التقى مساعد أمين عام الأممالمتحدة ومستشاره الخاص لليمن جمال بنعمر، الجمعة، في نيويورك الأمين العام للمنظمة، بان كي مون، وأطلعه على مستجدات مؤتمر الحوار الوطني والتحديات التي تواجه العملية السياسية، وتطرق اللقاء إلى تقرير بنعمر الأخير إلى مجلس الأمن. وجدد أمين عام الأممالمتحدة دعمه لمهمة مستشاره الخاص لليمن، وحث جميع الأطراف على التعاون الوثيق معه، داعياً إلى الامتناع عن أية عرقلة للعملية السياسية والمشاركة بحسن نية في مؤتمر الحوار. طبقا لما أشار إليه بنعمر على صفحتيه الشخصية في «تويتر» و«فيسبوك». وهو ما اعتبر رداً واضحاً على الرسالة التي رفعها حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح في وقت سابق إلى أمين عام للأمم المتحدة ورئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي بخصوص طلب تغيير المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بنعمر، بعد أن اتهمته بالتحيز في مواقفه ضدهم.
وفي الفترة التي سبقت اجتماع مجلس الأمن كان بنعمر تعرّض لهجوم متواصل من قبل قيادات تابعة لحزب المؤتمر توصف بأنها موالية للرئيس السابق، واتهمته بتنفيذ أجندة صهيونية – أمريكية، وطالبت بمغادرته البلاد، لكن تلك الحملة هدأت قبل أيام قليلة فقط من تقديم بنعمر تقريره الأخير إلى مجلس، لتعاود هجومها مجددا بشكل أقوى عقب تقديمه تقريره الأخير.
ويأتي هذا الهجوم الأخير على خلفية تضمين بنعمر تقريره الأخير لمجلس الأمن إشارة إلى مساعي النظام السابق لإعاقة إتمام الحوار الوطني والعملية السياسية في البلاد في محاولة منه إلى إعادة الأمور إلى ما قبل العملية الانتقالية.
وقدّم بنعمر تقريره الدوري الأخير بشأن تقييمه لمسار العملية السياسية في اليمن إلى اجتماع مجلس الأمن الذي عُقد مساء الأربعاء الماضي الموافق 27 نوفمبر. وبموجبه أصدر أعضاء المجلس الدولي بياناً أدانوا فيه معرقلي التسوية السياسية وأية محاولات تهدف إلى تأخير أو إعاقة العملية الانتقالية وزعزعة الحكومة اليمنية «سواءً على أيدي أعضاء من النظام السابق أو السياسيين الانتهازيين» - على حد وصف البيان.
وبعد يوم واحد فقط من تقرير بنعمر وبيان مجلس الأمن، كشف موقع «المؤتمر نت» أن حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه رفعوا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون وإلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي بتاريخ 21 نوفمبر الماضي (لم يكشف عنها سوى الخميس الماضي بعد يوم من اجتماع مجلس الأمن الدولي)، تضمنت رصداً لتصريحات سابقة للمبعوث الأممي، وقالت إنها تتنافى مع دوره كوسيط محايد في القضية اليمنية.
في الوقت الذي أصدر فيه الحزب وحلفاؤه، الخميس الماضي، أيضاً بيانا هاجم بنعمر وطالب أمين عام الأممالمتحدة وأعضاء مجلس الأمن بتغيره واستبداله بمبعوث خاص آخر، واصفاً إياه بأنه أصيب ب«حالة جنونية» نتيجة تمسك المؤتمر بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
واتهمت الرسالة بنعمر بأنه «تخلى عن قواعد التسوية فبدلاً من تذليل العقبات نجده يعمّق الخلافات ويطلق من التصريحات عبر وسائل الإعلام المختلفة مما أظهر تحيزاً في مواقفه وخروجاً عن مبادئ وأسس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة».
واتهم حزب المؤتمر مبعوث الأممالمتحدة بالانحياز إلى أحزاب اللقاء المشترك والدفاع عن أطروحاتهم.
واستشهدت الرسالة بتصريحات سابقة لبنعمر بينها تصريح قال فيه إن «انتخاب اليمنيين للرئيس هادي بشكل كبير من الأصوات يؤكد على أنهم قرروا طي صفحه الماضي والبدء بصفحة جديدة خالية من صالح تماماً»، وقالت إن هذا التصريح «استفز المؤتمريين».
