من النادر جداً أن يمر على اليمنيين يوم في حياتهم دون أن تنكب أسرة بفقدان عائلها، أو أحد أبنائها في حادث سير. ومن النادر جداً أن يمر يوم دون أن تسجل إصابات بالجملة في تلك الحوادث قد لا تقل تبعاتها كارثية عن حالات الوفاة في بعض الإصابات الخطرة، خصوصاً في ظل انعدام التأمين على المركبات، وطغيان العرف على القانون في تقرير المسؤولية في تلك الحوادث.
تشير احصائيات العام الماضي إلى معدل وفيات يومية مرتفعة بنسبة 7 أشخاص، وإصابة 35 شخصاً نصفهم تقريباً أصيبوا بعاهات مستديمة.
مطلع الأسبوع الجاري، دشنت وزارة الداخلية من صنعاء فعاليات أسبوع المرور العربي تحت شعار "نحو بيئة مرورية آمنة للجميع"، والذي يستمر من 4 - 10 مايو الجاري.
وتزامناً مع ذلك، تستمر حوادث السير دون أن تلوح في الأفق أي إجراءات تحد من سطوة هذا القاتل في خطف أرواح مئات اليمنيين شهرياً، باستثناء التفاؤل بيوم نادر مر دون تسجيل وفيات كما حصل في 16 مارس الماضي، رغم أنه سجل إصابة 20 شخصاً بحوادث مرورية.
أكثر ما تتقنه وزارة الداخلية، ممثلة بالإدارة العامة لشرطة السير، هو إحصاء أرقام الضحايا، ومعها الخسائر المادية، وعدد الحوادث ونوعيتها إذ تنشر بانتظام بالغ إحصائيات يومية، أسبوعية، شهرية، دورية، وسنوية، للحوادث المرورية وضحاياها، بيد أن بعض الحوادث خصوصاً في المناطق البعيدة والريفية قد تبقى بعيداً عن إحصائيات السلطات الرسمية.
تنشر الداخلية إحصائيات مفجعة عن ضحايا حوادث السير وخسائرها، لكن ما لا تشير إليه في هذا السياق آثارها الاجتماعية الكارثية التي تتسبب بها، وعدد المتأثرين بها خصوصاً الأطفال الذين يصبحون عُرضة للتشرد والضياع تبعاً لوفاة عائلهم، أو إصابته إصابة مقعدة تبعاً لحادث سير.
ومقابل سردها للعديد من أسباب الحوادث وأبرزها السرعة، تغفل الحديث عن مسؤوليتها في هذا الجانب، واتخاذها إجراءات فعالة للحد من الحوادث المرورية، وتخفيف كلفة الخسائر البشرية والمادية.
إحصائيات مروعة للضحايا في حفل تدشين أسبوع المرور بصنعاء، الأحد، بحضور وزير الداخلية، كشف نائب مدير عام شرطة السير العقيد عبد الرزاق المؤيد عن وفاة 2494 شخصاً، وإصابة 12.622 آخرين بإصابات مختلفة (6164 إصاباته بليغة، و6458 إصاباتهم طفيفة)، ب8962 حادث سير، قدرت خسائرها المادية بأكثر من 2 مليار و175 مليون ريال، في مختلف المحافظات، وسجلت العاصمة صنعاء ومحافظات تعز والحديدة وحجة أكثر الحوادث المرورية.
غير أن وزارة الداخلية نشرت، أمس، إحصائية رسمية عن وقوع 9333 حادث سير خلال العام الماضي، تسببت السرعة في 3441 (37%)، فيما يحل ثانياً اهمال السائقين كسبب للحوادث، متسبباً في 2423 (26%)، وإهمال المُشاة في المرتبة الثالثة متسبباً في 1642 حادثة (17.6%) من إجمالي الحوادث.
وفقاً للإحصائيات الرسمية أودت الحوادث المرورية خلال السنوات الخمس الأخير 2009-2013 بحياة 13360 شخصاً من مختلف الفئات العُمرية، فيما أصيب 76074 في تلك الحوادث، 45% منهم إصاباتهم خطيرة، تسبب فيها 56071 حادث سير في مختلف المحافظات وقدرت خسائرها ب19 ملياراً و152 مليون ريال.
سجل عام 2010 أعلى عدد للوفيات إذ بلغ 3063 شخصاً، فيما سجل عام 2009 أقل عدد ب2185، وبين الرقمين يتراوح ضحايا حوادث السير بين اليمنيين خلال السنوات الأخرى.
