في كواليس يوم تسلُّم الرئيس هادي منصبه رسمياً من سلفه صالح في 27 فبراير2012 كان هادي يقوم بدور الطبيب النفسي مع صالح وهو يشير إلى أنه بعد عامين سيكون في مكان صالح يومها ويسلم الرئاسة لمن سيخلفه، كان يركّز على هذا المفهوم لتخفيف الضغط النفسي على صالح الذي كاد أن يبكي يومها وهو يودّع المقر الرئاسي مغادراً أجواء المراسم والتشريفات على أنغام الموسيقى العسكرية والجَلَبة والأضواء، كان يغالب دموعه وهو يسلم هادي العَلَم واصفاً إياه باليد الأمينة التي وعد بتسليمها السلطة!. في كل انتخابات كان صالح يحرص على توثيق لحظات إدلائه بصوته، يبتسم طويلاً للكاميرات، يقف ملياً أمام الصندوق ممسكاً بورقة الاقتراع قبل أن يرميها في الصندوق على ومضات وأصوات الكاميرات، لكنه عند انتخاب الرئيس هادي في 21 فبراير 2012 كان خارج الوطن بدعوى العلاج، ولعل الخروج كان علاجاً نفسياً من مشهد يوم انتخاب خليفته، وعند عودته بعدها بأربعة أيام من أميركا مروراً بإثيوبيا وصل مطار صنعاء فجراً، أطل من باب الطائرة، واقفاً أعلى السُلم كئيباً من دهشة الموقف وهو لايرى من يستقبله كالعادة، ولعل نسيم الفجر البارد في صنعاء أسعفه بقول المتنبي: على قلق كأن الريح تحتي..، أو ربما كان يهمهم بما قاله عمرو بن معد الزبيدي: .. وبقيتُ مثل السيف فرداً!، لم يجد من يستقبله سوى أحد أنجال شقيقه الذي بادره بقبلة على رأسه آخذاً بيده إلى غرفة التشريفات بالمطار، ربما سأله وربما لم يسأله عن مصير طابور المستقبلين الذي كانوا يصنعون له "فرعنة القدوم" لكن أسئلة من هذا النوع لم يعد يجد لها إجابات مقنعة غير أنه تعرض للخيانة ممن يرى أنه أحسن إليهم وصنعهم على يديه وهاهم يتخلون عنه، كانت إحدى فضائياته بانتظاره ليُدلي بتصريح تلفزيوني أقرب إلى الفضفضة لتخفيف الضغط النفسي لتلك اللحظات الحزينة التي هي جزء من مصير بائس لم يكن في الحسبان، لقد خانته كل الظروف والاحتمالات والتوقعات والحسابات، جردته من منصب الرئيس، ومنحته مَرض الرئيس!.
وفي كل مرة تستعر الحالة النفسية تأتي الكاميرات مسرعة كخادمات مطيعات للإسعاف والتقاط الاستقبالات وتسجيل المقابلات والتصريحات التي تلوك الكلمات نفسها والاتهامات ذاتها، والاختتام بضرورة طي صفحة الماضي وأن تسليم السلطة كان طوعاً وخوفاً على الوطن!
وفي إحدى تلك التصريحات كان صالح أواخر أكتوبر 2013 يوضّح موقفه مجدداً من قصة تسليمه السلطة دون أن يقول أنه سلّمها ليد أمينة كما كان يردد قبل وأثناء مغادرته المنصب الرئاسي، وهو ما يكشف شعوره بالخديعة من الرئيس هادي الذي انتزع منه ثقته ونزع منه بعض مخالب قوته في المؤسسة العسكرية، وبدأ يلوّح بمقايضته ترك النشاط السياسي مقابل الإبقاء على قانون الحصانة والتغافل عن ملف الذمة المالية المليء بالاستفهامات والاتهامات الكثيرة، فقال بصوت عليه أثر نزلة برد: "نحن صنعنا المبادرة الخليجية مع دول الخليج وبرعاية دولية على أساس أننا نجنب شعبنا إراقة الدم والحرب الأهلية ونقلنا السلطة سلمياً وسلمناها إلى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو تعهد أنه سيمارس عمله كرئيس للجمهورية إلى نهاية الفترة الانتقالية وينقل السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهذا التزام جيد ورائد ونثمن له هذا الموقف على أن ينفذ ما تم الاتفاق عليه بالمبادرة الخليجية نصاً وروحاً وبآليتها التنفيذية"!، مشيراً إلى أن الحصانة ليست هبة من أحد "لا من رئيس ولا من مرؤوس"!.
وكأن المناورة التي حدثت خلال هذين الشهرين من هذا العام تترجم ذلك الخطاب الذي شكل إطاراً نظرياً لعدد من الفعاليات والأنشطة المطالبة بعدم التمديد للرئيس هادي، ووصل بعضها إلى حد المطالبة بتولي رئيس مجلس النواب الحالي منصب الرئيس المؤقت!، هي من جهة تدعم الموقف التفاوضي للرئيس السابق، ومن جهة أخرى تثير الرأي العام على ثورة التغيير التي لم تغيّر شيئاً بالمعنى الحقيقي الذي قامت عليه واكتسحت به، وهو ما يعني الترحُم على العهد السابق الكامن بين أسنان تروس التغيير!، وكلها مظاهر لمرض الرئيس الذي يُراد له أن يكون صُداعاً مزْمناً للوطن كله، مالم تكن هناك وقاية فعالة من وعي حقيقي بالمرحلة والوقوف بمستوى مسؤولياتها.