جرى الساسة ورؤساء الأحزاب على نبز الحوثيين بالإماميين، وانهم يسعون لاستعادة دولة الأئمة الزيدية التى حكمت نحو ألف عام، وهو حلم يراودهم منذ سقوط دولة الأئمة عام 62م، ويؤكد عديد من الباحثين هذا الأمر، وهو صحيح بالنظر الى ان الحوثيين في أصلهم جماعة زيدية تؤمن بأن الولاية لا تكون الا في البطنين ونحوها من المسائل النظرية والفكرية التى تنطلق منها، الا ان الحقيقة التى غابت عن أذهان الساسة وكذا بعض الباحثين، هي ان الحوثيين تجاوزا الدولة الزيدية اليمنية بمراحل، حتى يمكننا القول ان الحركة الحوثية ليس لها سلف من الأئمة الزيدية، الا اذا استثنينا الإمام عبدالله بن حمزة، الذي كفّر مخالفيه (كفر تأويل) حتى بلغ به الأمر الى تكفير "المطْرفية" احد فرق الزيدية فاستحل دماءهم وسبى نساءهم ومزقهم شر ممزق وهو الأمر الذي اشتد نكير الزيدية عليه فيه. الا ان الخط العام لم يكن كذلك، وبالرجوع الى الماضي القريب، نجد ان الدولة المتوكلية ترفض ام الأصول التى يؤمن بها الحوثي وهو سب الصحابة، وقد ذكر القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه "الزيدية" ان أحد آل السقاف الحضارم بعث بمقطوعة شعرية في احدى المناسبات الى الإمام يحيى تعرض فيها للصحابة بالسب واللمز، فرد عليه الإمام يحيى ينكر عليه ذلك وبين ان مذهبه الترضي على الصحابة جميعاً، وقال القاضي الأكوع ان ذلك مذهبه فعلاً.
ولما كان الشيخ محمد العمراني يدرس كتب السنة في الجامع الكبير، خصوصاً صحيح البخاري، وقام عليه بعض المتعصبة ورفعوا أمره الى الإمام، أقرّه الإمام وأذن له بتدريس ما شاء من كتب السنة، وكف عنه أذى المتطرفين.
بل يذكر الشيخ العمراني ان مكتبة الإمام كانت مشتملة على كتب السنة وكتب الشوكاني ايضاً، وحدث ان جرى يوماً كلام في مقيل الإمام عن مسألة، فدخل الإمام مكتبته وجاء بأحد كتب الشوكاني ليفصل النزاع، فأين الحوثيون من المتوكليين، فالمساواة بينهما ظلم لا ريب في ذلك. ما مكان كتب السنة عند الحوثيين، وكيف ينظرون للعمراني وقبله الشوكاني مثلاً.
لقد أعلنت الحركة الحوثية منهاجها وأبانت انها بريئة من الزيدية، وهو ما أكده العلامة بدر الدين الحوثي في كتاباته الأخيرة، وحمّل ولده حسين المدرسة الزيدية مسؤولية غش الجيل من خلال الترضي على أبي بكر وعمر ومجاملتهم للسنة على حد زعمه، والرضا بالكتب المكذوبة المزورة (كتب السنة طبعاً).
بالإضافة الى هذه الحال التي كانت عليها الدولة المتوكلية كان كذلك الأولون، فالشوكاني كان قاضي قضاة القطر لثلاثة من أئمة اليمن، وكان معظّماً فيهم وهو من صلى على الإمام المنصور يوم وفاته، وكان قبل ذلك يدرّس البخاري وغيره من كتب السنة في الجامع الكبير وحصل له خطوب ومحن من أدعياء العلم والمتعصبة والحاسدين وهيّجوا عليه الغوغاء في غير مرة ويسلمه الله، لكن الإمام كان راضياً عن طريقته، الا ان ما يؤخذ على الأئمة انهم كانوا يغضّون الطرف عن هولاء الروافض ولعل ذلك لما لهم من الاحترام في قلوب الناس، ولحرص الأئمة على الملك والمنصب وإبعاداً لأنفسهم عن الصراع في هذه المسائل التى ربما يوافقون المبتدعة عليها ظاهراً، والشوكاني يشير الى هذا في غير كتاب من كتبه.
هذا الى ان الجامع الكبير كان يعجّ بعلماء الحديث والإنصاف والسنة وتتداول المسائل النبوية والشرعية وتناقش وعلى رأس هؤلاء شيخ الشوكاني عبدالقادر الكوكباني الذي أطال الشوكاني الثناء عليه في "البدر الطالع"... وكان عبد القادر قد اختلف مع عامل كوكبان ففر الى صنعاء فحظي بالاحترام والمكانة عند الحضرة الإمامية.
واذا تتبعت هذا تجده كثيراً، فأين هذا مما عليه الحوثيون اليوم الذين يدينون بدين الاثني عشرية، ويناصرون الباطنية النصيرية في الشام، الذين كفّرهم الزيدية، وخاض الهادي ضدهم ما يزيد عن سبعين معركة، حتى قال من ترجم له انه ما ألّف كتاب "المنتخب في الأحكام" الا وهو على ظهر الخيل في معاركه ضد القرامطة فقد كان يملي وهم يكتبون، وكان أئمة اليمن ممن بلغوا رتبة الاجتهاد في الأصول والفروع، وهذا شرط متولي الإمامة عندهم، فهل عبد الملك ممن توافر فيه هذا الشرط، وشهد له العلماء بذلك؟
والحاصل ان أئمة اليمن زيدية، وهم متفاوتون في القرب والبعد من السنة من خلال الفرق المتعددة للزيدية.. أما الحوثيون فهم خمينيون أصلاً وفرعاً، عقيدة وفقهاً.