إحصائيات رسمية سابقة أشارت إلى وقوع 151 ألفاً و253 حادثاً مرورياً نتج عنها وفاة 29 ألف شخص وإصابة 193 ألفاً آخرين، خلال الفترة من عام 2000 إلى نهاية العام 2011.
أسباب كثيرة.. والسلطات بعيدة عن المسؤولية خلال حفل تدشين أسبوع المرور العربي، أكد وزير الداخلية اللواء عبده الترب على ضرورة تطبيق رجال المرور قوانين السير على المخالفين، مشيراً إلى أن أسباب الحوادث المرورية تكون غالباً إما الطريق أو المركبة والمستخدم وتتطلب تضافر كافة الجهود للحد منها والتوعية بمخاطرها وتجنيب المجتمعات آثارها السلبية.
ضمن أهم الأسباب التي تسردها وزارة الداخلية السرعة الزائدة وإهمال السائقين والمشاة إضافة إلى أسباب أخرى، كالانشغال بتعاطي القات، واستخدام الهاتف، والأعطال الفنية المفاجئة في المركبات، وهطول الأمطار على الطرقات والتجاوز الخاطئ، لكنها تغفل كثيراً الاشارة إلى مسؤوليتها في تطبيق القانون بصرامة، وتغليظ المخالفات على تجاوز السرعة في المدن الرئيسية والخطوط الطويلة.
وإذ أوجز مدير إدارة شرطة السير بمحافظة المحويت العقيد زيد النونو أسباب الحوادث المرورية على تعددها وكثرتها في أربعة جوانب تتعلق بالسائق والطرقات، والمركبات وجانب رابع هو العوامل الطبيعية، أكد على أهمية تطبيق تفعيل قانون المرور بشكل عام في المدن الرئيسية وعواصم المحافظات والمديريات.
وأضاف أن هناك قانوناً موجوداً خاصاً بالمرور (رقم 41 لسنة 1990)، وعدل مؤخراً، لكنه بحاجة إلى تفعيل، والتفعيل بحاجة إلى إمكانيات.
وأشار إلى أنه من غير المُمكن إنفاذ القانون إلا في ظل دولة قوية وتجاوب الناس وتعاون جميع الجهات، خصوصاً في ظل هذه الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وقال النونو ل"المصدر أونلاين" إن الحوادث المرورية تشكل حرباً غير معلنة، وهي مشكلة تعاني منها جميع الدول بما فيها الدول المتقدمة، لما تخلفه من خسائر بشرية ومادية كبيرة، مشدداً على ضرورة تضافر الجهود لمعالجة المشكلة المرورية.
العام عدد الحوادث الوفيات الإصابات الخسائر المادية بالريال نسبة حوادث المطبات 1996 6223 1267 6740 257.038.800
1997 8032 123 8106 579.222.796
1998 8145 1460 8651 415.394.868
1999 9207 1243 9786 541.110.010
2000 9958 1527 10998 635.105.515
2001 9792 1779 12343 645.817.719
2002 10523 2101 12544 1.289.707.704
2003 10749 2447 14545 2.301.315.796
2004 12257 2249 14117 2.459.169.155
2005 12869 2510 16147 2.651.905.219
2006 13011 2711 17673 2.836.360.422
2007 14741 2781 19253 3.476.458.032
2008 16362 2833 20412 3.205.888.813
2010 14131 2959 19700 4.212.007.806
2011 8360 2152 1203 1.843.079.311
2012 8066 2382 11598 1.888.317.000
172426 33634 214916 29.237.898.966
جدول يوضح حجم الأضرار البشرية والمادية لهذه الحوادث
لجنة للسلامة المرورية.. اجتماعات نادرة ودور غائب وتنبثق من وزارة الداخلية لجنة يرأسها نائب الوزير اسمها "اللجنة الوطنية للسلامة المرورية".
اللجنة وفي أحد اجتماعاتها النادرة، منتصف العام الماضي، اعتبرت حوادث السير "خطراً يهدد السلم الاجتماعي"، وناقشت سُبل الحد من وقوعها.
الاجتماع اقترح تفعيل السلامة المرورية وتصحيح أوضاع عملية السير من خلال الدراسات الميدانية في عملية التصميم الفني للطرقات وبما يتلاءم والبيئة بتدشين برنامج مكث�'ف للتوعية وتوصية الجهات المعنية بعدم إعطاء تصاريح بناء طرق جديدة لا تطابق المواصفات الفنية الآمنة، وإنفاذ القانون الخاص بقواعد وآداب السير.
