لم تأتِ الثورة السلمية من فراغ، وإن كانت انطلقت بشكل عفوي وفجائي، فدوافعها كانت ساكنة في أذهان الناس، من خلال تفاقم مشاعر التهميش والضياع والقهر وتردّي الحالة المعيشية. تحضر هنا إشارة مهمّة ولافتة للانتباه، إذ أن الثورة السلمية جاءت بعد حراك سياسي تمحور حول قضايا إصلاح النظام السياسي، تمثل ذلك في الحورات السياسية بين المشترك ونظام صالح ثم الصراع السياسي بينهما، بل إن المشترك كان قد بدأ بعملية النزول للشارع بهدف الضغط لإحداث عملية إصلاح في بنية النظام السياسي. من هنا تُحدد ماهية المشكلة الحقيقية التي يعاني منها اليمن، وهي نقص الدولة واختزالها في وظيفة تسلطّية، إدت إلى خلق أشكال مختلفة من الأزمات والإشكالات التي جاءت الثورة كشفت حجمها وطبيعتها ومدى تأثيراتها. ستكون اليمن بحاجة إلى بديل لا يتجاوز قراءة عمق المشكلة التي أنتجت ظروف البحث عن هذا البديل، ويتمثل في السعي الجاد لإعادة الاعتبار للدولة أولاً قبل الذهاب وراء تصاميم حلول تعالج حسابات الساسة دون المجتمع والحاجة الضرورية للدولة ويتطلب البدأ بعملية بناء للنظام السياسي وهذا لن يكون من خلال مخاصمة الجغرافيا.
الحل يستدعي إعادة الاعتبار للدولة أولاً باعتبارها سلطة قانون ومؤسسة عسكرية وطنية ومؤسسة قضاء وتشريع، تفضي إلى استقرار سياسي وسلم مدني.
ستلاحظ عند نزولك لواقع المجتمع كم أن اليمن تعيش حالة من غياب الدولة وتعثّر حضورها على مستوى الواقع، في حين كانت تحضر بوصفها وظيفة سلطوية تفتقر للشرعية، همّشت الدولة واختزلتها في ذاتية السلطة وحالت دون تجسيد فكرة المواطنة وتبلور مفهوم القانون والشعب واختزلت هذه السلطة مفهوم المجتمع واحتلت المجال العام بل والخاص وهُمش الجيش وتم إختزاله في "حرس جمهوري" بهدف حماية السلطة، مما أدى كل ذلك إلى تآكل الدولة وإضعاف مكانتها وتشويهها عند ذهنية عموم الناس.
هذا يعني أن اليمنيين بكافة توجهاتهم معنيون أساساً بعدم الإنجرار وراء تصميم حلول سياسية على حساب الدولة الضامنة لخلق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وحاجة اليمن هي إعادة الاعتبار للدولة باعتبارها قانون ومؤسسات وليس فيدراليات وتسلطيات واصطناع مزيدِ من المشاكل وإكسائها بمسمى أنها حلول ومعالجاتّ.