ابتعد يونس نحو مائة متر، كان ينتظر معجزة توقف انفجار الاسطوانات، وحين سمع انفجار الاسطوانة العاشرة أدرك أن ما جمعه خلال ثلاثين عاما سيتبدد أمامه خلال ساعات وإن المسألة مسألة وقت فقط. قال يونس الذي يملك أيضاً سلسلة من المتاجر التموينية منها مستودع للغاز في منطقة مشرافة بوصاب وسط البلاد إن البلدة كانت مهيأة لانفجار عظيم لولا الجهود التي بذلتها شركة سبأ للمقاولات في اطفاء الحريق "كنا سنشهد مأساة عظيمة كادت أن تنهي مشرافة بأكملها".
بدأت الانفجارات من مستودع الغاز حين شاهد السكان جسما مقذوفا يطير في السماء مصحوبا بدوي انفجار كبير، اندفع الناس ليجدوا "محمد سعد جربان" العامل بالأجر اليومي مضرجا بدمائه يصارع الموت.
اتجه البعض ومنهم يونس باتجاه الانفجار، كانت ثلاث من الاسطوانات قد بدأت تحترق في الساعة السادسة والنصف من مساء الاثنين الماضي، حاول أحدهم أن يطفئ الحريق فانفجرت احدى الاسطوانات.
لقي محمد سعد جربان مصرعه بعد أربعة أيام من الانفجار، وأصيب ثلاثة آخرون اثنان منهم بإصابات خطيرة نُقلوا إلى مستشفى الثورة بالحديدة، فيما تهدم احد المنازل تماما.
وبحسب يونس فإن أكثر من 600 اسطوانة تحتوي مادة الغاز المنزلي و400 أخرى كانت فارغة، شكلت انفجارات عنيفة ظلت تهز البلدة طيلة أربع ساعات وأثارت هلع السكان.
في جوار مستودع الغاز، مستودع لتخزين أكثر من 2000 كيس دقيق و2000 كيس اسمنت، ومستودع آخر يحوي مولدات كهربائية ومطاحن الدقيق، ثم المستودع الأخير والأكبر والذي يحوي مواد تموينية تقدر قيمتها بمئات الملايين، في الطابق الأعلى أيضا تسكن عائلة يونس.
قال يونس "اتصلنا بدائرة الدفاع المدني بالحديدة وأبلغناهم بأن حريقاً يوشك أن ينهي بلدة، فكان ردهم أن بلدتكم تتبع اداريا محافظة ذمار والدفاع المدني بالحيدة غير مخول بالتدخل، مع أن مدينة الحديدة تبعد عنا بظرف ساعتين ومدينة ذمار تبعد بأكثر من ست ساعات".
وأشار إلى أن السكان نزحوا إلى الجبال، وإن دقائق قليلة كانت كفيلة في مساعدة من يسكن في الجوار بالنأي بأرواحهم فلاذوا بالفرار، فيما الانفجارات كانت تهز المباني المحيطة بعنف.
وقال أحد السكان المحليين إن محيط الانفجار كان منطقة محظورة، ولم يتجرأ أحد من الاقتراب من المنطقة، وإن ألسنة النيران الزرقاء كانت تتصاعد بقوة، فيما الأطفال والنساء كانوا يركضون ويصرخون مذعورين.
ويضيف عبده مسعود "احتميت مع اطفالي في المنزل البعيد خشية التعرض لشظايا الحديد المتطاير في السماء".
ولفت يونس علوي إلى إن أسباب الانفجار ما تزال مجهولة وإن فريق التحقيق الذي قاده مدير أمن المحافظة لم يعثر على أي خيوط من شأنها أن تساعد على معرفة أسباب الانفجار.
ويزعم سكان محليون إن تسريب الغاز في المستودع كان كثيفا وحين وصل التيار الكهربائي حدث الانفجار، لكن يونس يدحض ذلك "المستودع لا تتواجد فيه تيارات كهربائية، وحين كنا نريد الدخول للمستودع نستخدم المصابيح اليدوية، فنحن نعرف مسبقاً خطر توصيل التيار الكهربائي لمستودع الغاز".
وقال بأن عامل النقل محمد سعد جربان كان معتاداً على التدخين، وليس مستبعداً أن يكون هناك تسرب في احدى الاسطوانات فانفجرت حينما بدأ في اشعال سيجارته، وهذا يبقى التفسير الأقرب للانفجار الذي حدث حينما تواجد في المستودع.
وأشار إلى إن مستودعات التخزين في مشرافة تنحشر في وسط المباني السكنية خشية تعرضها للسرقة، وإن أكثر من عشرة مستودعات للغاز المنزلي تتوزع في وسط السوق المركزي والمباني المكتظة بالسكان.
وقال سكان محليون إن احدى شركات الأمن والسلامة عرضت على المتاجر في البلدة طفايات للحريق لكن التجار تعاملوا مع العرض باستخفاف، لكن يونس ينفي ذلك.
ويضيف بصوت مبحوح إن خسائره المادية بلغت مئات الملايين من الريالات، وإن بعض المساكن المجاورة تعرضت للتصدعات والانهيارات.
وقال عبد الخالق المعانسي عضو المجلس المحلي إن تعامل أجهزة الدفاع المدني بمحافظة الحديدة غرب البلاد كان غير مسؤول، وحاولنا أن نستدعي طائرة إطفاء من صنعاء مهما كلفنا الأمر، فالبلدة المتصلة مبانيها عرضة للانهيار.
وأضاف استدعينا كذلك عربات الاطفاء التابعة للشركات التجارية في محافظة الحديدة كشركة إخوان ثابت، لكننا لم نجد أي استجابة.
ووصل محافظ ذمار يحيى العمري إلى البلدة في الساعة الحادية عشرة من مساء الاثنين الماضي، واستدعى عربات نقل المياه التابعة لشركة سبأ للمقاولات التي تعمل في طريق الحسينية ذمار.
وكان الرجال يتقدمون بفدائية ويحاولون اطفاء الحريق لكن بعض الاسطوانات كانت ماتزال تنفجر بين حين وآخر، وبعد حوالي ساعة من الكر والفر كانت النيران تخمد، تلافى السكان بذلك كارثة هائلة كادت أن تنهي البلدة.
يتحدث يونس بكلمات متقطعة جلها كانت شكر وثناء لله ثم لشركة سبأ " أنا ممتن لشركة سبأ، لقد انقذوا البلدة من كارثة محققة".