منذ تأسيسه في سبتمبر 1990، مرّ الإصلاح بمراحل مختلفة واكتسب خبرات كثيرة وخاض تجارب عديدة، وكان هذا التأسيس قد حصل بالبناء على إرث الحركة الإصلاحية اليمنية الممتدة منذ حركة التجديد المذهبي التي خاضها الأئمة المجتهدون المقبلي الصنعاني والشوكاني، مروراً بحركة الأحرار اليمنيين التي قادها الزبيري والنعمان، وصولا لتأسيس كل من الجمعية الإسلامية والمعهد الإسلامي من قبل عمر طرموم والشيخ البيحاني في عدن، ثم تأسيس المركز الإسلامي في تعز على يد المخلافي ورفاقه، إلى تأسيس حزب المنبر الإسلامي من قبل عمر طرموم وفيصل بن شملان وعلي هود باعباد في حضرموت ، وبالتالي كان هذا التأسيس للإصلاح الحزب لا التيار. ضم الحزب عند تأسيسه مختلف ألوان الطيف اليمني من علماء دين ومفكرين ومثقفين وقبائل ومن عموم المواطنين، وكان هذا التنوع انعكاساً للتنوع الذي يتسم به المجتمع اليمني، وقد استطاع الحزب أن يعبر مختلف مراحل مسيره حتى الآن بتناغم لافت وعجيب بين هذه المكوّنات، ما يعني نجاحه في جمع منتسبيه على أهداف وطنية عامة تستوعبهم بتنويعاتهم المختلفة..
وبالرغم من السمت السلفي العام للحزب عند بدايات التأسيس والذي يمكن إعادته إلى حالة الاستقطاب الأيديولوجي التي سبقت قيام الوحدة وتلتها بين القوى الاشتراكية والقومية واليسارية من جهة وبينه كممثل شبه وحيد للخط الإسلامي، علاوة على احتواء صفوفه القيادية على عدد غير قليل من الشخصيات العائدة من السعودية والمتأثرة بالفكر السلفي، إلا أن اللافت أن مسمى الحزب دل على حالة تنوير إسلامي متفردة، حيث لم يحمل مسماه أي إشارة إلى أنه حزب إسلامي، بل حمل دلالة أنه حزب يمني يهدف لتجميع جهود اليمنيين بغية تحقيق الإصلاح الشامل.
بعد مشاركته في الائتلاف الحاكم بعد وفقًا لانتخابات 93، وعقب ظهور نتائج انتخابات 97؛ عاد الإصلاح إلى المعارضة في مهمة إنقاذ البلد من مرامي الحاكم الذي بدأ في تحويلها إلى ملكية جمهورية، وقد ساهم الإصلاح في تجميع شتات المعارضة الوطنية تحت ما سمي لاحقًا ب"اللقاء المشترك"، وقد كان اللقاء المشترك في واقع الأمر تجمعاً لأعداء الأمس الذين تنبهوا إلى أنهم لن يجدوا فيما بعد وطناً يمارسون فيها اختلافهم، وهو ما أربك نظام الحكم وجعل رئيسه يسخر غير مرة باستفهامه الشهير "هل كفر الإصلاح أم أسلم الاشتراكي"، لكن المهمة الأكبر كانت تقبل قواعد هذه الأحزاب لفكرة التحالف..
خاض الإصلاح جهداً فكرياً داخلياً لغاية تهيئة صفه لقبول هذا التحالف، كما شهد الحزب بمضارعة ذلك حراكًا تنويريًا لافتاً ذوى خلاله الخطاب الديني إلى حد بعيد وحضر بديلاً عنه الخطاب الإنساني الوطني الجامع الذي يدعو إلى قيام دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية، الدولة التي تعلي من سلطة الشعب، وتحرر الوطن من عقدة الحكم الفردي المتسلط، وفي حين نجح الإصلاح في جر صفه الواسع إلى حاضنة اللقاء المشترك، عانت باقي أحزاب المشترك من تسرب كثير من قواعدها إلى أحزاب أو فعاليات سياسية أخرى، فيما تفاعلت القيادات الوسطى والعليا لهذه الأحزاب في معظمها مع المشروع النضالي للقاء المشترك، ليكون جسد المشترك وفق ذلك أقرب إلى قواعد إصلاحية غالباً وقيادات اشتراكية وناصرية أكثر حضوراً وإلهاماً كأمثال د.ياسين سعيد نعمان ومحمد غالب أحمد وعلي الصراري وعيدروس النقيب وسلطان العتواني ومحمد الصبري، وغيرهم.
