"حصل ما لم يكن بالإمكان ان يحصل", تقول ايلن جونسون سيراليف رئيسة ليبيريا عن انتشار وباء الايبولا في بلدها و تضيف عن الحاجة الى "اجراءات استثنائية لضمان بقاء الدولة", هكذا صار الحديث في دول مثل نيجيريا, غينيا, سيراليون حديث البقاء و الفناء و في الجانب الآخر ثم الاعلان عن وفاة حالة في المملكة العربية السعودية فيما اكدت الدكتورة مارغريت تشان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الى ان موجة الوباء الحالية هي الاكبر و الاخطر منذ اربعة عقود.. فهل ينبغي ان يهمنا ذلك؟. حسنا, الحديث عن وباء الايبولا هو تماما كالحديث عن المهددات الكبيرة للبشر كالكوارث و الحروب و الصراعات و الاوبئة و ما يتداعى منها و يتفانى, و تشكل معا حلقة متداخلة و مترابطة, يجمعها دائما رابط الدمار و الخراب و الموت.
من الناحية الطبية, يمكن تعريف الحالة بانه مرض شديد (و غالبا ما يكون قاتل) يصيب البشر و يسببه فيروسRNA من عائلة الفايلوفيرديا. تمكن العلماء من عزل الفيروس و التعرف عليه لأول مرة عام 1976 خلال الجائحة في كل من دولة الكونجو و السودان.
من المفيد هنا ان نشير الى الاعراض الشائعة للمرض و التي يمكن لها ان تساعد في الكشف المبكر و هي عادة اعراض مشابهة للحميات و يصعب التفريق بينها و تشمل الحمى المرتفعة, اوجاع العضلات, الاعياء و الخمول, الطراش و الاسهال, احتقان بالحلق, الطفح الجلدي, احمرار العينين, تقيؤ الدم و الاسهال المصاحب للدم حيث يعتبر النزيف اكثر الاعراض خطورة. لا ينتقل الفيروس عبر الهواء و هذه نقطة مهمة في السيطرة على المرض حيث انه ينتقل عبر الاتصال المباشر من شخص مصاب الى آخر سليم من خلال الدم و سوائل الجسم و افرازاته, عبر الابر الملوثة و كذلك الاتصال الجنسي. ان فترة الحضانة للفيروس تصل الى 21 يوم و لا ينتقل المرض خلال فترة الحضانة و هذه نقطة اخرى مهمة في السيطرة على المرض حيث انه ينتقل بصورة اسرع بعد ظهور الاعراض و مما سبق يمكننا تلخيص المجاميع الاكثر عرضة للمرض و هي اطقم الرعاية الطبية المشرفة على المريض, عائلة المريض, الاشخاص المشاركون في دفن المريض.
و على ذلك يمكننا الجزم ان مرض فيروس الايبولا رغم الشراسة التي يظهرها و ارتفاع نسب الوفيات والتي قد تصل الى 90% و عدم وجود علاج او مصل ناجع حتى هذه اللحظة فانه على الدوام كان مرض يمكن السيطرة عليه, و في ذلك يقول باراك اوباما "ان على الدول التي تفشل في السيطرة على مرض الايبولا ان تعترف و تراجع نظامها الصحي".
و في الجهة الاخرى فان مرض فيروس الايبولا كان على الدوام اكثر الامراض اثارة للجدل الاخلاقي و الطبي منها جدل استخدامه كسلاح بيولوجي و الجدل الاخلاقي حول استخدام عقار علاجي في علاج المرض دون استيفاء الشروط العلمية, جدل العزل و التعامل مع المرضى, جدل الاعلان عن وجود دلائل على المرض دون التحقق من ذلك او من انتشاره و الجدل الاخلاقي حول دفن مريض الايبولا.
في حالتنا يدور جدل صحي حول اخلاقية اتخاد تدابير صارمة تجاه الدول التي ينتشر فيها الوباء حيث انه و من الناحية الاخلاقية فان عزل هذه الدول برا و بحرا و جوا سيؤدي الى الانهيار الاقتصادي و الفناء و هو ما قصدته الين جونسون سيراليف في حديتها حول البقاء و لكن بالمقابل فان منظمة الصحة العالمية اعلنت حالة الطوارئ الصحية و في محيطنا الاقليمي اعلنت خمس دول من دول الخليج تدابير و عزل تجاه هذه الدول و هي بالمناسبة "الدول الخليجية" نظامها الصحي يعتبر جيد و عليه و من وجهة نظري الشخصية فإنني اؤيد اتخاذ مثل هذه التدابير بالتزامن مع الدول الخليجية لسبب وجيه و هو ان مجرد الاعلان عن وجود حالة لدينا فان دول العالم و الاقليم لن تتردد اطلاقا في اتخاذ مثل هكذا تدابير سواء بريه, بحرية او حتى جويه و هنا يأتي الجدل الاخلاقي حول حق الاعلان الرسمي عن وجود حالة من عدمه "في حالة وجود حالة مشخصة فعلا", حيث يرى بعض الزملاء انه يتعين اخلاقيا الاعلان رسميا عن وجود حالة متى ما كانت متواجدة حيث ان ذلك جزء من العلاج و سيساعد ذلك على جلب المساعدات من العالم و مع ذلك فانني ادعو الى التعامل بحدر و هدوء, يمكن لنا بتدابير ذاتية ان نسيطر على المرض و لا ينبغي الاعلان عنه لسبب ان اكثر الفئات عرضة للخطر هي الكوادر الطبية و هي ليست في مرحلة القدرة على تحمل الصدمات, كما ان دول مثل السعودية و غيرها لن تتردد اطلاقا عن عزل البلاد و هو ما يعني معا الصدمة الطبية و الصدمة الاقتصادية.
و اخيرا الجدل الاخلاقي حول دفن المريض المتوفي لو حصل ذلك لا سمح الله حيث انه يسبب نسب اصابة مرتفعة جدا, فهل ستقام مراسيم غسله, و من سيقوم بذلك, و هل الصلاة عليه صلاة حاضر ام صلاة غائب, و الكثير من الاستفسارات و التي ينبغي الاجابة عنها دوما بما ُسيمكننا من اتخاد اجراءات ضامنه في المستقبل.
عام 1995 تنبأت الدراما الامريكية في فيلم الجائحة "”Outbreak , عن مرض الايبولا و رغم ان الفيلم كان دراما من الافك المبين لوقائع صحيحة تاريخيا, فان الوباء عام 2014 ادى حتى هذه اللحظة الى وفاة اكثر من 1060 حالة و عجز اقتصادي مرعب في الدول الافريقية... فهل ينبغي ان يهمنا ذلك؟.