كان يوماً سيئاً لليمنيين. نحو سبعة قتلى سقطوا على أعتاب مبنى الحكومة في قلب العاصمة صنعاء، هناك أراد الحوثيون أن يعيدوا فرض تجربة حزب الله، في بيروت: شل الحكومة وتعطيلها، وإسقاطها مادياً ومعنوياً، ورفع مستوى السقف التفاوضي مع السلطة، على البنود السرية التي تختفي خلف شعار إسقاط الجرعة. لا يوجد يمني مسرور لما حدث وللدماء التي سالت، وللضحايا من الجنود ومن المتظاهرين الحوثيين، الذين سقطوا نتيجة هذا العمل العبثي، لكن في المقابل لا يوجد يمني واحد يمكن أن يراهن باليمن وبأمن واستقرار العاصمة صنعاء، مقابل إسقاط الجرعة، التي تحولت إلى قميص عثمان جديد، كما يصفها العميد المتقاعد محسن خصروف. هذا القميص الذي يرفعه طرفٌ سياسيٌ، لفرض أجندته السياسية، ومحاولة فرض هيمنته على القرار السياسي، وأعني بهذا الطرف تحديداً الجماعة الحوثية المسلحة، ومن يتحالف معها من بقايا النظام القديم.
اليوم رَشَحَ عن الرئاسة أن الرئيس هادي رفض طلباً للحوثيين بضم محافظة حجة وميناء ميدي إلى إقليم آزال، وبالأمس تسربت معلومات بشأن رغبتهم في الحصول على جهاز الأمن القومي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والنيابة العامة، ونسي الحوثيون ربما أن يطالبوا بمصلحة السجون، لأن التركيز على هذه الجهات بالتحديد، لا يدل سوى على رغبة هذه الجماعة في تقييد النظام السياسي وإدانته وإيداعه السجن متى ما توفرت الظروف المناسبة لكي تستولي على السلطة بشكل مباشر.
مزيد من المسلحين يتدفقون إلى ساحة التغيير ومحاولات لإدخال مزيد من السلاح إلى العاصمة من الجهة الجنوبية ومن جهاتها الأربع. إن الحوثيين وحلفاءهم يغامرون بحياة الناس في هذه المدينة المكتظة بالسكان من كل أنحاء اليمن، ماذا يريدون من كل هذا السلاح، وما الذي سيتحقق بعد فشلهم في الاستيلاء على مقر الحكومة، هل ينوون توسيع نطاق المواجهة مع الدولة، وإشعال حرب في صنعاء؟.
إن قيام قوات الأمن بواجبها في محيط الحكومة، أعاد الثقة إلى اليمنيين بأن لديهم جيشاً وطنياً ولديهم قوات أمنية مؤمنة بواجبها القانوني والدستوري، ولديها انتماء حقيقي للوطن. الثقة التي كانت قد فقدت بفعل التصرفات اللاوطنية لحفنة من جنود النجدة وبعض جنود قوات مكافحة الشغب، الذين تواطؤوا مع المتظاهرين وتقاعسوا عن القيام بواجبهم في إخلاء شارع رئيسي بالعاصمة، وتحرير وزارات مهمة من حصار المتظاهرين غير السلميين.
لقد أعاد تصرف القوات الأمنية في محيط الحكومة اليوم، الثقة بأن الدولة قادرة على محاصرة المغامرات التي تقدم عليها الجماعات المسلحة؛ "الداعشية" و"الداحشية"، وقادرة على فرض القانون.
إن الفعل الاحتجاجي الثوري، الذي يستند إلى الإرادة الشعبية، يجب أن يكون سقفه الأعلى هو السلمية، والفعل لاحتجاجي عندما يغادر مربع السلمية، فإنه يتحول إلى فوضى، وحينما يتحول المحتجون إلى مليشيات مسلحة، فإن الصراع يخضع في هذه الحالة لميزان القوى، ولا يحتكم إلى أي معيار أخلاقي، إذ على الدولة أن تقوم بواجبها في مواجهة العنف بالقوة المناسبة وبما يكفي لحمل المليشيات المنفلتة على القبول بالسلام واحترام النظام والقانون.
لا نريد لليمن أن ينزلق إلى مستنقع العنف الدموي، ليست هذه هي الجائزة التي ننتظرها بعد أكثر من ثلاثة عقود من المعاناة والفقر والجوع والحرمان.
لقد خرج اليمنيون بمختلف شرائحهم في 11 من فبراير في ثورة شبابية شعبية سلمية، مثَّلتْ أروع صور التلاحم والوحدة الوطنية، وعبّرت تلك الثورة عن إيمان الحشود اليمنية الهادرة العميق بالسلمية، وبالخيار السلمي، حتى نجحت في الدفع بالأمور إلى مسار التغيير. وعندما اتفق اليمنيون على تحقيق التغيير عبر مسار انتقال يقوم على الحوار والوفاق، استطاعوا أن يحققوا أهدافهم وأن يجتمعوا في مؤتمر حوار ناقشوا فيه كل القضايا التي تهمهم، واستطاعوا أن يعيدوا صياغة نظامهم السياسي وشكل الدولة، ووضعوا حلولاً ناجعةً لقضايا بالغة التعقيد كالقضية الجنوبية وقضية صعدة.
ومع ذلك؛ لم يكن طريق الحوار والوفاق مفروشاً بالورود، فقد قوبل بعقبات وأحداث ومحاولات يائسة للتعطيل أخذت أشكالاً عدة؛ كافتعال الحروب في شمال العاصمة من قبل الحوثيين، وضرب أنابيب النفط وخطوط الكهرباء من قبائل مجاميع تخريبية، وقطع الطرقات وتنفيذ عمليات ممنهجة لاغتيال رجال القوات المسلحة والأمن، ونشاط القاعدة، وكلها مثلت تحديات خطيرة ومؤثرة.
وما أراه اليوم من إعادة لهندسة الثورة في اليمن وفق رؤية إيرانية، ليس إلا حلقة من حلقات استهداف عملية التسوية السياسية والنظام الانتقالي، وفرض واقع جديد يقوم على فرض نفوذ قوى مرتبطة بالحلف الإيراني في المنطقة، وهو نفوذ أُريد له أن يقوم ليس فقط على حساب القوى السياسية الحالية، ولكن على أنقاضها، فمشروع كهذا لا يقبل القسمة على اثنين ولا يحتمل صيغة العيش المشترك، إنه يقوم على الهيمنة المطلقة لطرف سياسي ومذهبي وجهوي، وهذا هو التفسير الوحيد للتصفية الطائفية الممنهجة التي أقدمها عليها الحوثيون في صعدة وعمران، وهذا لا يعني سوى دخول البلد في مرحلة جديدة من الصراع والعنف والدماء. حفظ الله اليمن.