لكن مرحلة جديدة من العمل السياسي تشكلت بعد ثورة فبراير وخصوصاً مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني، وقد اتسمت هذه المرحلة بظهور تباينات في صف المشترك حول بعض القضايا المصيرية في الحوار، بينما في الطرف الآخر رأس النظام السابق -مستغلًا مقدرات البلد التي استحوذ عليها ورئاسته لحزب المؤتمر الشعبي العام - يشتغل على إجهاض الحوار الوطني عبر تحالفه مع الحراك الجنوبي- وهو الذي كان قد حصد من أصوات الجنوبيين في انتخابات الرئاسة أكثر من منافسه الجنوبي بن شملان؛ بحيث تحولت قواعد الحزب في الجنوب مع بداية ثورة فبراير جزئياً، ثم بعد توقيع المبادرة الخليجية بشكل شبه كلي إلى صفوف الحراك الجنوبي ، ومثله حصل في مختلف محافظات الشمال عبر التحالف مع الحوثيين، مع إخفاق الرئيس هادي حتى الآن في الاستحواذ على موقع رئاسة حزب المؤتمر.
يوصلنا هذا المشهد السياسي المتناقض إلى الصورة التالية: حزب كبير يمثل الرافعة الأساسية للمشروع الوطني، قوة رسمية يبدو أنها تعمل لصالح المشروع الوطني، أحزاب عريقة لا تستطيع التحكم بقواعدها وتتبنى رؤى غير واضحة، وقوى تعمل لمشاريعها الخاصة بعيداً عن المشروع الوطني، وبجوار ذلك كتلة كبيرة من المثقفين والكتاب وشباب الثورة وكذلك المغادرين أحزابهم، تريد العمل للمشروع الوطني ولكن ليس على طريقة هذا الحزب أو ذاك، وفي الوقت ذاته غير قادرة على تقديم نفسها في كيان منظم يدخلها دائرة الفعل.
وأمام هذا الوضع يقف استحقاق مهم أمام المشترك عموماً والإصلاح على وجه الخصوص في مساعدة هذه الكتلة العريضة على التشكل والظهور ورفد الساحة السياسية كقوة جادة تدفع بمقطورة المشروع الوطني إلى الأمام، ليس ذلك فحسب بل للعمل على جر الحركة الحوثية إلى الانخراط في العملية السياسية كحزب لا كعرق يعتقد أن لديه الحق الإلهي في الحكم، ذلك أن الوطن كي يمر بهذا المخنق التاريخي بحاجة إلى تضافر جهود كافة أبنائه المخلصين.
قد يتبادر إلى ذهن البعض أن الإصلاح كحزب يستفيد من حالة تفرده بالحالة السياسية الجادة، والواقع أن الحزب حين يفكر بهذه الطريقة فإنه يضع مصلحة الحزب أمام مصلحة الوطن، وهو ما نستبعده لدى حزب كالإصلاح قدم الكثير من التنازلات وتحلى بالكثير من نكران الذات لصالح المشروع الوطني الجامع، وعليه فإنه مطالب اليوم ومعه شركاؤه في المشترك بأن يبادر إلى مد يده وبذل خبرته لمساعدة هذه القوى على التشكل كقوى وطنية تنافسه منافسة حقيقية، وهذا ليس على سبيل الرجاء؛ فالإصلاح لم يعد شأناً خاصاً بالإصلاحيين وحدهم، بل أصبح شأناً عاماً يعني كل اليمنيين.