وطالب البيان أمين عام الأمم المتحد ب«إنقاذ الحوار في اليمن» عن طريق «تعيين مبعوث آخر له غير جمال بنعمر»، الذي اعتبره البيان «جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل».
لكن أعضاء مجلس الأمن الدولي لم يلتفتوا إلى تلك الرسالة وتلك المطالب، بل على العكس عززوا ثقتهم بالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وأكدوا مواصلة دعمهم لجهوده، جاء ذلك من ترحيب أعضاء مجلس الأمن في بيانهم الأخير «بالمساعي الحميدة للأمين العام، وبوجه الخصوص يؤكدون دعمهم لجهود المستشار الخاص جمال بنعمر».
كما أن أمين عام الأممالمتحدة هو الآخر جدد ثقته بمبعوثه الخاص إلى اليمن، خلال لقائه معه الجمعة الماضية، أي بعد يوم واحد من صدور بيان المؤتمر الشعبي وحلفاءه المطالب بتغييره، بل حث بان كي مون جميع الأطراف على التعاون الوثيق معه، داعياً إلى الامتناع عن أية عرقلة للعملية السياسية والمشاركة بحسن نية في مؤتمر الحوار.
ولم تقتصر حملة الهجوم والتشهير والتحريض الموجهة ضد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن على تلك الرسالة والبيانات والتصريحات بل تجاوزت ذلك إلى إنشاء صفحة جديدة على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) من قبل أنصار الرئيس السابق تحمل اسم «الحملة الشعبية لترحيل جمال بنعمر من اليمن»، وأنشئت إبان الهجوم الذي طال بنعمر من جهة قيادات مؤتمرية وطالبت برحيله قبل أن يُطرد. ليتم تفعيلها والترويج لها مؤخراً – بعد رفع تقريره الأخير وصدور بيان مجلس الأمن - من قبل وسائل إعلام تابعة للرئيس السابق، وتظهر الصفحة صورة بنعمر وعليها علامة «X» بالأحمر.
وبحسب ما نشرته إحدى الوسائل الإعلامية المحسوبة للرئيس السابق، الجمعة الماضية، فإن المشاركين في هذه الصفحة أشاروا إلى أن جمال بنعمر «تحول من وسيط لتقريب وجهات النظر إلى فرض مشاريع تسعى وبشكل واضح إلى تمزيق اليمن إلى دويلات صغيرة وفق ما أسموه مشروع الشرق الأوسط الجديد».
ومن الواضح أن تصريحات جمال بنعمر، التي أطلقها للصحفيين عقب الجلسة المغلقة لمجلس الأمن (مساء الأربعاء الماضي)، وكذا البيان الصادر عن المجلس الدولي أثارت حفيظة الرئيس السابق ومواليه وأنصاره لما تضمنته من إشارات واضحة إلى النظام السابق باعتباره طرفاً رئيسياً يحاول إعاقة مسار العملية السياسية، إلى جانب تعريض بنعمر في تصريحاته على حظر القانون الدولي منح الحصانة لمرتكبي الجرائم.
وفي هذا السياق، أشار بنعمر للصحفيين إلى أن معظم أعضاء مؤتمر الحوار الوطني يرون «أنه لا يمكن للمعرقلين أن يتمتعوا بالحصانة وأن يواصلوا تقويض العملية الانتقالية في الوقت نفسه». ونوّه مباشرة بالقول: «من المهم أن نذكر أن القانون الدولي يحظر منح العفو والحصانة لمرتكبي الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم المرتبطة بالعنف الجنسي وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان».
كما عرَض المبعوث الأممي خلال مؤتمره الصحفي على محاولات النظام السابق إعاقة العملية الانتقالية، لافتاً إلى أن «بعض عناصر النظام السابق يعتقدون بأنه في إمكانهم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، مشيراً بهذا الصدد إلى الحملة المُمنهجة المستعرة والواسعة التي أطلقت ضد الرئيس هادي «سعياً إلى تشويه سمعته والإساءة إلى العملية الانتقالية، وذلك عبر تضليل الرأي العام بأن ولايته تنتهي في فبراير 2014 ومحاولة العودة إلى ما قبل العملية الانتقالية».