يلاحظ تردي وضع الطرق الطويلة الضيقة بين المحافظات، التي أنشئت منذ عقود، رغم تضاعف أعداد المركبات، من التآكل وكثرة الحفر والمطبات، التي تضطر معها السلطات أحياناً لترميمها بعد تدهورها بشكل كبير.
وخلال السنوات الأخيرة أعلن عن بدء مشاريع بناء خطوط طويلة مزدوجة بين المدن، لكنها تعثرت كثيراً وغالباً ما كانت تتضرر أثناء العمل عليها بفعل العوامل الطبيعية ومخالفة المواصفات.
اللجنة الوطنية للسلامة المرورية حثت في ذلك الاجتماع الجهات ذات العلاقة على عدم إعطاء أي تصاريح بناء جديدة لا تتطابق المواصفات الفنية الآمنة بما فيها إيجاد مواقف للسيارات منعاً للازدحمات المرورية، مع إنفاذ القانون الخاص بقواعد وآداب السير على سائقي المواصلات العامة والخاصة.
كذلك أقر انتظام اجتماعات اللجنة من دورية إلى شهرية لتفعيل أدائها، دون أن يسجل للجنة أي اجتماع يُشار اليه في خبر رسمي، أو نشاط على الأرض.
طُرق رديئة.. وآليات بدائية بحاجة لتطوير وتفعيل وتفتقر الخطوط الطويلة بين المحافظات والشوارع الرئيسية في المدن، بما فيها العاصمة، لأي أنظمة تقنيات مراقبة حديثة بما فيها الكاميرات، لضبط المخالفات المرورية، بما يُسهم في الحد من حوادث السير في الطرقات والفوضى المرورية التي تطغى في شوارع المدن، كذلك تفتقر لسلطة إنفاذ القانون ومحاسبة المتسببين في الحوادث بما يسهم في الحد منها.
ومن شأن تسجيل المخالفات وتغليظها، سواءً بالطريقة التقليدية أو بطريقة الكترونية غائبة، أن يسهم في تطوير تقنيات المراقبة المرورية وتمويلها ذاتياً من المخالفات.
وأوضح العقيد النونو أن إدارات شرطة السير في المحافظات تحتاج لربط شبكي يربطها ببعضها وبالإدارة العامة لشرطة السير لضبط المخالفات، التي منها أنها تذهب للمجالس المحلية ويتبقى منها نسبة بسيطة تقدر ب30% من قيمة المخالفة للإدارة العامة للمرور والإدارات المسجلة في نطاق الاختصاص المكاني.
وعن التلاعب بالمخالفات وإلغائها بالوساطات، أشار إلى أن المخالفات المدونة والمفرغة بالسجلات والحاسوب لا يمكن إلغاؤها إلا بتسديد قيمة المخالفة، وإذا ما أُلغيت من قبل شرطي السير بعد تقييدها يتم محاسبته عندما يريد استبدال دفتر المخالفات الذي يتم فحصه عند ما ينتهي.
يطغى في الحوادث المرورية عُرف الثلثين بالثلث على القانون، حتى لدى بعض المعنيين في شرطة المرور، في ظل عدم فعالية نيابات ومحاكم المرور وطول اجراءات التقاضي.
لكن العقيد النونو يؤكد أن عُرف الثلثين بالثلث حالة نادرة عند بعض الناس إذا ما حلت القضية عن طريق الصلح في الحوادث البسيطة، أما قانون المرور فيحدد نسبة الخطأ مثلاً 20% أو 25% أو 70% أو 50%.
ويشير إلى أن الحوادث الجسيمة تُحال إلى النيابة رسمياً، لكن بعض المعنيين بالحوادث يلجأون إلى الصلح نظراً لطول فترة التقاضي أمام القضاء والنيابات.
تنتهي أسابيع المرور لكن الحوادث المرورية مستمرة بذات الوتيرة.. غياب الدولة في هذا الجانب إجمالاً، وتفاصيله من طغيان العُرف على سلطة القانون وغياب الاستراتيجية الفعالة وتحديث أدوات المراقبة المرورية، وضعف فعالية إدارات المرور، تعني شيئاً واحداً أن آلاف اليمنيين سيقضون سنوياً وتهدد تبعاً لذلك آلاف الأسر بالضياع والأطفال بالعمالة المبكرة لتعويض غياب العائل، حتى تلتفت الدولة لمسؤوليتها في حفظ أرواح مواطنيها، ضحايا تلك الحرب غير المعلنة.