أنفق إمام الجامع خطبة الجمعة لهذا الأسبوع على موضوع زواج الصغيرات, ووقف وقفة شرسة أمام من يدعون إلى تحديد سن الزواج. اندهشت كثيراً لحس المؤامرة الذي نتمتع به على الرغم من كل الأحداث التي حدثت وتحدث حولنا، وكل الاختراقات التي تهدر طفولة بناتنا, من تزويج طفلات لم يتجاوزن الثامنة من العمر لا لشيء سوى الحصول على المهر, فيما ارتأى الإمام أن تلك مؤامرة على بناتنا لنشر الرذيلة, ولم أفهم أية رذيلة تأتي من طفلة عمرها ثمان سنوات! وفيما والبعض يناضل من أجل ترك سن الزواج مفتوحا, لا نجد من يجرّم جرائم البيع التي يرتكبها بعض الآباء بحق بناتهم. ثم منذ متى تجيز الأديان زواج الأطفال!!أما قصة أمنا عائشة رضي الله عنها والتي اتكأ عليها الإمام كثيرا، فإلى جانب أن هناك خلاف كبير بين المؤرخين في ما يتعلق بسنها عند الزواج, هناك أيضا أمر آخر هام, وهو سن النضج النفسي الذي يختلف من زمن إلى زمن. وفيما كان الفاتح في سن العشرين وهو في قمة مجده وفتوحاته, نجد شبابنا في هذا العمر لا يزالون يلعبون الجيم والاتاري..
أما الأهم من هذا وذاك أن نرشح من القضايا المختلف عليها ما يتناسب ويتناغم مع روح ديننا الحنيف, انه دين حكيم ولا يوجد في زواج صغيرات السن إلا الكثير من الجهل والظلم والرعونة, وتخيلوا معي عروساً تحمل لعبتها وهي على كرسي العرس, أو طفلة حامل بطفل!! كم هو مؤسف أننا لا زلنا نناقش مثل هذه القضايا التي يكفي للبت فيها أن نسلمها لأهل الاختصاص من أطباء ودكاترة نفسيين فيقدمون لنا الصورة السوداء لزيجات كتلك لا إنسانية وهدم لقيم الطفولة.
أما ما كنت أتمنى من الإمام في مثل هذا موضوع -وقد تطرق إليه- أن يتحدث أيضاً عن الاختراقات التي يجرمها الدين في ما يتعلق بزواج الصغيرات, وأن ينبه للمحددات التي تحد من مثل هذه الزيجات وتجعلها تكاد تكون منعدمة إذا ما التزمنا بها, وأهم من ذلك أن يؤكد على عدم تشجيعه لفكرة الزواج المبكر وإنما لا يحبذ تحديد سن الزواج. أعتقد أن هذه كانت أفضل طريقة لمناقشة قضية كهذه حافلة بالكثير من المخاطر على بناتنا وعلى مجتمعاتنا معا.
أخيراً.. المؤسف أن الإمام لم يتذكر قضية هامة مثل قضية الجعاشن سوى في آخر الخطبة, ولا أدري أي القضايا أهم: رفع الظلم عن الناس أم تزويج البنات الصغيرات!