ويندرج ضمن أحد أسباب الهجوم الذي طال بنعمر تصريحاته تلك بشأن التضليل الذي يتبناه أنصار النظام السابق بشأن «انتهاء العملية السياسية».
وكانت الرسالة التي بعثها المؤتمر وحلفاؤه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي أشارت إلى تصريحات لبنعمر يشير فيها إلى أن المبادرة الخليجية لنقل السلطة نصت على أن المرحلة الانتقالية تنتهي عند إنجاز المهام وليس بانتهاء العامين. واعتبرت أن اطلاقه هذه التصريحات في هذه المرحلة «وكأنه أصبح صاحب المبادرة وصاحب القرار الأخير فيها يشجّع بعض أطراف المبادرة على التمرّد على روح المبادرة الخليجية وغاياتها».
غير أن بيان مجلس الأمن الدولي حسم هذه المسألة أيضا لمصلحة بنعمر؛ رداً على هجوم أنصار صالح. وفي هذا السياق، جاء في بيان المجلس أن أعضاء مجلس الأمن «يؤكدون أن انتهاء عملية الانتقال السياسي يجب أن تُبنى على الانتهاء من الخطوات الواردة في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والآلية التنفيذية لها».
الأمر الذي زاد من حدّة الهجمة الشرسة التي طالت بنعمر، باعتباره هو من أقنع أعضاء المجلس بوجهة نظره تلك في سياق تقريره الأخير.
ومع أن الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن كانت مغلقة وسرِّية، ما يوحي ضمناً بأهمية مضمون التقرير أو الإحاطة التي رفعها بنعمر، والتي لم ينشر نصها كمعظم تقاريره وإحاطاته السابقة، إلا أن التقرير – أخذ بالاعتبار سريته وعدم نشر تفاصيله – من المؤكد أنه احتوى أسماء أشخاص بعينهم كمعيقين للتسوية السياسية؛ من المرجح أن يكون من ضمنهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والقيادي في الحراك الجنوبي محمد علي أحمد، الذي أعلن انسحابه وأنصاره من الحوار الوطني عشية اجتماع مجلس الأمن الأخير. وهما الطرفان اللذان قصدهما بدرجة رئيسية على الأرجح بيان المجلس بحديثه عن العرقلة الحاصلة «سواءً على أيدي أعضاء من النظام السابق أو السياسيين الانتهازيين». وهدد أعضاء المجلس باستعدادهم في إعادة النظر في اتخاذ مزيدٍ من التدابير ضدهم، جاء في البيان أن أعضاء مجلس الأمن «يؤكدون استعدادهم لإعادة النظر في اتخاذ مزيدٍ من التدابير رداً على أي إجراءات من قبل الأفراد أو الأطراف الذين يهدفون إلى تعطيل عملية الانتقال».
وفي سياق متصل باجتماع مجلس الأمن، رحبت أحزاب المشترك، في نهاية البيان الصادر عنها الأربعاء بمناسبة عيد الاستقلال ال46، بالموقف الأخير لمجلس الأمن بشأن اليمن.
وأعرب البيان عن تقديره لمضامين البيان الصادر عن مجلس الأمن، والذي عبّر عن القلق الدولي حول تأخر اختتام مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وإدانة مجلس الأمن للجهات المعطلة للعملية الانتقالية.
وفي السياق، أعرب المشترك عن تقديره لمبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر، ولسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخارجية، ولكل الجهود المحلية والدولية التي تستهدف تقريب وجهات النظر في سبيل إنجاح مؤتمر الحوار الوطني والانتقال باليمن إلى مرحلة متقدِّمة من الأمن والاستقرار.
وفي الوقت الذي دعا فيه اللقاء المشترك مختلف القوى المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني إلى تجاوز الخلافات والتباينات، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، والتعاون الجاد في بناء أسس المستقبل المزدهر الذي ننشده لنا ولأجيالنا.
جدد اللقاء العزم على تحقيق مطالب الثورة الشبابية، عبر مختلف الوسائل السلمية بما في ذلك إنجاح مؤتمر الحوار الوطني، الذي يعد بوابة اليمنيين للولوج إلى عهد جديد قائم على العدالة والإنصاف والشراكة الوطنية بين مختلف مكوِّنات وقوى المجتمع اليمني دونما إقصاء أو تهميش.