد لي عالم الآثار الدكتور عبدالحليم نور الدين رئيس هيئة الآثار المصرية السابق ذات لقاء جمعني به، وعلاقات من التلاقح الحضاري وقوافل المر والبخور اليمني تطوي الصحاري والقفار لتعطر معابد الفراعنة بعبقها الفواح علاقات عمدت بالمسند والهيروغليفي لتتوج في العصر الحديث بأطهر دم مصري سال على أرض اليمن دفاعاً عن ثورتها للانعتاق من براثن التخلف إلى عصر النور، هذا ما اختزله أخر بيت في (العبور) حتى تمنى المقالح بلسان كل يمني أن يكون جسده جسراً تمر عليه قوافل التحرير وخوذات وبيادات العابرين من خير جند الأرض إلى الضفة الأخرى من قناة السويس إلى سيناء إلى الأرض المقدسة لتدك سلاح المعتدين ولتهد استراتيجية خط برليف التي ظنوها لا تقهر كأحد أعظم معجزات التكنيكات العسكرية في العصر الحديث .. ولكنهم وعبروا.

(وودت لو كنت يوماً في مواكبهم.. أو ليتني كنت جسراً حينما عبروا ) , بيت يكتب بماء الذهب فكم نحن اليمنيين شعب أصيل يستمد أصالته من تراكم حضاري يمد جذوره في أعماق التاريخ , لا ننكر ولا ننسي جميل الموقف ونبل الهدف المصري في الدفاع عن الثورة اليمنية وفي بناء مداميك العلم والثقافة في جبال ووديان وسهول اليمن.

في صباح يوم مشرق بالمستقبل يوم السادس من اكتوبر 1973 كان الأمل وكانت البشرى لجيل ظل يجتر إرثاً لحضارة عربية عظيمة غابت وطال أفولها.

إن قراءة العبور القصيدة مشاركة منا لإخواننا أبناء الكنانة فرحتهم بذكرى النصر, نفرح معهم لأن هذا النصر فرحتنا جميعاً من المحيط إلى الخليج . وهذا الألق هو غصن في دوحة وطن جميل أسمه اليمن ، إنه وهج شاعر عظيم ورمز وطني بارز, إنه الدكتور عبدالعزيز المقالح , من تعدى حواجز المكان واختزل حدود الجغرافيا وفواصل الزمان، يسكن الوطن العربي فيه ويسكن فينا، يعيش في منزل متواضع في مدينة عريقة تقع في ركن من أركان وطننا العربي الكبير هي التاريخ هي صنعاء.

وقفة المشهد الواقعي
(العبور) القصيدة قرأتها بتضاريس الحقيقة وكتبت أبياتها بأناملي على رمال سيناء في الضفة الأخرى من قناة السويس وعلى بقايا خط برليف الشط الأخر في أرض سيناء المقدسة شاهدت خط برليف على الواقع واستعدت حدث الانتصار وعبور خير جند الأرض من تمنى المقالح في قصيدته (العبور) أن يكون جسر وصلهم إلى الشط الآخر إلى خط برليف بمجنزرات النصر وخوذات الكرامة تمر لترفع العلم المصري على رمال سيناء ., وكم استأت أن كثيراً من مثقفينا لم يقرأوا ولم يسمعوا بهذه القصيدة.

إن ملحمة العبور تؤكد أن النصر العربي قادم لا محالة مهما عبست الأيام وتباعدت بجفاها وبدأ شفق النصر بعيداً , ومهما تكالبت مثبطات العزائم اليائسة بأطروحاتها وألوانها المختلفة، يظل الحلم أملاً مشروعاً للنهوض من جديد , بناة حضارة نسطر تاريخنا الجديد وحضاراتنا الممتدة المتجددة ، لنبني جسوراً وطاقة نور تشيع ثقافة الأمل أمام أجيالنا, وما ثورات الربيع العربي الا نماذج على الصحوة وأمثلة للنهوض.

