كلما أسرفت مجموعات الحراك الانفصالي المسلح في إظهار طبائعها العدوانية، ومارست عدوانيتها على المواطنين في المحافظات الجنوبية؛ ازادت نسبة الطمأنينة في داخلي بفشل مشروعهم في تمزيق اليمن؛ لأنهم بهذه العنجهية الفاشية يؤكدون صحة ما يعرفه الناس عن تاريخهم الدموي، وخاصة في عدن وحضرموت! هذه مقدمة قصيرة جداً؛ تعليقاً على ما جرى الاثنين الماضي من اعتداء مجاميع مسلّحة على احتفالات شعبية في عدن بذكرى الثورة الشعبية، والاعتداء على مقر الإصلاح بكل تلك العدوانية المتأصلة في تاريخ زعماء هؤلاء الفاشيين.
الفاشي الانفصالي ناصر خبجي سبق أن هدد الإصلاحيين وحذرهم من ردود فعل غاضبة قد تعمّق الكراهية ضد الشمال إن احتفلوا في عدن بذكرى الثورة ضد علي صالح بزعم أنها احتفالات تدعم الوحدة اليمنية، وبزعم أنهم يستقدمون المتظاهرين من الشمال (يتصرف مثل طارق الفضلي وكأنه يظن أن عدن ملك الوالد تركها ميراثا له!).. ورغم تلك التهديدات الصريحة إلا أن مواقع موالية للفاشيين الانفصاليين سرعان ما راحت تقلب الأمور، وتلصق الجريمة بالإصلاحيين بزعم أنهم هم الذين اعتدوا وقتلوا وخربوا!
ماذا يذكركم ذلك؟ الخالق الناطق: علي عبدالله صالح وإعلامه!
ألم يكن ديدن النظام السابق؛ قبيل تنفيذ الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لعائلة صالح مذابحها وجرائمها ضد المعتصمين السلميين في ساحات الاعتصام؛ أن يحذر ويتوعد على لسان صالح نفسه حتى وصل الأمر إلى حد تنظيم لقاءات مع من يسميهم قبائل حول صنعاء ويحرضهم ضد المعتصمين، ويطالبهم بالتحرك في كل قرية وشارع لما أسماه «الدفاع عن أعراضهم وبيوتهم؟» ثم في أعقاب الجرائم التي كان بلاطجة صالح ينفذونها ضد الأبرياء؛ كان صالح وإعلامه يسارعون لإلقاء المسؤولية على الأبرياء، وتوزيع الاتهامات على الإصلاح، والقاعدة، والفرقة.. واستجلاب المعتصمين من محافظات أخرى، وإلباس الجنود ملابس مدنية!
لا جديد في منظومة الحكام السابقين أو الطامعين في العودة إلى السلطة.. هذا المشروع الانفصالي من ذاك المشروع التوريثي الإفسادي.. وأخوهم مشروع: نحن أسيادكم يا أبناء الجواري!
القاسم المشترك بين الأطراف الثلاثة: هو هذا الاستعلاء، والتحدث عن الشعب بمنطق المالك الذي اشترى اليمن أو ورثها أو حصل عليها في يانصيب!
الخبجي الفاشي الذي يجعل من الاحتفال بذكرى ثورة فبراير دعما للوحدة اليمنية لا يأتي بجديد في قاموس أميته السياسية والوطنية والإسلامية التي تجعله يرى هويتين وشعبين وتاريخين على جانبي خط حدود وهمي؛ لأنه يعلم تماما أن سقوط صالح هو سقوط لمشروع الانفصال.. ولذلك فخسارتهم في سقوط صالح تتساوى مع خسارته للسلطة!
ما يتجاهله الخبجي أن الشعب في الشمال هو الذي حمل قضيتهم إعلامياً، وروجوا لها في كل مكان؛ تعاطفاً مع الحقوق المسلوبة، وكرها في نظام صالح.. وها هم الآن يدفعون ثمن خطأهم في عدم التفريق بين المطالب الحقوقية والمؤامرات الانفصالية خوفا من اتهامهم بالعمالة لنظام صالح!
