في كل دول العالم عندما تحدث جريمة بشعة كالتي حدثت في مجمع الدفاع، فإنها تعتبر كارثة وطنية، يتناسى السياسيون والأحزاب والفرقاء خلافاتهم ويتوحدون خلف المصلحة الوطنية ويعملون قصارى جهدهم من أجل مواجهة المجرمين وكشفهم ومعاقبتهم والحيلولة دون تكرار ما حدث. لكن في بلادنا وللأسف من يراقب سلوك وتصريحات وإعلام فرقاء العمل السياسي يصل إلى قناعة أنه لا يوجد لدينا سياسيون أو قوى سياسية محترمة، بل عصابة أو مافيا كل طرف يحاول إلصاق الجريمة بالآخر بحق أو بدون، بدليل أو بدون دليل.
المهم هو النيل من الخصم وتشويهه بأكبر قدر ممكن من التهم والادعاءات، وهذا بالطبع يؤدي إلى صرف النظر عن المجرم الحقيقي، متجاهلين قيمة وحرمة وقدسية الدماء المسفوكة على ساحة الوطن المترامية، أو في حقيقة الأمر هم يعرفون مدى إجرام ووحشية بعضهم بعضا، وكل طرف يتهم الآخر كأفراد عصابة كانت واحدة ثم انقسمت وأصبحت كل مجموعة تعمل ضد الأخرى.
في كل الجرائم والاغتيالات السياسية التي مرت بها اليمن قديما وحديثا تسجل أغلب القضايا ضد مجهول، أو يتم تمييع القضية ودفنها في أدراج الفساد الذي ينهش كل أجهزة الدولة، وأولها الأجهزة الأمنية والقضائية الملزمة بمواجهته ومحاربته، والسؤال الذي يطرح نفسه هل أجهزة الأمن والقضاء عاجزة عن القيام بواجبها لأسباب فنية ومهنية ونقص في الخبرة والتدريب وعدم الشعور بالمسؤولية، أم أنها أصبحت حلقة من حلقات الجريمة، فبدلا من كشفها ومعاقبة مرتكبيها، تساهم في طمس الحقائق والتلاعب بالأدلة وغض الطرف عن المجرمين لسبب أو لآخر.
أشعر بالضيق والغضب من الشعب الذي تمر عليه المذبحة بعد الأخرى وهو صامت كالخراف التي تنتظر قدرها المحتوم، نحن نعلم أن الموت قضاء وقدر، ولكن هل أصبحت حياتنا رخيصة إلى ذلك الحد الذي قد يضع نهايتها قاتل مجرم مأجور يقتل من أجل القتل ولا يراعي حرمة طفل ولا شيخ كبير ولا مريض على فراشه ولا طبيب يؤدي عمله، وكيف نستطيع أن نعيش ونتحرك وننام وبيننا وحوش أشد ضراوة ووحشية وقسوة وبشاعة من وحوش الغابة التي تقتل لتأكل وهي مضطرة لذلك.
وبالرغم من كل ما سبق توضيحه، فإننا مازلنا في انتظار تحقيق مهني شامل نزيه وشفاف يضع النقاط على الحروف، ويضع الإبهام على الجرح، تتبعه إجراءات تصحيحية بدءا بإقالة رؤوس كبيرة فارغة من المهنية والأمانة والخبرة والكفاءة، مرورا بحملة عسكرية وأمنية ضد أوكار الإرهاب والجريمة والتخريب، وأخيرا وليس آخرا محاكمة علنية للمتورطين ومن يقف خلفهم وتنفيذ العقوبات الرادعة بحقهم حتى يرتدع من في نفسه بذرة الشر، وحتى يرتاح قليلا من آلمتهم وأحزنتهم هذه الجرائم التي أودت بحياة أحبائهم، وحتى يشعر الشعب بالقدر المعقول من الأمن والأمان، ونشعر أننا في ظل دولة ترعانا ولسنا تحت رحمة عصابة تبتزنا وتتاجر بمآسينا وآلامنا.