تمر الساحة السياسية في اليمن بأصعب مراحلها على الإطلاق, فبعد أن كانت الساحة اليمنية مفتوحة على كل الاحتمالات الإيجابية والسلبية, عقب أحداث العام 2011, وما تبعها من تحركات سياسية, انتهت بالاتفاق على انتقال سياسي مزمن وفق مبادرة مجلس التعاون الخليجي. انتقلت اليمن إلى المرحلة الثانية, وهي مرحلة تنظيم الأزمة وضبطها,حيث اتبعت الدولة الانتقالية سياسية التجميد وسيلة لإدارة الأحداث وقد برزت هذه السياسة التي اتخذتها الدولة من خلال تعاطيها مع أعمال العنف والتفجيرات والتصفيات التي ظهرت خلال هذه المرحلة, حيث التزمت الدولة الحياد في هذه الصراعات, و استطاعت قوى الأمر الواقع خلال هذه المرحلة أيضاً من تثبيت نفسها في الساحة السياسية, ومساومة الدولة لفرض خياراتها, مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد.
فقد تكبدت اليمن خسائر اقتصادية فادحة نتيجة الأزمات المستمرة, الأمر الذي أدى إلى قيام الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية, من أجل تعويض كلفة الانتقال السياسي, ولكن هذا الاجراء أشعل موجة احتجاجات شعبية استغلها الحوثيون للحصول على مكاسب سياسية, الأمر الذي أدخل اليمن في مرحلة أخرى, فى وقت يتوق فيه اليمنيون إلى إنجاز دستور للبلاد, واستكمال المرحلة الانتقالية بانتخابات برلمانية ورئاسية.
ويطالب الحوثيون بإسقاط الجرعة, وتغيير الحكومة, كما يسعى الحوثي للضغط على الدولة, بإعادة النظر بتقسيم الأقاليم بما يلائم مصالحه, من خلال جمع مناطق نفوذه بإقليم واحد, (صعدة – حجة – الجوف- عمران).
وهو تحرك يهدف الى تقويض المرحلة, الأمر الذي قد يؤدي إلى دخول البلاد نفقاً مظلماً من الفوضى السياسية, مما يعني مزيداً من التدهور في أداء الدولة, ومزيداً من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق, قد ترضخ الدولة لمطالب قوى الأمر الواقع, وشرعنتها, أو الدخول في تفاوض معهم من أجل التوصل إلى حل وسط, سعياً منها لحفظ التوازن.
وهو اجراء تعتبره بعض القوى انجرار تراجعي لدور الدولة من حل الأزمة إلى إدارة الأزمة, ويخشى مراقبون أن تؤدي هذا التنازل إلى تنازلات أخرى تقلص من أداء الدولة, حتى تصبح غطاء للأزمة, تمهيداً إلى إلغاء مهمة الدولة.
مع بدء الاعتصامات التي أعلن عنها عبدالملك الحوثي, تكون البلاد قد دخلت مرحلة أخرى, هي مرحلة التأثيرات والضغوط السياسية واستحقاقاتها, وهي مرحلة التحضير لخريطة سياسية جديدة لليمن, خصوصاً مع صعود أنصار الله كقوة سياسية جديدة إلى الساحة تخوض معركتها السياسية على الأرض, وتلوح باستخدام القوة في حال اتخذت الدولة أي إجراءات أمنية ضدها، وبين تعثر الحلول, والتخوف من مفاجآت المرحلة, تدخل الدولة في حالة من الحيرة السياسية, وتنعكس معالم الأزمة في تحركات الدول الراعية لعملية الانتقال السياسي أو جمودها, والخطورة تكمن في جمود التحرك الدولي, فيما الأزمة اليمنية مرشحة لخلط الأوراق من جديد, خصوصاً أن الحلول للأزمة ليست بيد اليمنيين وحدهم, ولن تستطيع الدولة بمفردها عمل شيء لإنقاذ البلاد وتحقيق الوفاق خلال هذه المرحلة.
لقد أدركت القوى السياسية خطورة المسار الميداني للأزمة في العاصمة, وتحاول بالتشاور مع رئيس الدولة أن تنقذ الوطن من مخاطر الاحتجاجات الضاغطة لتحقيق مكاسب سياسية صعبة التحقق, ولهذا قد تتجه السلطات اليمنية إلى تدويل الحل, بعد تعثر المفاوضات مع اللجان الرئاسية, ومقاطعة الحوثيين لجلسات الهيئة الوطنية, وما يزيد في خطورة التطورات أن الدولة دخلت في مرحلة الحيرة السياسية, وتنعكس معالم الأزمة في تحركات الدول الراعية لعملية الانتقال السياسي أو جمودها, والخطورة تكمن في جمود التحرك الدولي, فيما الأزمة اليمنية تدخل مرحلة خلط الأوراق من جديد, خصوصاً أن الحلول للأزمة ليست بيد اليمنيين فقط, ولن تستطيع الدولة بمفردها عمل شيء لإنقاذ البلاد وتحقيق الوفاق خلال هذه المرحلة.
فهل انتهى الدور الدولي في المسألة اليمنية؟! وهل لدى الدولة والقوى السياسية فعلاً ما تقدمه من تنازلات لصالح مكون أنصار الله, في وقت يخسرون فيه ثقلهم, وأوراقهم, ووقتهم. في الواقع جملة المواقف والقرارات التي اتخذها الرئيس هادي خلال مراحل حكمه جاءت متوازية ومتداخلة لتعكس إرادته في تحريك الأمور في سياق إنقاذي, وإن كان يتعرض للنقد من هذا الفريق أو ذاك, إلا أنه قد جنب البلاد ما هو أخطر من حرب عمران وما تبعها من توترات.
وقد وازى تلك المواقف قرارات أخرى معلنة وغير معلنة في المؤسسة العسكرية, صبت جميعها في توحيد الجيش.
وحين يرسل الرئيس هادي وفداً رفيع المستوى إلى صعدة, للتفاوض مع عبدالملك الحوثي, فهذا يعني أن الرئيس قد منح الحوثي فرصة تاريخية أخيرة للدخول في شراكة وطنية حقيقية تحقق الوفاق الوطني, وهي الخطوة التي يسعى من خلالها الرئيس إلى سحب الساحة اليمنية من أن تكون ساحة للصراعات وتصفية الحسابات, وصراع المصالح, إلى ساحة للشراكة السياسية والاسهام في تسريع عملية الانتقال السياسي. فهل يدرك الحوثي مغبة الاستمرار في مغامراته, وأهمية التقاط الفرصة التي قد تحقق له ك قوة سياسية مكاسب غير عادية, أهمها فرض خياراته السياسية, والإسهام بتأسيس الدولة الجديدة, فكل المعطيات تؤكد أن لا تنازلات أخرى ستقدمها الدولة, وإن استمراره في تحركاته الغير سلمية, سيؤدي حتماً إلى انتكاسة في مساره, وربما يتسبب في تدخل عسكري خارجي مباشر, و استدعاء قوات دولية, لإيقاف الصراع, وبالتالي إضعاف حركته وتراجع دوره السياسي, وثقله في المجتمع.