[1] إن صدق الحوثة وجماعة المخلوع علي صالح أنه ليس بينهم تحالف ولا تعاون ولا أي نوع من أنواع الاتفاقات والتفاهمات العلنية والسرية فيما يجري في إطار الحروب الحوثية في عمران وهمدان وبني مطر، ومن قبلها في صعدة وأرحب وحجة.. إن صدقوا في ذلك فإن ما يلاحظ من تطابق مواقفهم وتقييماتهم السياسية وتناولاتهم الإعلامية (تطابق البعير على البعير كما يقال) تجاه هذه الأحداث هو الصدفة الأعظم في تاريخ اليمن، وهي تجعل قلب المؤمنين ساحة لتسرب الشك إليها في صحة قانون المصادفة الذي يعتمد عليه البعض (غير المؤمن) في تفسير بعض ظواهر نشوء الحياة! ولأن الصدفة المزعومة لا يمكن لها أن تنتج كل هذا الإبداع والإتقان في خلق الكون، والإنسان، والحياة الطبيعية من حوله ومن فوقه، وما يعلم وما لا يعلم.. لذلك لا مجال للحديث عن صدفة جعلت المخلوع والحوثي يكادان يتفقان على حيثيات وتقييمات في غاية الخصوصية، وفي تحديد العدو والصديق، وفي تفسير ما يحدث حولنا، بل وفي تفسير ما حدث قبل سنوات بعيدة! وكما يقول المؤمنون: سبحان الله عند رؤية إتقان صنع الخالق تعالى، وكما يقول العامة: سبحان الله عندما يرون متشابهين من البشر. فكذلك صار حتما أن نقول: سبحان الذي جمع المخلوع على الحوثي، وجعلهما (أيد واحدة)، وعلى قلب واحد!
[2] الرافضون لفكرة الصدفة التي وحدت مواقف الحوثيين والمخلوعين سيستدلون بأن علاقة الجماعة الحوثية بالمخلوع ليست جديدة، وأنها بدأت منذ سنوات بعيدة، والمخلوع ساعد وأسهم في الدعم المالي والعيني عبر رجال من الطينة نفسها، وفرقة الدعم السياسي والإعلامي الحوثية فرع صنعاء ظلت طوال الحروب الستة في صعدة وهي تنافح عن المخلوع وتبرئه مما جرى، وتلقي باللائمة على غيره، وتصوره بالمغلوب على أمره الذي تعرض للتغرير. وسيجد الرافضون أيضا في صيرورة عدد من أشد أتباع المخلوع سابقا في المؤتمر منظرين حوثيين (أو عادوا إلى بيتهم بعد أن انتهت مدة انتدابهم إلى المؤتمر) ومن وجود كتبة حوثيين في صحف المخلوع؛ دليلا على فساد فكرة الصدفة.. لأن الصدفة بمعناها الشائع قد تحدث مرة لكن أن تتكرر وتستقر أسبوعيا ويوميا، وتتوحد فيها القلوب وتتشابه الألسن، فهي ليست صدفة، ولكنها ظاهرة تحتاج إلى تفسير علمي محايد للكشف عما وراءها وما تحتها! ومسائل التماهي والتطابق الحوثي المخلوعي: سياسيا وإعلاميا عديدة ومعلنة يلتزمها الحوثة والمخلوعون على حد سواء بدقة يحسدون عليها. ولنبدأ باتفاقهم أو تآلف قلوبهم قبل ألسنتهم على إلقاء مسؤولية أحداث عمران وهمدان وأرحب وغيرها على الإصلاح. فلا يكاد يوجد اختلاف بين الطرفين في ذلك، بل يزايد المخلوعون في تبرير حروب مليشيات الحوثي بأنها تلقى تجاوبا شعبيا (يقصدون انضمام المؤتمريين إليهم) بسبب استياء الناس من عمليات الإقصاء لهم على يد الإصلاح! وتهمة الإقصاء هذه بالذات تصير نكتة عندما تصدر من عصابة سيطرت على اليمن من أقصاها إلى أدناها، ومن أسفلها إلى أعلاها. وعصابة علي صالح متهمة ليس فقط بإقصاء اليمنيين على أساس حزبي وطائفي (إلا بما يبعد العين!) بل على أساس شمالي/جنوبي، وبعض الحوثة الآن يشتكون أن الهاشميين أقصوا من مجال القضاء منذ 2005 أي في عهد المخلوع! وفي سنوات ما قبل الثورة الشبابية كان الإقصاء قد وصل إلى درجة أخرجت الملايين إلى الساحات