قال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان إن هناك أشياء خاطئة في اليمن معتبرا أن الحكومة المركزية ضعيفة في صنعاء وتحكم على مجموعات مختلطة من القبائل القروية مستخدمة اسلوبا ارتجاليا من الحماية والتعاون والفساد والقوة. وأضاف في مقالة له نشرتها صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون إن هناك مساحات واسعة من البلاد تظل خارج اطار السيطرة الحكومية، وخاصة في الجنوب والشرق، حيث وجد ما بين 300 الى 500 من مقاتلي "القاعدة" مأوى لهم. مضيفا أنه ومع ذلك تمكنت "الطريقة اليمنية" من الابقاء على تماسك البلاد ودفعها الى الامام بحذر رغم الحركات الانقصالية في الشمال والجنوب. الا ان ذلك الاسلوب العتيق والتسارع في تحقيق الاشياء لم يعد بامكانه ان يسابق الخطوات السلبية.
نص المقالة لم يتردد رئيس الوزراء اليمني السابق عبد الكريم الارياني في التعبير عما كان يدور في خلده عندما وصلت الى منزله في صنعاء للعشاء: "اذاً، يا توماس، هل احتاج مجيئك الى هنا في نهاية الامر الى (النيجيري عمر الفاروق) عبد المطلب؟". واعترفت بان هذا صحيح، اذ لأن ذلك النيجيري الشاب الذي دربه تنظيم "القاعدة" في اليمن حاول نسف طائرة ركاب لشركة "نورث ويست" في يوم عيد الميلاد، قررت أن أرى اليمن رأي العين مباشرةً. واعترفت أيضا للارياني: "كنت قلقاً إلى حد ما في مجيئي إلى هنا. توقعت نصف توقع أن يستقبلني عند أسفل سلم طائر الخطوط القطرية التي حملتني أسامة بن لادن نفسه".
لكن من حسن الحظ أنني وجدت أن صنعاء ليست كابول وان اليمن ليست افغانستان – او هي ليست بعد مثلها. وكانت صنعاء القديمة المحاطة بالاسوار والمعتبرة حسب تصنيف الاممالمتحدة موقعاً تراثياً عالمياً بما فيها من مبان مقامة من اللبن الطيني مزينة باشكال هندسية، حافلة بالمقاهي في الليل والباعة في النهار. وبينما كنت امشي عبر شوارعها مع صديق يمني، صادفنا اربعة رجال يمنيين ملتحين متقدمين في العمر – وكانت الجنبيات (الخناجر) التقليدية معلقة باحزمتهم – وهم في نقاش بشأن ملصق على جدار حجري يحض "الآباء والامهات" على ارسال بناتهم الى المدارس. وعندما سألت عن رأيهم في تلك الفكرة، قال الاكبر عمراً بينهم: "انني على استعداد للتخلي عن جزء من طعامي كل يوم لتستطيع بناتي تعلم القراءة". واضاف ان الملصق سقط للتو على الارض وانه اعاد لصقه على الجدار ليراه الناس الآخرون. ولم يكن جوابه ما توقعت. بل انني لم اكن اتوقع ان اجد منظمات اجتماعية مدنية هنا يعمل فيها شبان اميركيون متطوعون – وبالمناسبة فان قاعة الاخبار باكلمها في صحيفة "ذي يمن اوبزرفر" الناطقة باللغة الانكليزية، تعج بهم. ولم يكن امامي الا ان انظر الى هؤلاء الاميركيين من طلاب الجامعات والمتجولين واسألهم "هل يدري اولياء اموركم انكم هنا؟" وكان ردهم انهم ضحكوا.
وقد استهزأ كل صاحب دكان تحدثت اليه في صنعاء القديمة بتعبير "القاعدة"، التي يتهمونها بقتل السياح. يمكن تشبيه "القاعدة" بالجرثومة، التي يوحي ظهورها بين الملأ على ان هناك خطأ في نظام الحصانة في البلاد. وهناك أشياء خاطئة في اليمن. فهناك حكومة مركزية ضعيفة في صنعاء تحكم على مجموعات مختلطة من القبائل القروية مستخدمة اسلوبا ارتجاليا من الحماية والتعاون والفساد والقوة.
