بالنسبة للأنظمة العربية والقوى المناوئة للإخوان وتفريخاتهم في عموم الوطن العربي صارت مسألة شيطنة الإخوان مسلّمة من المسلّمات الضرورية لسحق جماهيريتهم. ثمة فارق في اليمن يتمثل في أنّ القوى اليسارية والقومية المناوئة للإصلاح (الإخوان) في الأوطان العربية متحالفة معه في إطار اللقاء المشترك في مواجهة نظام صالح العائلي باستثناء بعض القوى محدودة التأثير.
تُدار حسابات الشيطنة في اليمن وفق حسابات سياسية متنوعة ومتعددة الأطراف وكل يديرها بحسب مصالحه ورؤيته، ورغم تعدد الرؤى والمصالح إلا أن الجميع يلتقي في مسألة شيطنة حزب الإصلاح (الإخوان) بطرق تُوحي بوجود تنسيق مسبق؛ له خططه وبرامجه المعدة إعداداً جيداً.
لماذا الإصلاح تحديداً؟ رغم استياء شريحة يمنية واسعة من أداء الإصلاح الحكومي وفي مؤتمر الحوار الوطني، وخاصة لدى المثقفين، إلا أن الجميع - ومنهم شركاؤه في الثورة من القوى القومية واليسارية – يجمعون على أن الإصلاح بات – إلى جانبهم – صمام أمان وطني هاماً في مواجهة المحن التي تكاد تعصف بالوطن.
فكما أن وسطية الإصلاح الإسلامية واعتداله، وعدم مغالاته في التطرف، وتجاوزه الرؤية المذهبية إلى الرؤية الإسلامية الصرفة، تركت له صدًى إيجابياً في الأوساط المذهبية (زيدية وشافعية وصوفية)– سابقاً - إلى جانب رؤيته ومشروعه الوطني وقوة حضوره وانتشاره، فإن كل تلك العوامل في الراهن كفيلة بجعل الإصلاح أكثر قدرة على مواجهة التطرفات الدينية، وأصحاب المشاريع الصغيرة، الطائفية المذهبية أوالسلالية، أو العائلية أو الانفصالية.
كل أصحاب المشاريع الصغيرة يُدركون قوة الإصلاح الكامنة ومعنى أن يكون وجوده في العمق اليمني حجر عثرة، في مواجهة وصد مشاريعهم، لذا تجدهم رغم اختلاف أفكارهم ومشاريعهم ونزوعهم السياسي يوحّدون أهدافهم في مواجهة الإصلاح (الإخوان)، أو الشبح الذي بات يقض مضاجع الخفافيش، لهذا يركزون جهودهم المادية والإعلامية وأنشطتهم السياسية والاجتماعية لتشويه صورة الإصلاح أمام الشارع في محاكاة سافرة لما حصل في مصر من شيطنة للإخوان، لهذا هم يسوّقون لفشله حكومياً ويروّجون لسيطرته على مفاصل الدولة، ويعزون سُوء الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية لفشل إدارته بهدف إسقاطه شعبياً، رغم إدراكهم بأن الإصلاح لا يقبض سوى على ثلاث وزارات، وغير قادر على السيطرة عليها وإدارتها، لتغلغل بقايا النظام السابق فيها، فيما مازالت نصف الحكومة تحت سيطرة وزراء صالح، ولا أحد يشير إلى فشلهم أو إلى فشل غيرهم من المشاركين في الحكومة.
صحيح أن الإصلاح لا يمتلك كاريزما سياسية، لكنه يمتلك قوة تنظيمية جبارة ونفوذاً قبلياً واسعاً، وكذلك نفوذ لا بأس به في الأوساط العسكرية، وقدرة تؤهله لمواجهة أصحاب المشاريع الصغيرة؛ لما سبق لن يكون غريباً أن نسمع تعاضد الأبواق الإعلامية لأصحاب المشاريع الصغيرة واتحاد هدفها في الترديد بين كل فينة وأخرى عبارات التخويف من الإخوان (الإصلاح) وأهداف الإخوان ومشاريع الإخوان الجهنمية وخطرهم على الأوضاع داخلياً وخارجياً.
أصحاب المشاريع الصغيرة، رغم علاقاتهم التاريخية البينية المتوترة سياسياً وعسكرياً، اتحدوا في العداء والهدف ضد الإصلاح، لذا لن يكون مدهشاً أن يسلم صالح صعدة أثناء الثورة للحوثيين، وأن يهيِّئ لهم مناخات إيجابية للتواصل أفقياً مع قيادات وشخصيات المؤتمر في عموم الوطن، بل وسخّر كل مسؤوليه في الدولة لهم، وهو ما أتاح لهم فرض الانتشار والتمدد على حساب المؤتمر، اعتقاداً من صالح بألاّ إمكانية لمقارعة فكر الإصلاح بغير فكر مناوئ، كل هذه التقاربات تأتي للإطاحة بالإصلاح رغم الحروب الست الدامية بين الفريقين في صعدة.
وفي المناطق الجنوبية، تناسى البيض كراهيته لصالح التي كانت نبتاً لحرب صيف 1994، وراح ينسق معه للاستعانة بأنصاره المعادين للثورة الشبابية ليؤججوا نيران الحراك الانفصالي في التظاهرات والمساهمة في رفع الأعلام الانفصالية وحمل الأسلحة في مواجهة شباب الثورة من أبناء المناطق الجنوبية وكل ما هو شمالي، والتوجيه بحرق مقرات الإصلاح، وصب جام غضب وكراهية وسائل إعلام البيض عليه، هذا رغم أن كل يمني يؤمن بأن صالح وحزبه كانا سبباً للفساد في أرض الجنوب اليمني، وإحباط نفسيات المواطن هناك، إلا أن البيض يدرك بالبديهة خطر شعبية الإصلاح جنوبياً على مشروعه الانفصالي، لهذا تتناسى وسائله الإعلامية حتى التذكير بفساد صالح وخراب مالطا على يديه.
لم تقف عدوى شيطنة الإصلاح (الإخوان) عند ثلاثي الوباء السلالي والعائلي والانفصالي، فقد انتقلت أيضاً إلى قلب البعث العربي – الموالي لصالح – الذي يبدو كمن يؤسس لفكرة عمالة الإخوان ل"سي آي إيه" منذ تأسيسهم، أفكار البعث هذه تروّج من خلال أفراده وبعض الملازم التي توزّع على خاصتهم، وفوق هذا ثمة قوى خارجية معروفة تقف إلى جانب القوى الداخلية مادياً وإعلامياً لتحقيق إما مصالح نفوذ أو إعادة مكتسبات أطاحت بها الثورة الشبابية، وتجد أن الإصلاح كان أساساً في سقوط مصالحهم ومكتسباتهم.
الآلة الإعلامية لكافة الأطراف ما تزال إلى اليوم تعمل ضد الإصلاح لخلق حواجز ذهنية ونفسية بينه وبين أطياف الشعب، ولخلق جو من الاستعداء والكراهية له والخوف منه، فيما لا تتعداه إلى غيره من تيارات وأحزاب اللقاء المشترك، الشريك الأساسي له في قيام ونجاح ثورة 11 فبراير أو إلى وزرائها أو إلى مساوئ إدارة وزراء صالح في الحكومة ولو من باب الإنصاف والمساواة في النقد.