والميادين! الحوثة بدورهم يمارسون أسوأ عمليات الإقصاء في المناطق التي يهيمنون عليها؛ بما فيه الإقصاء الرياضي بمناسبة كأس العالم، وإقصاء التراويح بمناسبة رمضان؛ ولا أحد يجرؤ مثلا على الزعم أن صعدة تحكمها صنعاء بعد أن تم إقصاء الدولة نهائيا منها! ويكفي دليلا أن الدولة ترسل وفود الوساطة ورسل سلام إلى صعدة وكأنها دولة مجاورة، وإلا لو كانت صعدة تتبع صنعاء لما كانت الدولة بحاجة لإرسال وفد للمفاوضة أو (للبزي)، ولكان الأولى أن تطلب ممن تريده أن يحضر إلى صنعاء فورا، وخاصة الموظفين المفترض أنهم يتبعون الدولة! هيمنة الحوثة على صعدة وإقصاؤهم للآخرين إلى خارجها ، وليس فقط من الوظيفة وحق العيش الحر، وحقيقة أن هناك عشرات الآلاف من أبناء صعدة نازحون عن بيوتهم وقراهم.. كل هذا لا يراه أتباع المخلوع، ومن باب أولى أنهم لا يرون في ذلك سببا للخروج ضد الحوثي والانضمام إلى خصومه كما يفعل أتباع المخلوع في المناطق التي تغزوها مليشيات الحوثي فتجدهم يهللون لها كما فعل غيرهم مع القوات الأمريكية في العراق بحجة.. الإقصاء!
[3] خذوا أيضا مسألة تحويل مقر الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة عامة، وانظروا من هم أشد المحرضين والمنددين الذين حولوا المسألة إلى أم الحدائق، أو قنبلة يهددون بتفجيرها كل حين وآخر؛ أليسوا هم الحوثة والمخلوعون؟ ولنفس الأسباب والمبررات! الاتهامات التي يوجهها الحوثة لخصومهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل هي نفس النغمة التي صارت طاغية في إعلام المخلوع، وموقفا رسميا لهم وكأن الزعيييم لم يكن ممن يحجون إلى البيت الأبيض إيمانا واحتسابا بالدور الأمريكي.. وإكليشيات مثل (الإرهابيين) و(التكفيريين) التي توجه لخصوم الحوثة صارت أيضا من الثوابت لدى المخلوعين المؤتمريين؛ حتى لكأن المخرج واحد، والموجه واحد، والتوجيه المعنوي للطرفين يصدر من مستنقع واحد! والحق أن عمران هي التي فضحت الأخوة الحوثية المخلوعية، وأكدت أن الطرفين صارا جبهة واحدة، فمن موقفهم المطالب بتغيير المحافظ السابق، إلى تغيير اللواء القشيبي وإخراج اللواء 310 من عمران إرضاء للحوثة ولفرع المؤتمر، إلى اتساق تفسيرهم لحرب الحوثي في عمران وتدمير المدينة وحصارها، والتمدد إلى مناطق أخرى! ولو تذكرنا اتفاق مواقف الحوثة والمخلوعين تجاه أحداث مؤامرة الأربعاء.. ومشكلة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية.. وهستيريا الطرفين بضرورة تغيير الحكومة، وجنونهم المشترك تجاه وزراء الإصلاح فقط. فكل ذلك يؤكد الأخوة الحوثية المؤتمرية، وأن كل طرف منهما يكاد يقول: رب أخ لم تلده أمك! ورب حليف لم يخرج من كهوف مران!
[4] هناك استثناء يخالف كل ما سبق يمكن ملاحظته في موافقة الحوثة على إعلان بلادنا أن رمضان يبدأ السبت وليس الأحد؛ على خلاف ماهو معروف عنهم من مخالفة موقف صنعاء في مثل هذه الحالات! بينما المخلوعون بدوا معارضين لإعلان ثبوت رؤية شهر رمضان! إذا استبعدنا تفسير قبول الحوثة بأنه مخالفة للسعودية كما قيل (الحقيقة أن السعودية كانت من أواخر الدول التي أعلنت موقفها) فقد يكون السبب هو أن الجماعة محتاجون لجمع الزكاة والفطرة وربما الخمس سريعا للحاجة إليها، أما المخلوعون فغاضبون على أساس (جيت يا رمضان عند الذي ...)!