تعد تحركات جماعة الحوثي في الآونة الأخيرة وفي إطار ما أسمته "التصعيد" ضد قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية بمثابة وأد للنبض المتباطئ لحركة الاقتصاد الوطني الذي يُعاني ضعفاً قد يتعثر في ظل انسداد الأفق أمام الحلول السلمية. وأقدمت جماعة الحوثي والتي حشدت مجاميعها المسلحة على كل الطرق التي تربط العاصمة بالمحافظات، وفي خطوة تصعيدية على قطع الطرق المؤدية إلى صنعاء أمام السيارات والقاطرات الحكومية، بالإضافة إلى إغلاقها لساعات أمام حركة سير المواطنين بشكل نهائي في خطوة لفرض حصارٍ اقتصاديٍ على العاصمة صنعاء .
حيث قامت باحتجاز العشرات من القاطرات التابعة للمؤسسة الاقتصادية وكذا العديد من ناقلات النفط التى تزود العاصمة بالنزين والديزل والغاز، بالإضافة إلى قيامها بنصب مخيمات الاعتصام في الشارع المؤدي إلى مطار صنعاء والذي يضم وزارات الداخلية والكهرباء والاتصالات، ومبنى البريد.
ولم تنجح كافة الحلول السلمية التي تقوم بها اللجان الرئاسية حتى وقت كتابة هذا التقرير في إقناع الحوثي بسحب مسلحيه من العاصمة ومداخلها في ظل تزايد المخاوف لدى غالبية اليمنيين من استمرار أعمال التصعيد من قبل جماعة الحوثي ليكون الحسم المسلح هو الخيار الأخير.
وكان المدخل الجنوبي للعاصمة شهد خلال الأيام الماضية مواجهات بين مسلحي الحوثي المعتصمين وقوات من الجيش التابعة لقوات "الاحتياط" التي نصب المسلحون خيامهم بالقرب منه.
حيث أبدى القطاع الخاص في اليمن قلقاً كبيراً من التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السياسية، الأمر الذي ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي.
وطالب الاتحاد العام للغرف التجارية في بيان له جميع الأطراف في الساحة السياسية بضبط النفس والتعامل بعقلانية مع قضايا الوطن وتغليب لغة العقل والمنطق على لغة القوة وفرض الأمر الواقع.
محمد سيف، سائق دباب (باص صغير) أجرة، عب�'ر عن تخو�'فه جراء التصعيد المستمر الذي دفعه إلى نقل أسرته ومغادرة بيته في الجراف شرق، والاستقرار جنوب العاصمة، حيث يعتقد أنه أقل خطراً.
ولعل ما يثير الرعب لدى محمد تخو�'فه من توقف مصدر رزقه الوحيد الذي تراجع في الأيام الماضية نتيجة تصعيد جماعة الحوثي وقطع الشوارع وتوقف حركة السير لساعات.
ويرى العديد من خبراء الاقتصاد أن هذه التحر�'كات ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني من خلال توقف بعض الخدمات وانعدام السلع وارتفاع أسعارها بسبب شحة المعروض.
وأوضح الخبراء أن استمرار الاحتجاجات وقطع الطرقات مع استمرار المواجهات في الجوف سيحد وبشكل كبير من فعالية وتأثير الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً بسبب توقف النشاط الصناعي والتجاري جراء احتجاز الحوثيين قاطرات النفط وقطع الطرقات وتعطيل المصالح العامة والخاصة.
وأكد خبير السياسات التنموية في وزارة التخطيط عبد المجيد البطلي في تصريح ل"المصدر أونلاين" أن الاضطرابات والقلاقل الأمنية والتوجسات لدى الناس جراء الأوضاع الحالية ستؤدي إلى انعدام الثقة بالوضع الاقتصادي ما يدفع المستثمرين إلى تجميد أنشطتهم الاستثمارية حتى البسيطة منها، وبالذات في العاصمة صنعاء أو المناطق الملتهبة.
وأشار إلى أن الاستقرار الأمني والسياسي يعتبر شرطاً مسبقاً لإحداث التنمية الاقتصادية في بلد ما، وما وصلنا إليه تجاوز حدود ما هو مقبول؛ لأن الشعور بالقلق سيدفع الكثير من رؤوس الأموال إلى مغادرة اليمن وتحويل أموالهم إلى العُملة الصعبة، وهو ما سيؤثر على العُملة المحلية، خصوصا إذا ما استمرت حالة الاحتقان والتوتر الحالية؛ لأن المستثمر يبحث عن البيئة الآمنة والمستقرة.
ولفت إلى أن قدرة الاقتصاد على الصمود في ظل الأوضاع الراهنة لن تكون إلى ما لا نهاية، خاصة مع الانعكاسات السلبية جراء توق�'ف النشاط التجاري والاستثماري من حيث ارتفاع معد�'ل البطالة، ومن ثم تدني مستوى معيشة المواطن.
