هبطت طائرتنا بعد الثانية من صباح الجمعة الماضية في مطار العاصمة اليمنيةصنعاء. ولأنها الطائرة الوحيدة التي تهبط في مثل هذا الوقت من الصباح الباكر، كان مبنى المطار شبه خال من المسافرين والموظفين أيضا. حين دخلت المجموعات الأولى من القادمين لصالة الوصول الساكنة، اندفع ضابطان ناحية "كاونتر" الدخول لإجراء ما يلزم من فحص الجوازات وأوراق الدخول. وحين تكاثرت الأعداد، اندفع المزيد من الضباط لخدمة القادمين حتى بلغ عددهم سبعة، حسب تقديري. تستخدم كلمة ضابط شرطة هنا في الغرب بشكل مجازي لضابط الصف بشريط، شريطين، أو ثلاثة. ولكن سلطات الجوازات اليمنية رمتنا تلك الليلة بضباط حقيقيين من رتبة النقيب، أي بثلاثة نجوم. بدا لي الأمر غريبا، فضابط بثلاثة نجوم في هولندا مؤهل لقيادة النوبة الليلية المرابطة بالمطار بكاملها، وليس الجلوس بنفسه لإنهاء معاملات القادمين من فحص جوازاتهم وأوراقهم الثبوتية الأخرى، والتأكد من صحتها وصحة التأشيرات.
أعلم أن اليمن يعاني من ظاهرة الازدواج الوظيفي، وها هي ظاهرة أخرى أقرب للتضخم الوظيفي تبدت لي في المطار في تلك الليلة. فإن كان إجراء مثل هذه المعاملة الروتينية يحتاج لضابط برتبة نقيب، فماذا يفعل الجندي العادي؟ كلما ضمرت صلاحيات الجندي وضابط الصف نقصت كفاءته وفعالية المجموع الكلي في القيام بأعمال الشرطة الحيوية والمعقدة التي لا غنى لمجتمع عنها.
الأمر الذي لا يجب إغفاله هنا أن الشرطة في العديد من أنحاء العالم الأخرى قوة مدنية شكلا ومحتوى، ولا تستخدم بهذا المعنى أي رموز عسكرية في إظهار هرميتها مثل النجوم وتسميات الرتب المختلفة. يعني هذا بالنسبة لأدائها أن تعتمد على أدوات أخرى، غير التسلط العسكري، في ممارسة مهامها اليومية.
يلعب الشرطي في الشارع دور الأب، المرشد، الوسيط، المصلح الاجتماعي وأدوار أخرى كثيرة يتقمصها حسب الحالة والحاجة.
يحتاج الأمر أيضا معرفة باللغة وبمهارات الاتصال التي أصبح لا غنى لمجتمع عنها. في قطاع الخدمات الذي نراه اليوم، لا تلعب القوة البدنية مكانة كبيرة في تحديد مؤهل الشخص ولكن مقدرته على التخاطب والتواصل من حارس الاستقبال انتهاء بجامع المناشف في الفندق.
ليست النجوم هي التي تحتاجها الشرطة، ولكن المعرفة الكافية بمحيط عملها وما يلامسه، عندها يكفي عسكري أو ضابط صف مؤهل في تمثيل بلده على أحسن ما يكون في مكان مثل صالة القدوم التي تحدد الانطباع الأول والأساسي لزائر مثلي.