في البدء كانت الكلمة وفي الختام
(العبور) بكلماتها البسيطة ربما سطرها هذا العلم الكبير المتفاني في خدمة ثقافة أمته في لحظات أو لحظة من الزمن مستلهماً وقع الحدث حينها؛ قد يراها الآن وربما غيره أنها من بدايات تجربته الشعرية مقارنة بدرر ما بعدها من ديوان الشعر الأجد وقصائد العبقرية الشعرية .

(العبور) القصيدة تملكتني وتوحدت معها معناً ومبنى وتجربة شعرية صادقة مكتملة النضج في بساطتها هذا هو الشعر الذي لا يموت وهذا هو الأصل ؛ والتراكيب الشعرية والإعلال والزحاف في أعجاز و أشطار البيت الشعري في المدرسة النقدية هو الاستثناء عندي .

البساطة جعلتها تصل إلى شرائح الناس المتباينة وتصل بمضمونها إلى قلوبهم لأنها أنسنت الأحداث وعبرت عن موقف أمة . هي عندي وعن تجربة واقعية إن أحسن تسويقها تقوم بعمل ألف ملحق إعلامي وثقافي وألف سفارة.

أقرأ القصيدة , وإن كنت من متذوقي الشعر ومحترفي قراءة المعاني وما بين سطور الكلمات ستصل إلى البيت الأخير مزهواً، مبتسماً بعينين تذرفان الدمع ..هذا ما كان معي . نعم في البدء كانت الكلمة.. وهي في الختام لا شك !

وما زال للنصر ذكرى وللموقف ثبوت في ذاكرة الزمان والمكان , ومازال الشعبان اليمني والمصري على وجه البسيطة ستظل تلك الكلمات التي قيلت في معترك الواجب خالدة إلى أن يشاء الله , ترسخ العلاقات وتوطد الوشائج في حنايا القلوب وجسراً للعبور إلى قلب مصر وأجيالها . لمصر أم الدنيا في ذكرى العبور, السلام والنصر الدائم في مختلف الميادين. وللدكتور عبدالعزيز المقالح شيخ المثقفين وإمامهم, المتبتل في محراب الإبداع حباً ودعاء بدوام الصحة وحب الناس.

العبور
شعر/ د. عبدالعزيز المقالح
لا الليل في الضفة الأخرى ولا النذر/ ولا الدماء كما الأنهار تنهمر
ولا الذئاب وقد أقعت على حذر/ وحولها تزأر النيران والحفر
لا هذه سوف تثنينا ولا خطر/ يصد جيشاً دعاه الثأر والظفر
جيشاً تمرد صبراً في مواقعه / وكاد في الإنتظار المر ينفجر
مضى ليثأر من أعدائه ومضت / في ركبه الشمس والتاريخ والقدر
يا عابر البحر كان البحر أغنية / والشط عاشقة تومي وتنتظر
ترنو إليك بأجفان مقرحة / وقد عبرت إليها وانتهى السهر
هبطت سيناء على أسم الله منتصراً / فضوأت واشتوى في نارها الخطر
سيناء من قلب مصر كيف يفصلها / جان وعن روحها تنبو وتحتضر
ظنوك، سيناء للأغراب مزرعة / وفي رمالك يزكو الماء والثمر
تسللوا عبر ليل لا نجوم به / وأصبحوا وهم السمار والسمر
لكنهم حصدوا موتاً وعاصفةً / وفوقهم تقصف الأشجار والمطر
تقهقروا خلفهم رعباً بلا أمل / وقيل لن يقهروا يوماً وقد قهروا
تساقطوا كفراشات ملونة / في الرمل واحترقوا في النار أو أسروا
يا عابر البحر ما أبقى العبور لنا / وما عسى تصنع الأشعار والصور
تقدموا عبر ليل الموت ضاحكة / وجوههم وخطوط النار تستعر
وأشعلوا في الدجى أعمارهم لهباً / للنصر واحترقوا فيه لينتصروا
عبورهم أذهل الدنيا وموقفهم / تسمرت عنده الأقلام والسير
وددت لو كنت يوماً في مواكبهم / أو ليتني كنت جسراً حينما عبروا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.