وهناك مساحات واسعة من البلاد تظل خارج اطار السيطرة الحكومية، وخاصة في الجنوب والشرق، حيث وجد ما بين 300 الى 500 من مقاتلي "القاعدة" مأوى لهم. ومع ذلك تمكنت هذه "الطريقة اليمنية" من الابقاء على تماسك البلاد ودفعها الى الامام بحذر رغم الحركات الانقصالية في الشمال والجنوب. الا ان ذلك الاسلوب العتيق والتسارع في تحقيق الاشياء لم يعد بامكانه ان يسابق الخطوات السلبية.
وفي هذا الشأن يمكننا ان ندقق النظر في بضعة ارقام: فنسبة النمو السكاني في اليمن تقارب 3.5 في المائة، وهو ما يعتبر من بين اعلاها في العالم. ولا تتجاوز اعمار 50 في المائة من سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليونا سن ال15، واعمار 75 في المائة سن ال29. ونسبة البطالة تتراوح بين 35 و 40 في المائة، ومرد ذلك جزئيا الى ان المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى طردت مليون عامل يمني بعد ان ساند اليمن صدام حسين في حرب الخليج للعام 1990. ولاسباب تعود لسوء التخطيط والنمو السكاني فان اليمن سيكون اول بلد تشح فيه المياه خلال 10 – 15 عاما. وهناك الكثير من اليمنيين الذين يعانون في الوقت الحاضر من انقطاع خدمات المياه، وهو شبيه بانقطاع التيار الكهربائي الذي يتعايشون معه باستمرار. وفي المناطق القروية اليوم تضطر المرأة للسير لاربع ساعات في اليوم الى ان تعثر على بئر صالحة للمياه. وقد انخفض مستوى المياه في صنعاء كثيرا لدرجة ان على المرء ان يسخدم اجهزة الحفر للعثور عليها. وهو امر لا يساعد على مضغ القات التقليدي في اليمن، الذي يستهلك 40 في المائة من مصادر مياه اليمن كل عام.
وبنسبة تقريبية فان 65 في المائة من الأساتذة اليمنيين لم يحصلوا إلا على الشهادة الثانوية. كما ان معظم الناس هناك يعيشون على اقل من دولارين اثنين في اليوم – باستثاء القلة من لا يندرجون تحت هذا البند. فقد بيعت سيارة "رولز رويس" اخيرا في صنعاء للمرة الاولى. كما ان اكثر من 70 في المائة من الدخل الحكومي يأتي من عوائد صادرات النفط المتخاذلة بينما 70 في المائة من الاهالي في اليمن من الاميين و15 في المائة من الصبية لا يلتحقون بالمدارس. ورغم ذلك فان في اليمن عددا من افضل الصحافيين والنشطاء الاجتماعيين والسياسيين المرموقين ممن التقيت بهم في العالم العربي. وقد امضيت صباح احد الأيام في منتدى الإعلام النسوي، وهو منظمة غير حكومية تقوم على تدريب الصحافيات اليمنيات وتروج للحرية الصحافية، ويعتبر المنتدى جزءا من "حرس الشباب" من الاصلاحيين اليمنيين المثاليين الذين يريدون خدمة شعوبهم الا انهم حتى الان لم يجدوا التأييد من القيادة القديمة. وقامت داعية الحرية الصحافية اليمنية رحمة حجيرة بتأسيس المنتدى. ويعج مكتبها بالفتيات اللائي يدفعهن تعطشهن لتفريغ أفكارهن عبر الثوب الأسود الذي يغطي كل شيء إلا عيونهن. لا يحتاج إصلاح هذه البلاد إلى معجزة، كما يقول الاستشاري الإعلامي اليمني محمد الاسعدي. واضاف الى ذلك مدير مكتب "الجزيرة" في صنعاء مراد هاشم: "نحن بحاجة الى ثورة ضد الوضع القائم، الى بناء الطاقات والمؤسسات وحكم القانون والى ثقافة الملكية والمسؤولية. ونحتاج الى مزيد من التعليم وان كنا لم نستفد من مثقفينا". صحيح ان اليمن يملك مصادر يمكنها إنقاذ ذاتها، إلا انه بحاجة إلى استغلالها من قبل حكم أفضل. ومن دون ذلك، فان خطوط الاتجاه سوف تسيطر بالتالي على كل شيء، وجرثومة "القاعدة" التي لا تزال تحت السيطرة حاليا فانها ستنتشر".
* كتب هذا المقال أثناء تواجد الكاتب في صنعاء ونشر في صحيفة "انترناشنال هيرالد تربيون" القدس