وأضاف أن الأعمال التخريبية سواءً التقطع خارج صنعاء أو ما تتعرض له أنابيب النفط والغاز وخطوط نقل الطاقة الكهربائية يؤدي إلى إرهاق الاقتصاد، خاصة تخريب انابيب النفط التي تشكل خسائر مباشرة وهدراً لأهم رافد للموازنة العامة.
وبي�'ن أن هذه الأعمال تعيق الحكومة في تنفيذ برامجها التنموية داخل المناطق التي تشهد توتراً وأعمال عنف، بالإضافة إلى تأثر عائدات الدولة من الضرائب بسبب ركود وجمود بعض الأنشطة التجارية.
ونو�'ه إلى أن إلغاء الجرعة سيعيدنا إلى المربع الأول وعودة الأزمة الخانقة وبشكل أكبر، لافتاً إلى أن الأعباء جراء رفع أسعار المشتقات النفطية قد تحملها المواطن عبر ارتفاع أجور النقل وأسعار بعض السلع وأنها لم تنخفض عقب إقرار الحكومة بخفض 500 ريال، ولن تنخفض حتى ولو تم خفض 500 ريال أخرى، وبالتالي يجب على الحكومة أن تبي�'ن للمواطن وبشفافية ومصداقية كيف سيتم تخصيص الموارد التي كانت تذهب لدعم المشتقات النفطية.
وكان مجلس الوزراء وافق على مقترحات اللجنة التى شك�'لها هادي للتفاوض مع الحوثي والتي تقضي بخفض 500 ريال لكل 20 لتر، من القيمة المضافة على البنزين والديزل ليصبح السعر الجديد 3500 ريال للدبة البنزين و3400 للديزل، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة.
يأتي هذا القرار، الذي قوبل برفض جماعة الحوثي، استجابة من الرئيس هادي لمطلب الشارع المتململ والمحتقن عقب إقرار الحكومة في التاسع والعشرين من يوليو الماضي رفع سعر البزين إلى 400 ريال للدبة 20 لتراً، بنسبة 60% مقارنة بالسعر السابق والديزل إلى 3900 ريال، وبنسبة ارتفاع 95% عم�'ا كانت عليه لتكون بذلك مقاربة للأسعار العالمية.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الخطوة إلى دعم ميزانيتها التي تُعاني اختلالاً كبيراً نتيجة لتراجع حجم الايرادات النفطية التي تشكل أكثر من 55% من الموازنة العامة للدولة وتعر�'ض أنابيب نقل النفط لأعمال تخريب، وارتفاع فاتورة دعم المشتقات النفطية.
وبالرغم من أن القرار كان متوقعاً ومنتظراً؛ نتيجة الأزمة الخانقة جراء انعدام المشتقات النفطية في المحطات الرسمية والتصريحات الحكومية والرئاسية المتكررة، إلا أن الأسعار الجديدة تجاوزت التوق�'عات.
في أعقاب ذلك خرج بعض الشباب الغاضبين إلى شوارع العاصمة وقاموا بإحراق الإطارات وشل حركة السير لساعات تراجع زخمها عقب تدخل وحدات عسكرية تابعة للحماية الرئاسية لإخماد تلك الحرائق وفك الطرقات.
وساقت الحكومة كل المبررات لإقناع مواطنيها بجدوى الجرعة وفائدتها على الاقتصاد الوطني, إلا أن هذه المبررات لم تقنع جماعة الحوثي التي تأخ�'رت قليلاً في اتخاذ ما اسمته الخطوات التصعيدية لإسقاط الجرعة، ربما لصعوبة الجزم بالمكاسب المحتملة. وج�'ه الحوثي دعوة لأنصاره إلى الخروج في صنعاء للتظاهر، وحشد من أجل ذلك كل أنصاره من القرى والمحافظات التي أعلن سيطرته عليها بمساندة كثير من المواطنين الرافضين للجرعة.
وجد الحوثي الفرصة سانحة ليقد�'م نفسه المنقذ في ظل غياب الفاعلين الآخرين على الساحة الوطنية ليحشد مسلحيه على مداخل العاصمة وفرض مزيدٍ من نقاط التفتيش بالقرب من الخطوط الرئيسية التى تربط العاصمة بباقى المحافظات.
وتخوض جماعة الحوثي بالتزامن حرباً مفتوحة في محافظة الجوف في إطار مواصلة بسط نفوذها على المحافظات الشمالية منذ العام 2011، في المقابل ينشط تنظيم القاعدة في الجنوب ويرفع من وتيرة هجماته على الجيش والأمن، ليشكلان ثنائياً هادماً لمقو�'ِمات التنمية الاقتصادية.
وبحسب الخبراء، هذه الحروب أنهكت الاقتصاد الوطني وقضت على كل مقو�'مات التنمية في المجتمعات المحلية وأوقفت غالبية الأنشطة الاقتصادية للمواطنين وهجرت الكثير منهم، بالإضافة إلى حاجة تلك المناطق إلى مبالغ كبيرة لإعادة الإعمار تقد�'ر بمليارات الدولارات.