اليوم يدفع أهل الغفلة السياسية ثمن انجرارهم وراء تعاطفهم الأعمى مع دعوات ظاهرها الحق وباطنها الشر، وعدم قدرتهم على التفريق بين رفض النظام الفاسد والمستبد وبين رفض مؤامرات تمزيق اليمن: أرضا وإنسانا وهوية، وتمزيقه طائفياً.. وفشلهم في اتخاذ الموقف الصائب في الوقت المناسب ولو كان مُرا وعلقما!
اليوم علي صالح يسحب منهم البساط ويسارع - بدهاء معروف عنه – في التحالف أو التعاون مع الحوثيين وقوى انفصالية نكاية بالمعارضة التي حطمت كبرياءه وأجبرته على التنحي! وهو لن يجد أفضل من أصحاب مشاريع الانفصال وكهف المذهبية العنصرية لاستخدامهم لخلط الأوراق وإرباك الساحة الوطنية.. وواثقا أنه سيجد محسوبين على اللقاء المشترك يبرئون ساحته بصورة غير مباشرة عندما يدافعون ويبرئون ساحة الانفصاليين والعنصريين من التحالف مع صالح!
ولاحظوا كيف يحتفي إعلام صالح برموز الانفصاليين ورموز الحوثيين، وكيف يروج لتصريحاتهم وأحاديثهم؛ بل ويظهر تعاطفه مع مطالبهم وكأنه حمامة سلام!! وكيف يدافعون حتى عن سفن الأسلحة القادمة من إيران العدو السابق لصالح.. حتى يمكن القول إنه يرد الصاع صاعين لإعلام اللقاء المشترك الذي قام بالمهمة نفسها بداية اندلاع مشاكل صعدة والجنوب.. ومع أن الفارق بين الموقفين كبير؛ فاللقاء المشترك لم يصنع تلك المشاكل؛ إلا أن الخطأ الذي وقع فيه بعض المشترك أنهم ظلوا مهرولين في موقفهم الدفاعي والتبريري حتى عندما انكشفت المطالب الحقيقية للحراك الانفصالي وبانت الأنياب المذهبية العنصرية للحوثيين! وها هم الانفصاليون والعنصريون ينسون تقريباً عداءهم لصالح ويكرسون جهودهم لمواجهة المشترك والإصلاح خاصة.. ومن الموافقات أن هذا هو أساس ولب الخطاب السياسي والإعلامي للنظام السابق!
ولا أحد ينتبه.. أو أنهم ينتبهون ولكنهم يخافون البعبع الذي كان لهم دور في تكبيره بانتهازية البعض وغفلة البعض الآخر.. وها هم اليوم يبخلون ببيان واحد يستنكر تهديدات الخبجي ضد إقامة احتفال في عدن بذكرى الثورة بزعم أنه دعم للوحدة اليمنية يقوم بها شماليون مستقدمون من تعز وإب.. وقد كانوا قادرين على تشكيل رأي عام قوي داخل عدن يرفض التهديدات، ويفرمل فاشية الحراك المسلّح وينتصر لحرية الجميع، لكنهم فضلوا أن يسكتوا ويجعلوها مشكلة خاصة بين الإصلاح والانفصاليين!
*** ما يصنعه الحراك الانفصالي ليس جديدا في تاريخ الجنوب.. فهو أصلا إحياء لمشاريع تفتيتية قديمة، كان أبرز وسائلها: تعميق الكراهية والتنافر بين اليمنيين على أساس: شمال وجنوب.. وبين أهل المدينة وأهل الريف.. وبين أبناء كل منطقة وأخرى! وهي الأساليب التي ظلت متبعة بسذاجة في ظل الأنظمة التي حكمت بعد الثورة والاستقلال، وإن تلفعت بأسانيد ثورية عصرية!
لا نطالب بنسيان الخصم الأصلي المتمثل بالنظام السابق؛ ولكن لم يعد مفهوما عدم إعادة تشخيص المشهد السياسي بطريقة صحيحة، والسكوت على استشراء سرطان التفتيت والتقسيم والتمزيق تحت أي مبرر كان!